Please Wait
5457
اذا کان هناک من یعتقد بانه یوجد من یتمکن استقلالا و من دون إذن الهی من محاسبة العباد و یعین لکل منهم جزاءه ثوابا و عقابا و تکون إرادة ذلک الشخص فی عرض إرادة الله تعالى غیر تابعة لها، فمن البدیهی أن هذا الاعتقاد باطل لا یذهب الیه من له أدنى إلمام بالمفاهیم و الاصول الدینیة. أضف الى ذلک أن هذا الفرض یتعارض مع التوحید الفاعلی له سبحانه.
و لکن لو إعتقد أنسان بانه هناک طائفة من الخواص و المنتجبین و المخلصین یستطیعون بإذن من الله تعالى و فی طول إرادته سبحانه من القیام بمحاسبة العباد و تعیین الجزاء و الثواب لهم، فهذا الفرض من الناحیة الإمکانیة ممکن التحقق و قابل للتصدیق به و لایوجد فیه ما ینافی شأن الباری تعالى عقلاً و شرعاً.
ثم ما المحذور فی أن فی أن یظهر الله تعالى منزلة بعض عباده الذین بذلوا الغالی و النفیس و لم یبخلوا بشیء أبداً فی سبیله تعالى کالإمام الحسین (ع) فیظهر فضلهم من خلال ما یوکله الیهم من عملیة حساب العباد وفقاً لموازین العدل الالهی.
قبل البدء بالاجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة الى إبهام وقع فی متن السؤال. و هو أن الاستبعاد الذی وقع فی متن السؤال هل هو ناظر الى مقام الإثبات أو الثبوت؟ و بعبارة أخرى: أن السائل لم یبین لنا، هل أن تصدی غیر الله تعالى لحساب العباد أمر ممکن فی ذاته و السائل یبحث عن مقام الائمة وهل هم جدیرون بذلک أم لا؟ أو أن ذلک (الحساب من قبل غیر الله) مستحیل ذاتاً حسب اعتقاده؟
من هنا نحاول دراسة القضیة على کلا الفرضیتین:
بحث الثبوت و الإمکان
بالنسب الى هذا الفرض هناک إحتمالان متصوران:
الف: نفرض هناک من یتمکن استقلالا و من دون إذن الهی من محاسبة العباد و یعین لکل منهم جزاءه ثوابا و عقابا و تکون إرادة ذلک الشخص فی عرض إرادة الله تعالى غیر تابعة لها.
و من البدیهی أن هذا الفرض لا یذهب الیه من له أدنى إلمام بالمفاهیم و الاصول الدینیة. أضف الى ذلک أن هذا الفرض یتعارض مع التوحید الفاعلی له سبحانه؛ من هنا لا یوجد من یؤمن بالله و بالیوم الآخر یذهب الى هذا الرأی.
ب: هناک طائفة من الخواص و المنتجبین و المخلصین یستطیعون بإذن من الله تعالى و فی طول إرادته سبحانه من القیام بمحاسبة العباد و تعیین الجزاء و الثواب لهم.
هذا الفرض من الناحیة الإمکانیة ممکن التحقق و قابل للتصدیق به و لایوجد فیه ما ینافی شأن الباری تعالى.
لکن یقع البحث هنا فی مرحلة الاثبات و التحقق الخارجی، و هنا لابد من الإجابة الوافیة و الشاملة و لکن هذا یقتضی الاشارة الى بعض النقاط المهمة:
أولا: لا شک أن النظرة الاولیة تفضی الى الاذعان بان من له استقلالیة الحکم و القضاء هو الله تعالى و لایوجد من یشارکه فی هذه الاستقلالیة أبداً "وَ لا یُشْرِکُ فی حُکْمِهِ أَحَداً".[1]
ثانیاً: صحیح أن الله تعالى لا یعجزه شیء فی الارض و لا فی السماء و أنه قادر على کل ما یرید و مجرد أن تشاء إرادته وقوع الشیء یقع "إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُون".[2] و لکن فی الوقت نفسه شاءت إرادته سبحانه و سنته أن تجری الامور باسبابها؛ و من خلال إیکال الامور الى عباده و مخلوقاته، من هنا نراه سبحانه قد جعل رسلا منهم و کلفهم بانجاز کثیر من الأمور؛ فعلى سبیل المثال مع أننا نؤمن إیماناً راسخاً بان الموت و الحیاة بید الله تعالى لکنه فی نفس الوقت قد صرح فی کتابه الکریم بانه اوکل ذلک الى ملک الموت "قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّکُمْ تُرْجَعُون".[3] و قوله تعالى "وَ لَوْ تَرى إِذْ یَتَوَفَّى الَّذینَ کَفَرُوا الْمَلائِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَریقِ".[4]
و نرى فی القرآن الکریم فی قصة البشارة لزکریا و بانه سیرزق بمولود اسمه یحیى، فمع أن الله تعالى قادر على أن تبشیره بصورة مباشرة و من دون واسطة تراه یصرح بقوله تعالى "فَنادَتْهُ الْمَلائِکَةُ وَ هُوَ قائِمٌ یُصَلِّی فِی الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ یُبَشِّرُکَ بِیَحْیى مُصَدِّقاً بِکَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ سَیِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِیًّا مِنَ الصَّالِحین".[5] و هناک الکثیر من تلک الامثلة و النظائر فی القرآن الکریم و الروایات لا نرید هنا استقصاءها.
إنطلاقا مما مرّ لیس بالامر المستغرب أن یکون الباری تعالى أوعز فی هذا الامر الى بعض الخواص من عبادة، فما هو المحذور فی أن یظهر الله تعالى منزلة بعض عباده الذین بذلوا الغالی و النفیس و لم یبخلوا بشیء أبداً فی سبیله تعالى کالإمام الحسین (ع)[6] فیظهر فضلهم من خلال ما یوکله الیهم من عملیة حساب العباد وفقاً لموازین العدل الالهی.
و قد ورد فی مصادر أخواننا أهل السنة فی تفسیر قوله تعالى: "یوم ندعو کل أناس بإمامهم" نقلا عن النبی الاکرم (ص) و علی (ع)، أن النبی الأکرم (ص) قال:" یدعو کل قوم بإمام زمانهم و کتاب ربهم و سنة نبیهم "[7]
و روی عن علی (ع) أنه قال: فی تفسیر الآیة المذکورة " بإمام عصره".[8] فما هو الاشکال حینئذ على معتقد الشیعة.
و الجدیر بالذکر أن القرآن الکریم یصرح بشهادة الله و النبی و المؤمنین فی قوله تعالى " وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُون".[9] و قد فسرت الروایات الواردة عن عن طریق الائمة "المؤمنین" بالأئمة.[10]
و مع الاخذ بعین الاعتبار هذه الآیة المبارکة و مماثلاتها و الروایات الواردة فی تفسیر تلک الآیات، یتضح جلیاً أن الناظر لاعمال العباد إما أن یکون شاهداً او محاسباً و حاکماً.
و کذلک ورد فی روایات أخرى الاشارة الى حکمة تلک القضیة، ففی روایة عن الإمام الصادق (ع).... رواها القمی فی تفسیره عنه علیه السلام أنه قال: کل أمة یحاسبها إمام زمانها و یعرف الأئمة أولیاءهم و أعداءهم بسیماهم و هو قوله تعالى: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ» و هم الأئمة «یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ» فیعطون أولیاءهم کتابهم بیمینهم فیمرون إلى الجنة بلا حساب و یعطون أعداءهم کتابهم بشمالهم فیمرون إلى النار بلا حساب.[11]
[1] الکهف، 26.
[2] یس، 82.
[3] السجدة، 11.
[4] الانفال، 50.
[5] آل عمران،39.
[6] انظر: الدینوری، ابو حنیفة احمد بن داود، الاخبارالطوال، ترجمة مهدوی دامغانی، محمود، ص 298 – 308، طهران، نشر نى، الطبعة الرابعة، 1371ش.
[7] السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج4، ص 194، نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1404 ق.
[8] القرطبی، محمد بن احمد، الجامع لأحکام القرآن، ج11، ص 297، انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الاولی، 1364 ش.
[9] التوبة، 105.
[10] الکلینی، الکافی، ج 1، ص 219، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[11] القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج1، ص 231، دار الکتاب، قم، الطبعة الرابعة، 1409هـ.