كل ما نعلمه حول النزول الدفعي للقرآن هو انّه كان في ليله القدر،[1] وحيث انّ القرآن قد قال[2]: «شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن». فتكون ليلة القدر هي من ليالي شهر رمضان. واما انّ ليلة هي أيّة ليلة من ليالي شهر رمضان؟، فلا نعلم ذلك بالدقّة، وتوجد اختلافات حول هذه المسألة.[3] ولكن يبدو انّ من بين الاحتمالات الموجودة، فانّ احتمال كون ليلة الثالث والعشرين هي ليلة القدر هو الاحتمال الاقوى،
وذلك لانّ الروايات الكثيرة تؤيد ذلك.[4]
وفي الوقت نفسه لانعلم في أيّ سنة وقع هذا الامر المبارك، ولكن يمكننا القول: بالرغم من كون ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن في نشأة الطبيعة، لكنها تعتبر أيضا ليلة عروج النبي(ص)، لانّ القرآن موجود في أم الكتاب لدى الله،[5] ولا يمكن للانسان أن يصل للقرآن وهو في أم الكتاب ما لم يعرج.[6] ومن هنا يمكننا ان نفهم بانّ النزول الدفعي للقرآن قد كان في زمن وصول النبي الاكرم(ص) الی هذه المرحلة من الكمال. وبناء علی هذا يمكننا ان نحدس بقوة بانّ هذا النزول كان في السنة الاولی للرسالة؛ يعني بعد البعثة بستة وخمسين يوماً وهذا العدد هو الفاصلة بين زمان البعثة(27 رجب) وليلة القدر(23 رمضان) وبعد افتراض كون كل من شهري رجب و شعبان(30 يوماً).
وبخصوص النزول التدريجي[7] للقرآن الذي كان مقارناً للبعثة، فانه يوجد اختلاف في الاقوال أيضاً بسبب الاختلاف الموجود في التاريخ الدقيق للبعثة.[8]
فالرأي المشهور هو انّ النبي(ص) قد بعث في يوم الاثنين 27 رجب الموافق للاوّل من شباط عام 610 ميلادية،[9] حيث نزلت عليه الآيات الخمس الاولی من سورة العلق،[10] ثم استمرت بعد ذلك الآيات الاخری بالنزول تدريجاً الی نهاية عمره الشريف واستمر ذلك لفترة ثلاث وعشرين سنة.
وذهب بعضهم الی وجود الفرق بين زمان البعثة وزمان النزول التدريجي للقرآن بعنوان انّه كتاب سماوي، وبرأي هؤلاء فانّه وبالرغم من نزول الآيات الخمس الاولی من سورة العلق علی النبي(ص) حين البعثة، لكنه لم يكن مأموراً بالتبليغ العمومي، وانّما أمر بالدعوة العمومية بعد ثلاث سنين من الدعوة السريّة.[11] ومن ذلك الحين ابتدأت كتابة القرآن بعنوان انّه كتاب نازل من السماء. وعلی هذا فبالرغم من كون البعثة في شهر رجب، لكن شروع النزول التدريجي للقرآن كان بعد ثلاث سنين، في ليلة القدر من شهر رمضان.[12]
ومما يؤيد هذا الرأي روايات تذكر أنّ نزول القرآن كان في مدة عشرين سنة.[13]
وبناءً علی هذا الرأي والاعتقاد[14] فانّ زمان النزول التدريجي بعنوان انّه كتاب سماوي، كان في السنة الرابعة من بعثة النبي(ص)؛ يعني ثلاث سنوات وستة وخمسین يوماً تقريباً بعد البعثة واستمر الى نهاية عمر رسول الله(ص) في الثامن والعشرين من صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة.
وفي النتيجة وبعد الالتفات الى مضي 1428 سنة من زمان هجرة النبي(ص)، وانّ بعثته كانت قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، فاذا قبلنا بالمبنی الاوّل، فقد مضت علی نزول أوّل آية 1440 سنة قمرية، واذا قبلنا المبنی الثاني فقد مضت علی نزول اوّل آية 1437 سنة.
ولا يخفی انه بناء علی قول بعض المورخين بانّ زمان البعثة كان هو الاوّل من شباط سنة 610 ميلادية وحيث اننا الآن في سنة 2007 ميلادية، نستطيع استخراج زمان نزول اوّل آية علی اساس السنة الميلادية.
[1]. الدخان، 3؛ القدر، 1. ولمزيد الاطلاع لاحظ: الميزان، ج 8، ص 134 – 130؛ ج 2، ص14- 23؛ ج13، ص 0 22 - 221.
[2]. البقرة، 185.
[3]. لا حظ: تاريخ الطبري، ج 2، ص 300؛ سيرة ابن هشام،1، 236، و 239، و 240؛ آية الله معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ص100 – 129؛ آية الله الخوئي، البيان، ج 1،ص 224؛ مجمع البيان، ج 9، ص 61 و ج 10، ص518 -520 ؛ تاريخ ابي الفداء، ص 115؛ تاريخ اليعقوبي، ج 2، 17؛ الشيخ الطوسي، التبيان، ج 9، ص 224؛ محمد بن جرير الطبري، جامع البيان، ج 25، ص 107 و 108؛ الميزان فی تفسیر القرآن، ج 2، ص 29.
[4]. وسائل الشيعة، باب 32 من ابواب شهر رمضان، ج 7، ص 262، ح 16؛ الخصال للصدوق، ج 2، ص 102؛ محمد باقر حجتي، پژوهشي در تاريخ قرآن كريم (تحقيق في تاريخ القرآن)، ص 62 – 38.
[5]. الزخرف، 4.
[6] لاحظ: آية الله الجوادي، تفسير موضوعى "التفسير الموضوعي"، ج 3، ص 153- 139.
[7]. الاسراء، 106؛ الفرقان، 32؛ محمد، 20؛ التوبة، 127. ولمزيد الاطلاع راجع، الميزان فی تفسیر القرآن، ج 2، ص 23 – 14.
[8]. تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 17؛ تاريخ الخميس، ج1، ص280 و 281؛ تاريخ ابي الفراء، ج 1، ص 115.
[9]. تحقيق في تاريخ القرآن، ص 36؛ البحار النوار، ج 18، ص 189، ح 2؛ فروع الكافي، ج 4، ص 149، ح 1 و 2؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 329، باب 15 من ابواب الصوم المندوب؛ السيرة الحلبية، ج 1، ص 238؛ التمهيد في علوم القرآن، ص 100 - 107.
[10]. بحار الانوار، ج 18، ص 206، ح 36.
[11]. الحجر، 94؛ تفسير القمي، ص 353؛ البحار، ج 18، ص 53، ح 7 و ص 179، ح 10 و ص 177، ح 4 و ص 193، ح 29؛ تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 343؛ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 40؛ الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 217.
[12]. لاحظ: مجمع البيان، ج 2، ص 276؛ الاتقان، ج 1، ص 40؛ التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 5، ص 85؛ المناقب، ج 1، ص150؛ الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق، ص 58؛ السيد المرتضی في جواب المسائل الطربلسيات الثالثة، ص 403 – 405.
[13]. الاصول الكافي، ج 2، ص 628، ح 6؛ تفسير العياشي، ج 1، ص80، ح 184؛ الصدوق، الاعتقادات، ص 101؛ البحار، ج 18، ص250، ح 3 و 353؛ الاتقان، ج 1، ص40 و 45؛ تفسير شبر، ص 350؛ مستدرك الحاكم، ج 2، ص610؛ اسباب النزول، ص 3، البداية و النهاية، ج3، ص 4؛ تاريخ اليعقوبي،ج 2، ص 18.
[14]. لمزيد الاطلاع يراجع كتاب، التمهيد في علوم القرآن، ص 129 – 100.