بحث متقدم
الزيارة
6804
محدثة عن: 2012/01/21
خلاصة السؤال
ما هی السبل المساعدة فی علاج الهذر و کثرة الکلام؟
السؤال
ما هی السبل المساعدة فی علاج الهذر و کثرة الکلام کی استفید منها وانفع بها الآخرین؟
الجواب الإجمالي

اللسان فی الوقت الذی یعد من النعم الالهیة الکبرى التی انعم بها على البشر و الآلة التی تساعد الانسان فی التواصل الاجتماعی و الفردی، لکنه فی الوقت نفسه یعد من الاعضاء التی یکثر عثارها و آفاتها مما یجر الانسان الى اقتراف الکثیر من المعاصی و الذنوب و یکون منشأ للتجاوز على حریم الناس و هتک حرماتهم؛ من هنا یتضح لنا ذلک الاهتمام الکبیر الذی أبدته الشریعة فی السیطرة على اللسان و محاولة توجیهه بالاتجاه الصحیح. و قد حذر الائمة المعصومون من هذه الظاهرة الخطیرة فی مواطن کثیرة منها ما روی عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: الْکَلَامُ فِی وَثَاقِکَ مَا لَمْ تَتَکَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَکَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِی وَثَاقِهِ. فَاخْزُنْ لِسَانَکَ کَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَکَ وَ وَرِقَکَ، فَرُبَّ کَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً. وَ لا تَقُلْ ما لا تعلمُ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانهُ قد فرض على جوارِحک کلِّها فرائض یَحْتَجُّ بِهَا عَلَیْکَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ. هَانَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَیْهَا لِسَانَهُ، وَ مَنْ کَثُرَ کَلَامُهُ کَثُرَ خَطَاؤُهُ وَ مَنْ کَثُرَ خَطَاؤُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ، و منْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّار.

فعلى الانسان ان یعرف آفات تلک الظاهرة و یحاول التخلص منها من خلال اعتماد بعض السبل التی اشرنا الیها فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

اللسان هو المرآة التی تعکس ما ینطوی علیه القلب و مفتاح الشخصیة و الکاشف عن مدى الکمال العقلی و الروحی لصاحبه کما أنه یمثل النافذة على روح الانسان. فما یظهر على فلتات اللسان یعکس ما یجول فی خواطر الانسان و ما تنطوی علیه صفحة قلب الانسان و روحه.

و اللسان فی الوقت الذی یعد من النعم الالهیة الکبرى التی انعم بها على البشر و الآلة التی تساعد الانسان فی التواصل الاجتماعی و الفردی، لکنه فی الوقت نفسه یعد من الاعضاء التی یکثر عثارها و آفاتها مما یجر الانسان الى اقتراف الکثیر من المعاصی و الذنوب و یکون منشأ للتجاوز على حریم الناس و هتک حرماتهم؛ من هنا یتضح لنا ذلک الاهتمام الکبیر الذی أبدته الشریعة فی السیطرة على اللسان و محاولة توجیهه بالاتجاه الصحیح، و سنحاول هنا الاشارة الى مقترحین لمعالجة الهذر و کثرة الکلام:

الف: المعالجة العملیة

من الامور العملیة و ذات الجدوى الکبیر فی معالجة هذه الظاهرة المرضیة هی أن یتذکر الانسان خطورة و عواقب الهذر و اطلاق العنان للسان لیتکلم بما یحلو له، و من هنا لابد من المراقبة الشدیدة و الحذر الکبیر منه، فعندما یستیقظ الانسان صباحا علیه ان یوصی نفسه بعدة وصایا منها ما یتعلق باللسان و آفاته؛ و ذلک لان هذا العضو قد یأخذ بید صاحبة الى أسمى درجات الرفعة و التکامل و السعادة تارة، و قد یهبط به الى اسفل السافلین و الى أدنى مراتب السقوط و الشقاء، و من هنا جاء فی الروایة عن الامام السجاد (ع): "   إِنَّ لِسَانَ ابْنِ آدَمَ یُشْرِفُ عَلَى جَمِیعِ جَوَارِحِهِ کُلَّ صَبَاحٍ فَیَقُولُ: کَیْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ فَیَقُولُونَ: بِخَیْرٍ إِنْ تَرَکْتَنَا! وَ یَقُولُونَ: اللَّهَ اللَّهَ فِینَا وَ یُنَاشِدُونَهُ، وَ یَقُولُونَ: إِنَّمَا نُثَابُ‏ وَ نُعَاقَبُ بِک‏". [1]

فعلى الانسان الحذر الشدید و الحیطة من هفوات اللسان و آفاته و مراقبه ما یصدر منه؛ و ذلک لان ما یصدر منه یسجل فی صحیفة اعمال صاحبه، و قد اشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقیة فی قوله تعالى: " ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَیْهِ رَقیبٌ عَتیدٌ ". [2]

و کذلک ورد فی الاحادیث الصادرة عن أمیر المؤمنین (ع) فی هذا المجال:

1." مَرَّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (ع) بِرَجُلٍ یَتَکَلَّمُ بِفُضُولِ الْکَلَامِ، فَوَقَفَ عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ: یَا هَذَا إِنَّکَ تُمْلِی عَلَى حَافِظَیْکَ کِتَاباً إِلَى رَبِّکَ فَتَکَلَّمْ بِمَا یَعْنِیکَ و دَعْ ما لا یَعْنِیکَ". [3]

2. قال أَمیرُ المؤمنین (ع): الْکَلَامُ فِی وَثَاقِکَ مَا لَمْ تَتَکَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَکَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِی وَثَاقِهِ. فَاخْزُنْ لِسَانَکَ کَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَکَ وَ وَرِقَکَ، فَرُبَّ کَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً. وَ لا تَقُلْ ما لا تعلمُ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانهُ قد فرض على جوارِحک کلِّها فرائض یَحْتَجُّ بِهَا عَلَیْکَ یَوْمَ الْقِیَامَةِ. هَانَتْ عَلَیْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَیْهَا لِسَانَهُ، وَ مَنْ کَثُرَ کَلَامُهُ کَثُرَ خَطَاؤُهُ وَ مَنْ کَثُرَ خَطَاؤُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ، و منْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّار. [4]

 3. و قال (ع): "إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْکَلَامُ". [5]

اتضح من خلال الآیات و الروایات أن أفضل سبیل للتخلص من آفات اللسان یکمن فی السیطرة على اللسان و قلة الحدیث و ترک الفضول من الکلام؛ لان الانسان عندما یعرف أن من ضمن الامور التی تسجل علیه هی کلامه و ما یصدر عنه و أنه سیحاسب علیها یوم القیامة فحینئذ یتجنب تلک الموبقات اللسانیة من قبیل الغیبة و الکذب و ضیاع الوقت و إیذاء الآخرین و قساوت القلب و...

و من الممکن رصد جذور هذه الظاهرة فی حب الانسان للظهور و الفات نظر الآخرین الیه لیحظى بحبهم و ینال مودتهم، من هنا یحاول سلوک الطرق التی یعتقد بانها تؤمن له ذلک الحب و الاحترام، و لکن على الانسان الا ینسى أنه اذا اصلح ما بینه و بین الله تعالى و کانت تحرکاته و سلوکیاته منطلقة من نیّة کسب رضاه سبحانه، فحینئذ یصلح الله تعالى ما بینه و بین الناس کما وعد سبحانه بذلک، من دون حاجة الى تملق الناس و التظاهر أمامهم بمظهر یخالف الواقع، و عندئذ تنعدم الحاجة الى الهذر و کثرة الکلام. [6]

ب: المعالجة العملیة

یستطیع الانسان معالجة مرض کثرة الکلام من خلال التمارین و الامساک عن الکلام و تلقین النفس احیانا اخرى، و قد یستعمل اسلوب النذر و تجریم نفسه عند المخالفة بان ینذر کلما کثر کلامه او صدر منه کلام لا یرضی الله یتصدق على الفقراء او یصوم یوما او ما شابه ذلک، و حینئذ سوف یتخلص من هذه الظاهرة المرضیة بصورة تدریجیة.

و الجدیر بالذکر ان کثرة الکلام لم تولد مع الانسان بل تحصل له بالتدریج و مرور الزمن، و من هنا لا یمکن لمن ترسخت عنده هذه الظاهرة بحیث اصبحت ملکة متجذرة، ان یتخلص منها بین لیلة و ضحاها، بل العادات الراسخة تحتاج الى زمن مناسب لیتمکن صاحبها من التخلص منها. و من هنا لابد ان یعتمد اسلوب التدرج فی التخلص منها و التمکن من السیطرة على اللسان و جعله یتحرک فی الموارد الضرورة و ینطق بالکلام الجمیل و المرضی لله تعالى.

لمزید الاطلاع انظر:

« سبل التخلص من الرذائل النفسیة»، سؤال 4729 (الموقع: 5011).

«المقارنة بین الصمت و الکلام »، سؤال 14489 (الموقع: 14299).

«سبل التخلص من آفات اللسان»، سؤال 13868 (الموقع: 13582).



[1] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 68، ص 302، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.

[2] ق، 18.

[3] الشیخ الصدوق، من لایحضره الفقیه، ج 4، ص 396، نشر جماعة المدرسین، قم، الطبعة الثانیة، 1404ق.

[4] بحارالانوار، ج 68، ص 286.

[5] بحارالانوار، ج 1، ص 159.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...