Please Wait
5677
جاء قوله تعالى "آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً" فی ذیل الآیة الحادیة عشرة من سورة النساء التی تتحدث عن تقسیم الارث فی الطبقة الاولى منه، فقد ذکر المفسرون لها عدة احتمالات لعل المراد منها احد تلک الاحتمال و هی:
الاول: إن معناه لا تدرون أی هؤلاء أنفع لکم فی الدنیا فتعطونه من المیراث ما یستحق و لکن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حکمة.
الثانی: إن معناه لا تدرون بأیهم أنتم أسعد فی الدنیا و الدین و الله یعلمه فاقتسموه على ما بینه من المصلحة فیه.
الثالث: إن معناه لا تدرون أن نفعکم بتربیة آبائکم لکم أکثر أم نفع آبائکم بخدمتکم إیاهم و إنفاقکم علیهم عند کبرهم.
الرابع: أن المعنى أطوعکم لله عز و جل من الآباء و الأبناء أرفعکم درجة یوم القیامة لأن الله یشفع المؤمنین ببعضهم فی بعض فإن کان الوالد أرفع درجة فی الجنة من ولده رفع الله إلیه ولده فی درجته لتقر بذلک عینه و إن کان الولد أرفع درجة من والدیه رفع الله والدیه إلى درجته لتقر بذلک أعینهم.
الخامس: إن المراد لا تدرون أی الوارثین و الموروثین أسرع موتا فیرثه صاحبه فلا تتمنوا موت الموروث و لا تستعجلوه.
المقطع المذکور فی متن السؤال هو جزء من الآیة الحادیة عشرة من سورة النساء: "یُوصیکُمُ اللَّهُ فی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ فَإِنْ کُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَیْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَکَ وَ إِنْ کانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَ لِأَبَوَیْهِ لِکُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَکَ إِنْ کانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ کانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصی بِها أَوْ دَیْنٍ آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً فَریضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلیماً حَکیم".[1]
وقبل الخوض فی الاجابة عن السؤال المطروح نرى من المناسب الاشارة سریعا الى مقدمة حول الارث.
تتعرض الآیة المبارکة لبیان سهام الطبقة الاولى من الورثة (و هم الأولاد و الآب و الأم)، و من البدیهی أنّه لا رابطة أقوى و أقرب من رابطة الأبوة و البنوة و لهذا قدموا على بقیة الورثة من الطبقات الاخرى. و السهام عبارة عن:
الحالة الأولى: إنّ الشخص المتوفى إن کان له ولد أو أولاد، ورث کل من الأب و الأمّ السدس.
الحالة الثّانیة: إن لم یکن للمتوفى ولد، و انحصر ورثته فی الأب و الأمّ، ورثت الأمّ ثلث ما ترک و سهم الأب الثلثان.
الحالة الثالثة: إذا ترک المیت أبا و أمّا و أخوة من أبویه أو من أبیه فقط، و لم یترک أولادا، ففی مثل هذه الحالة یهبط سهم الأم إلى السدس.
الحالة الرابعة: سهم البنت الواحدة نصف المال.
الحالة الخامسة: اکثر من بنتین مع عدم وجود وارث آخر فلهما الثلثان.
الحالة السادسة:. الاخوة و الاخوات مع اجتماعهما للذکر مثل حظ الانثیین.
الحالة السابعة: . یلحق بهذه الاقسام نصیب الاختین الذی بیّن فی الفرض الخامس.
اذا عرفنا ذلک یعنی السهام و فلسفتها ناتی الى بیان معنى ما جاء فی ذیل الآیة المبارکة "لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْع"، فقد ذکر المفسرون لها عدة احتمالات:
الاول: إن معناه لا تدرون أی هؤلاء أنفع لکم فی الدنیا فتعطونه من المیراث ما یستحق و لکن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حکمة.
الثانی: إن معناه لا تدرون بأیهم أنتم أسعد فی الدنیا و الدین و الله یعلمه فاقتسموه على ما بینه من المصلحة فیه.
الثالث: إن معناه لا تدرون أن نفعکم بتربیة آبائکم لکم أکثر أم نفع آبائکم بخدمتکم إیاهم و إنفاقکم علیهم عند کبرهم.
الرابع: أن المعنى أطوعکم لله عز و جل من الآباء و الأبناء أرفعکم درجة یوم القیامة لأن الله یشفع المؤمنین ببعضهم فی بعض فإن کان الوالد أرفع درجة فی الجنة من ولده رفع الله إلیه ولده فی درجته لتقر بذلک عینه و إن کان الولد أرفع درجة من والدیه رفع الله والدیه إلى درجته لتقر بذلک أعینهم.
الخامس: إن المراد لا تدرون أی الوارثین و الموروثین أسرع موتا فیرثه صاحبه فلا تتمنوا موت الموروث و لا تستعجلوه.[2]
یقول العلامة الطباطبائی (ره): قوله تعالى: «آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً» الخطاب للورثة أعنی لعامة المکلفین من حیث إنهم یرثون أمواتهم، و هو کلام ملقى للإیماء إلى سر اختلاف السهام فی وراثة الآباء و الأبناء و نوع تعلیم لهم خوطبوا به بلسان «لا تدرون» و أمثال هذه التعبیرات شائعة فی اللسان.
على أنه لو کان الخطاب لغیر الورثة أعنی للناس من جهة أنهم سیموتون و یورثون آباءهم و أبناءهم لم یکن وجه لقوله: "أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً" فإن الظاهر أن المراد بالانتفاع هو الانتفاع بالمال الموروث و هو إنما یعود إلى الورثة دون المیت.
و تقدیم الآباء على الأبناء یشعر بکون الآباء أقرب نفعا من الأبناء.
و الأمر على ذلک بالنظر إلى آثار الرحم و اعتبار العواطف الإنسانیة فإن الإنسان أرأف بولده منه بوالدیه و هو یرى بقاء ولده بقاء لنفسه دون بقاء والدیه فآباء الإنسان أقوى ارتباطا و أمس وجودا به من أبنائه، و إذا بنی الانتفاع الإرثی على هذا الأصل کان لازمه أن یذهب الإنسان إذا ورث أباه مثلا بسهم أزید منه إذا ورث ابنه مثلا و إن کان ربما یسبق إلى الذهن البدوی أن یکون الأمر بالعکس.
و هذه الآیة أعنی قوله: آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ، نَفْعاً من الشواهد على أنه تعالى بنى حکم الإرث على أساس تکوینی خارجی کسائر الأحکام الفطریة الإسلامیة.[3]
تحصل أن هذه العبارة تفید أن قانون الإرث المذکور قد أرسى على أساس متین من المصالح الواقعیة، و أن تشخیص هذه المصالح بید اللّه، لأن الإنسان یعجز عن تشخیص مصالحه و مفاسده جمیعا، فمن الممکن أن یظن البعض أنّ الآباء و الأمهات أکثر نفعا لهم، و لذلک فهم أولى بالإرث من الأبناء و إن علیه أن یقدمهم علیهم، و من الممکن أن یظن آخرون العکس، و لو کان أمر الإرث و قسمته متروکا إلى الناس لذهبوا فی ذلک ألف مذهب، و لآل الأمر إلى الهرج و المرج و الفوضى، و انتهى إلى الاختلاف و التشاجر، و لکن اللّه الذی یعلم بحقائق الأمور کما هی أقام قانون الإرث على نظام ثابت یکفل خیر البشریة و یتضمّن صلاحها...[4]
و فی الختام نرى من المناسب الى التذکیر بما روی عن الامام الصادق (ع) عن إِبراهیم الکرخیِّ عن ثقَةٍ حدَّثَهُ من أَصحابنا قال: تزوَّجتُ بِالمدینة فقال لی أَبُو عبد اللَّهِ (ع): کیف رأَیت؟ قلتُ: ما رأَى رجلٌ من خیر فی امرأَةٍ إِلَّا و قد رأَیْتُهُ فیها و لکنْ خانتنی! فقال: و ما هوَ؟ قلت: ولدتْ جاریةً! قال: لَعَلَّکَ کرهتها إِنَّ اللَّهَ عزَّ و جلَّ یقولُ (آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً).[5]
وفی روایة أخرى عنِ أَبِی عبد اللَّهِ (ع) ایضا قَال: قَال رسول اللَّه (ص): نعمَ الولدُ البنَاتُ ملطفاتٌ مُجَهِّزَاتٌ مُونِسَاتٌ مُبَارَکَات.[6]
یمکن القول استنادا الى هذه الروایات: ان مراد الآیة أنه لا ینبغی للانسان أن یجعل المصالح الظاهریة و المادیة هی المعیار فی تقییم الاشیاء کالارث بحیث تجعلون همّکم منصبا على هذه القضیة، بل الموقف الصحیح هو أن تجعلوا المنفعة الواقعیة هی المعیار سواء کانت دنیویة أم أخرویة و یترک الامر لله تعالى فی تعیینها فلعله یضعها فی شیء لا یخطر ببال أحد منکم.
[1] النساء،11.
[2] الطبرسی، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج3، ص: 26، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش، الطبعة الثالثة،مقدمه محمد جواد البلاغی.
[3] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج4، ص: 210-211، مکتب النشر الاسلامی التابع لجماعة المدرسین، الطبعة الخامسة، قم، 1417 ق.
[4] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج3، ص: 134- 135، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421ه،.
[5] الکلینی، الکافی، ج 6، ص 5، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش، بابُ فضْلِ البنات.
[6] نفس المصدر.