Please Wait
7417
عبدالله هو الانسان الذی یأنس بطاعة الله و اتباع أوامره و اجتناب نواهیه. و یلتذ بمحبة الله تعالى، و یتوجه بحوائجه الى الله و یفضی بسره الیه و یتوکل و یعتمد علیه سبحانه.
و یمکن تلخیص العبودیة فی ثلاثة اشیاء:
و هذه المعانی الثلاثة جمعها الحدیث الذی رواه عنوان البصری عن الامام الصادق (ع): قلت یا ابا عبدالله ما حقیقة العبودیة؟
قال (ع): ثلاثة اشیاء:
الاول: ان لا یرى العبد لنفسه فیما خوّله ملکاً. لان العبید لا یکون لهم ملک، یرون المال مال الله و یضعونه حیث امرهم الله به.
الثانی: و لا یدبّر العبد لنفسه تدبیراً.
الثالث: و جملة اشتغاله فیما أمره الله تعالى به و نهاه عنه.
من هنا اتضح لنا حقیقة العبودیة و الطریق الموصل الیها.
فالعبودیة مفتاح الولایة، و اسم "العبد" من افضل الاسماء، الانسان الکامل عبد الله و هو الفانی فی الحضرة الالهیة و مغلوب اسمائها.
قد فسرّ علماء اللغة العبادة «بغایة الخضوع و التذلل» و قالوا: بما ان العبادة هی اقصى مراتب الخضوع، فهی لا تلیق الا بمن یملک اعلى مراتب الوجود و الکمال و اعظم مراتب النعم و الاحسان، و من هنا کانت عبادة غیر الحق شرکاً لعدم تحقق الاخلاص فی العبادة.
من هو العبد؟
روى الامام الصادق (ع) عن النبی (ص) انه قال: "العبد ثلاثة "ع ب د" فالعین علمه بالله، و الباء بونه عمّن سواه و الدال دنوّه لله تعالى بلا کیف و لا حجاب".[1]
فالعبد مدین لله تعالى فی وجوده و کافة کمالاته من هنا یسلّم و یخضع له ، و نفس هذا الخضوع و عدم مشاهدة الذات و ملذاتها و رغباتها و آمالها یضفی على الانسان صبغة کمال المولى ، من هنا نرى الرسول الاکرم (ص) یقول ما معناه:"العبد الحقیقی من یرى حلاوته فی طاعة الله و امتثال اوامره و یرى محبة الله لذته،یتوجه الى الله بحاجاته و یتوکل و یعتمد علیه"[2]
ما العبودیة؟
روى عنوان البصری انه سأل الامام الصادق (ع) قال قلت: یا أبا عبدالله ما حقیقة العبودیة؟
قال: ثلاثة اشیاء: أن لا یرى العبد لنفسه فیما خوّله الله ملکاً، لان العبید لا یکون لهم ملک، یرون المال مال الله یضعونه حیث أمرهم الله به، و لا یدبر العبد لنفسه تدبیراً، و جملة اشتغاله فیما أمره تعالى به و نهاه عنه، فاذا لم یر العبد لنفسه فیما خوّله الله تعالى ملکا، هان علیه الانفاق فیما أمره الله تعالى ان ینفق فیه، و اذا فوّض العبد تدبیر نفسه على مدبره، ان علیه مصائب الدنیا، و اذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى و نهاه، لا یتفرغ منهما الى المراء و المباهاة مع الناس، فاذا اکرم الله العبد بهذه الثلاثة هان علیه الدنیا، و ابلیس، و الخلق، و لا یطلب الدنیا تکاثراً و تفاخراً، و لا یطلب ما عند الناس عزّاً و علواً، و لا یدع ایّامه باطلاً.[3]
فالعبودیة مفتاح الولایة[4]، و ان اسم "العبد" من افضل الاسماء و اشرفها، و من هنا نرى ان الرسول الاکرم (ص) هو "عبدالله" و فی لیلة المعراج لما قیل له (ص): سل ما تبتغیه من السعادات قال (ص): "اضفنی الیک بالعبودیة یا رب".[5]
عن ابی بصیر قال: قال ابو جعفر (ع): کان من دعاء أمیر المؤمنین (ع): إلهی کفى بی عزّا أن أکون لک عبدا و کفى بی فخرا أن تکون لی ربّا، إلهی أنت لی کما أحبّ فوفّقنی لما تحبّ.[6]
فالانسان الکامل "عبدالله" و صاحب کل تجلیات اسمائه، ذاته فانیة فی ذات الحق تعالى و مغلوب اسمائه تعالى. و نعم ما قال الشیخ الخواجه عبدالله الانصاری فی مضمون بیت شعر له بالفارسیة: الهی ان خاطبتنی مرّة واحدة «بعبدی» فسأخرق العرش بضحکتی.
العبادة و مراتبها:
لقد فسّر اللغویون العبادة "بغایة الخضوع و التذلل" و قالوا: بما انّ العبادة هی اقصى مراتب الخضوع، فلا تلیق الا بمن یملک اعلى مراتب الوجود و الکمال و اعظم مراتب النعم و الاحسان، و من هنا کانت عبادة غیر الحق تعالى شرکاً لعدم تحقق الاخلاص فی العبادة.[7]
و للعبادة ثلاث مراتب: قال على (ع): "ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلک عبادة التجار، و ان قوماً عبدوا الله رهبة فتلک عبادة العبید".[8] و هم عامة المؤمنین، و ان قوماً عبدوا الله لینالوا شرف العبودیة و لکی یقلدهم الله تعالى و سام و لقب «عبدی»، و بعضهم الآخر عبدوا الله لهیبته و جلاله و محبته و هی اعلى مراتب العبودیة.[9]
و قد ورد فی الحدیث القدسی: عبدی اطعنی حتى اجعلک مثلی اقول للشیء: کن فیکون، تقول: للشیء کن فیکون.[10] و من هنا روی عن الامام الصادق (ع) انه قال: «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة»[11] لان النفس الانسانیة ستصقل بالعبودیة فیصبح لها قابلیة عکس الاشعة النوریة للعالم العلوی، و کلما زاد صقلها و زاد من تمثیلها و مراقبتها، زاد تجلی الذات الاحدیة فیها، الى الحد الذی تصل فیها الخلافة بالقوّة و الاستعداد الى مقام الفعلیة المطلقة، فتصبح خلیفة الله الفعلیة فی جمیع عالم الوجود و شؤون الحیاة و مظاهرها.
و یجب العلم ان هذه لیست الوهیة، بل خلافة و تمثیل تظهر فیها عین آثار الالوهیة، فخلیفة الله لا یفعل فعل الله، بل الله یجری فعله على یده، و یتجلی من نافذة نفسه، و یظهر اسماءه و صفاته، فالعارف بالله مرآة تامّة الاظهار لجمال و جلال الله الازلی و الابدی. ففی جمیع مراتب معجزات الانبیاء و کرامات الائمة و اولیاء الله فی الحقیقة ان الله هو الفاعل لما یشاء و الحاکم لما یرید، فلم یکن العارف بالله قد اتخذ موضعاً مقابل الله تعالى و لم یدع الربوبیة و الالوهیة، بل صار فانیاً فیه، و هو مقام العبودیة، و هذا المقام یحصل نتیجة اطاعة الله تعالى.[12]
فاذا تحقق للسالک مقام الاسمیة، و استغراقاً فی الالوهیة ، یرأی نفسه" اسم الله " و" علامة الله" و" فانیاً فی الله"، و یرأى سائر الوجودات على هذه الحالة.
و اذا اصبح الولی کاملاً اصبح متحققاً بالاسم المطلق و وصل الى التحقق بالعبودیة المطلقة و صار عبداً حقیقیاً لله.
و یمکن ان یکون استخدام وصف "العبد" فی الآیة الکریمة "سبحان الذی أسرى بعبده"[13] ناشئاً من کونه عروجاً – الى معراج القرب و أفق القدس و محفل الانس- و ذلک بقدم العبودیة و الافتقار و ازاحة غبار "الانیّة" و «الانا» و الاستقلال.
کما انّ الشهادة بالرسالة للنبی (ص )فی التشهد و بعد الشهادة بعبودیته له (ص) هی لکون العبودیة مرقاة الرسالة.
و الصلاة – هی معراج المؤمن و مظهر معراج النبوّة – یکون البدء بها بعد رفع الحجب ب «بسم الله» و ذاک هو حقیقة العبودیة «فسبحان الذی اسرى بنبّیه بمرقاة العبودیة المطلقة» حیث جذبه الله بقدم العبودیة الى أفق الاحدیة، و حرره من مملکة الملک و الملکوت و مملکة الجبروت و اللاهوت، و اوصل سائر العباد – المستظلین بظل ذلک النور الطاهر الى معراج القرب بسمة من سمات الله و بمرقاة التحقق باسم الله اذ انّ باطن ذلک هو العبودیة.[14]
دور النیّة و الاخلاص فی العبادة:
النیّة عند العامّة: العزم على الطاعة - طمعاً او خوفاً –: "یدعون ربهم خوفاً و طمعاً.[15]
و عند أهل المعرفة: العزم على الطاعة هیبة و تعظیماً "اعبد الله کأنّک تراه، و ان لم تکن تراه فانّه یراک".
و هی عند أهل الجذب و المحبّة: العزم على الطاعة شوقاً و حبّاً.
و عند الاولیاء: العزم على الطاعة تبعاً و غیراً؛ و ذلک بعد مشاهدة جمال المحبوب استقلالاً و ذاتاًٌ. و فناء فی حضرة الربوبیة ذاتاً و صفة و فعلاً.[16]
و من اشد شروط النیة اخلاصها.
و هی فی عبادة العامّة: التنقیة من الشرک الجلی و الخفی کالریاء و العجب و الفخر "ألا له الدین الخالص".[17]
و فی عبادة الخواص: تنقیتها من شوائب الطمع و الخوف، و هما فی مسلکهم شرک.
و هی فی عبادة أصحاب القلوب: عبارة عن التنقیة من شوائب الانانیة و الانیّة؛ و هما فی مسلک أهل المعرفة الشرک الاعظم و الکفر الاکبر: "انّ امّ الاوثان و ثن النفس لان تلک الصنم افعى و هذا الصنم تنین ".[18]
و هی فی عبادة الکمل: عبارة عن تنقیتها من شائبة رؤیة العبودیة و العبادة، بل رؤیة الکون، مثلما یقول الامام الخمینی(ره): «القلب السلیم الذی یلقى ربّه و لیس فیه أحد سواه».[19]
[1] مصباح الشریعة، الباب الثانی.
[2] الشیخ البهائی، الاربعون حدیثاً.
[3] المجلسی، بحار الانوار، المطبعة الحیدریة، ج 1 ص 224 ، الحدیث 17.
[4] العلامة الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 1 ص 277.
[5] شرح الاسماء الحسنى، للملا هادی السبزواری، ج 1 ص 90.
[6] بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 74، ص 402؛ الحکم الزاهرة، ترجمه انصارى، ص 488، ح 1352.
[7] الامام الخمینی، السید روح الله، ترجمة السید احمد الفهری، اسرار الصلاة، ج 2 ص 190.
[8] نهج البلاغة، الحکمة رقم 237؛ اصول الکافی، ج 2 ص 84 ، الحدیث 5.
[9] دامادی، سید محمد، شرح بر مقامات اربعین، ص 125.
[10] الشیرازی سید حسن، کلمة الله، ص 140، برقم 154.
[11] محمدی ری شهری، میزان الحکمة، ج 6، حدیث رقم 11317.
[12] الحسینی الطهرانی، سید محمد حسین، انوار الملکوت، ج 1 ص 288.
[13] الاسراء، 1.
[14] الامام الخمینی، السید روح الله، سر الصلاة، مؤسسة و تنظیم نشر و آثار الامام الخمینی، ص 169-170.
[15] السجدة، 16
[16] الامام الخمینی، السید روح الله، سر الصلاة، مؤسسة و تنظیم نشر و آثار الامام الخمینی، ص 150-151.
[17] الزمر، 3.
[18] مولوی، جلال الدین محمد، مثنوی معنوی، الدفتر الاول، ص 22.
[19] الامام الخمینی، السید روح الله، سر الصلاة، ص 151.