Please Wait
10948
الدین لغة: بمعنى الانقیاد و الاتباع والتسلیم و الجزاء. و اصطلاحاً یطلق على: مجموع العقائد و الاخلاق و القوانین الموضوعة لا دارة امور المجتمع و تربیة الناس. و قد یکون الدین حقاً أو باطلاً او خلیطا من الحق و الباطل.
و الثقافة فی اللغة: من الثقف و هو الحاذق الفطن، و ثقف الحدیث ای فهمه، بسرعة، یقال ثقف العلم او الصناعة فی أوجز مدة، ای اسرع أخذه و ثقف الرمح، قومه و سّواه، و ثقف الولد: علمه و هذبه، و الثقاف: الفطنة من النساء یقال امراة ثقاف.
و اصطلاح الثقافة له معان متنوعة بحیث یصعب الوصول الى نتیجة دقیقة بشأنها، فان مفهوم الثقافة قد اتخذ فی سیره التاریخی معانی مختلفة، من جملتها: الأدب، التربیة، المعرفة، مجموع الاَداب و السنن، و التربیة والتعلیم، المذهب (المدرسة) و الایدیولوجیة.
و یعتقد بعض علماء، الاجتماع ان الثقافة: هی الفکر الجمعی للمجتمع و الذی یتجلی فی الظواهر و طرق السلوک الاجتماعی و یظهر اثره على جمیع الشؤون الاقتصادیة و الاجتماعیة و السیاسیة و العسکریة و المادیة و المعنویة.
و بالالتفات الى معنی الدین و معنی الثقافة و النظر إلى اسسهما و اهدافهما و أیضاً عملهما و دورهما و العامل المشترک بینهما، یمکن الاذعان بهذه النتیجة و هی: ان الدین و الثقافة على ارتباط وثیق وقریب دوماً، فکما ان الدین یؤدی دوراً مهماً فی حضارة و ثقافة الانسان، کذلک الثقافة تساهم فی الاستثمار اللائق لفعالیات الحیاة المادیة و المعنویة للناس و التی تنشأ من اسلوب التعقل الصحیح و العواطف النبیلة، فتساعد الانسان فی حیاته الفکریة و تؤثر فی تکامل الانسان. و کذلک فان الدین و الثقافة یمکنهما عن طریق طرحهما للمنظومات الثلاثیة الهادفة و تنفیذهما، أن یؤثرا إلى مدى کبیر فی مسیر نمو و تکامل الانسان.
قبل الاجابة عن السؤال المذکور یجب التذکیر ببعض الملاحظات:
تعریف الدین لغة و اصطلاحاً: معنى الدین لغة: الانقیاد و الخضوع و الاتباع و الاطاعة و التسلیم و الجزاء[1]و[2].
و معناه الاصطلاحی: مجموع العقائد و الاخلاق و القوانین و المقررات الموضوعة لادارة امور المجتمع و تربیة الناس. و تکون هذه المجموعة احیاناً، حقاً کلها، و اخرى باطلا کلها، و ثالثة خلیطاً من الحق و الباطل. فان کانت حقاً کلها فیسمى ذلک بالدین الحق، و الا فیسمى بالدین الباطل او خلیط من الحق و الباطل[3].
تعریف الثقافة: و هی لغة ماخوذة من الثقف و هو الحاذق الفطن، و ثقف الحدیث ای فهمه بسرعة، یقال ثقف العلم او الصناعة فی اوجز مدة أی أسرع اخذه...
و اصطلاح الثقافة له معان و مفاهیم متنوعة و قد اتخذ فی سیره التاریخی معانی مختلفة منها: الادب، التربیة، العلم المعرفة، مجموع الآداب و السنن و الآثار العلمیة و الادبیة للأمة ،کتب اللغة، الخیرات والاحسان، تنمیة المروة، الفضیلة،العظمة والجلال،.... الفن، الحکمة، و أیضاً التربیة و التعلیم و المذهب (المدرسة) و الایدیولوجیة[4].
و قد قام عالما الاجتماع الامریکیان (کروبر و کلاکن) بجمع 164 تعریفاً للثقافة اوردوها فی کتابهما المسمى (ثقافة التجدید.المعیاری المفاهیم و التعریفات) 1952.
الثقافة او الحضارة: هی مرکب خلیط ممتزج یشمل العلم، الدین، الفن، القانون و الاخلاقیات و الآداب و السنن و کل انواع الاستعدادات و العادات التی یستحصلها انسان من المجتمع[5].
یقول الاستاذ محمد تقی الجعفری فی کتابة (الثقافة التابعة والثقافة المتطورة) بعد عرضة لتعاریف الثقافة من خلال 24 کتابا من کتب اللغة و دوائر المعارف المشهورة بین الامم و اللغات العالمیة المهمة: (ان التحقیق فی تعریف الثقافة من وجهة نظر اشهر دوائر المعارف و بعض مصادر علم الاجتماع انما هو لاجل اثبات هذه الحقیقة و هی: ان المعنی الحقیقی للثقافة یتضمن وجود التکامل الانسانی بمعنى انها الکیفیة او الاسلوب الصحیح و اللائق للحیاة البشریة، و اذا ما حاول بعض الانانیین و المصلحیین او العبثیین والخاوین ان ینزلوا بالثقافة الى حدود جنة المظاهر الرخیصة والمبتذلة و یطلقوا على ذلک اسم الثقافة فقد جانبوا الحقیقة و استندوا الی اسس وجذور هی فی الواقع ضد الانسانیة.
و اما الامر و السبب الذی او جب ظهور تعاریف متعددة للثقافة، هو تنوع و جهات نظر المحققین و اصحاب الرأی فی تفسیر مفهوم الثقافة مع الترکیز على اصله التکاملی)
ثم یذکر نماذج من اللغة الفارسیة لتعریف الثقافة لغة و ذکر مثالاً من اللغة الفرنسیة ثم عرف الثقافة بقوله: "الثقافة عبارة عن الکیفیة او الاسلوب الصحیح و اللائق لفعالیات الحیاة المادیة و المعنویة للناس و التی تستند الی طریقة التعقل السلیم و العواطف الجیاشة لهم فی حیاة "المعقول" التکاملیة[6] )
وذهب بعض علماء الاجتماع الى ان الثقافة هی: العقل الجمعی للمجتمع والذی یتجلى فی الظواهر و السلوکیات الاجتماعیة فیؤثر على کل النواحی الاقتصادیة و الاجتماعیة والعسکریة و السیاسیة و المادیة و المعنویة[7].
انواع الثقافات:
یقول العلامة الجعفری (رحمه الله) بعد أن یعدد. انواع الثقافات: یمکن تقسیم الثقافات الى اربعة اقسام رئیسیة خلاصتها ما یلی:
1- الثقافة الرسوبیة: و هی عبارة عن اصطباغ و توضیح شؤون الحیاة بعدد من القوانین و السنن الثابتة العنصریة و النفسیة و المحیط الجغرافی و الاصول التاریخیة الثابتة و التی تقاوم کل انواع التحولات الطارئة او تغیرها لصالحها او تبطلها[8].
2- الثقافة التابعة (الباهتة): و هذا النوع من الثقافة عبارة عن تلک التلوینات و التبریرات التی لاتستند إلى أی جذور اساسیة و نفسیة و اصول ثابتة، و التی تقع دوماً فی معرض التحولات و التبدلات. و الجدیر بالذکر ان هذا النوع من الثقافات یندر وجوده فی المجتمعات ذات التاریخ العریق.
3- الثقافة الهادفة: و فیها تکون المظاهر و الفعالیات التی تقوم بتوجیه و تفسیر الواقعیات الثقافیة مطلوبة بالذات، و مهمتها اشباع الاهداف الثقافیة، و لقد کانت هذه المطلوبیة الذاتیة هی خاصیة الثقافة العلمیة والتکنولوجیة و الاقتصادیة لاکثر المجتمعات فی القرنین التاسع عشر و العشرین. و هذه المطلوبیة الذاتیة هی التی جعلت طبیعة اصل الثقافة الذی هو الخلاقیة و توسعة اهداف الحیاة، مقتصراً على أبعاد (الانا) الانسانیة.
4- الثقافة المتحرکة و المتطورة: ان هذا النوع من الثقافة لا یسقط فی حصار تلک المظاهر و الفعالیات الخاضعة للتأثر بالعوامل المتحرکة للحیاة و الظروف الطارئة على المحیط و المجتمع، لان العامل المحرک لهذة الثقافة هو الواقعیات المستمرة للطبیعة والابعاد الانسانیة الاصیلة، و هدفها هو عبارة عن الاهداف النسبیة التی تحث الانسان على البحث عن الاهداف العلیا الحیاة.
و یمکننا القول و بکل ثقة: انها الثقافة الانسانیة التی لم یمکن لای حضارة اصیلة على مر التاریخ ان تقوم دو ن وجود ارضیة لهذه الثقافة. و هذه هی الثقافة التی یمکنها ان تنقذ نفسها من مخالب المصلحیین و المستبّدین[9].
و یجب التذکیر هنا بان المجتمع الدینی تحکمه ثقافة الهیة خاصة بمعنى انه یؤمن بان المعنویة هی الکمال المطلوب و هی هدف حیاة الانسان، و ان هذا الکمال یحصل للانسان فی ظل المراقبة والتدقیق فی استخدام کل المواهب الجسمیة و الروحیة للانسان و الانتفاع منها باعتدال، و یکون الانسان وفقا لهذا التوجه الفکری متوجهاً الى اللة الذی هو الکمال المطلق و هو مصدر کل الفضائل و القیم النبیلة، اما المجتمعات الرأسمالیة و الصناعیة الغربیة فتحکمها ثقافتها الخاصة بتلک المجتمعات.
دور الدین فی الحضارة و الثقافة الانسانیة:
ان للأدیان الالهیة و السماویة دورها المؤثر فی ترویج الفضائل و القیم و الآداب الصحیحة و الخصال الحسنة. یقول (سبنسر) بهذا الصدد: "ان بیان الآداب و فضائل المجتمعات التی تشکل اسس الحضارة فیها هو أمر ناشئ من الدین".
و یقول العلامة الطباطبائی: "ان الخصال الحسنة فی الانسان المعاصر مهما کانت بسیطة وقلیلة، هی ناشئة من التعالیم الدینیة[10]"
و بشأن دور الدین و عمله لاینبغی التغافل عن الدور المهم للدین فی حقل المعرفة و الاخلاق فانّه عن طریق البحث والدراسات المعمقة فی اوضاع الانسان المعاصر و تجربة المئتی سنة الأخیرة للغرب فی مواجهته للدین و ما آل الیه مصیره من المحن و الضیاع، یتضح جیداً دور الدین و عملة فی هذین المجالین:
الف- المعرفة الدینیة: فالدین هو مجموع التعالیم السماویه الوحیانیة و هو یعترف بمصادر متعددة لکسب المعرفة، و تلبیة میول الانسان و حاجاتة المعرفیة، و بالرغم من ان الدین یقر للحس و التجربة بدورهما المعرفی و یحث الانسان على السعی التجریبی، لکنة لا یحصر مصادر المعرفة بهما بل یؤکد ایضاً على مصدرین آخرین و هما الوحی و العقل الکلی[11].
ب- الاخلاق الدینیة: ان الاخلاق الدینیة هی نتیجة منطقیة و معقولة للمعرفة الدینیة، فالدین هو الذی یتولى توضیح العلاقة بین الانسان و الله و ان الله هو مبدأ الوجود و غایته.
ج: الایمان بالدین و التوازن النفسی و الروحی: ان من الاصول العلمیة و المقبولة الیوم هو ان الاعتقاد الدینی و المیل باتجاة الدین یعٌد من أقوى عوامل تحقیق الاتزان و الهدوء الروحی و النفسی، و یوصف الایمان الدینی فی المجتمعات الراقیة کعلاح للقلق و الاضطرابات الروحیة و النفسیة[12].
و بالالتفات الى دور الدین و تحلیل مفهوم الثقافة أیضاً یمکننا القول ان هذین الامرین متعاضدان من اجل اصلاح شأن الانسان، حیث یقومان بعرض حلول نافعة فی إطار نظام هادف لهدایة الناس نحو الکمال و تلبیة متطلباتهم بحث یمکننا ان ندعی ان ارکان الدین لها نفوذ فی ثلاث منظومات: المنظومة العقائدیة، و المنظومة القیمیة و الاخلاقیة و المنظومة الفقهیة، و علیه فالدین بظهوره سیعرض للمجتمع البشری ثقافة جدیدة و هی ثقافته الخاصة و یدعو الناس الیها، و فی الحقیقة انه مع ظهور الدین ووجوده فی المجتمع فانه یوجد تحوّلا مفیداً و مثمراً فی فکر و روح الانسان، حیث یقوم بتجدید طرق تفکیر الناس باتجاة فهم الواقع، و تحسین اخلاقهم و تربیتهم، و ازالة السنن و النظم القدیمة التی تعرقل حرکتهم ویوجد بدلها انظمة حیة متطورة و اصیلة و یشیع فیهم روح القیم النبیلة، و انه فی ظل هذا التحول ستتحسن الحیاة الاقتصادیة و تتفتح القابلیات العلمیة و الفلسفیة و الادبیة و الفنیة. و بکلمة اخری: سیتفتح المحتوى المادی و المعنوی (یعنی الحضارة). ان هذة الواقعیة لیست هی رأی خاص بنا بل ان الکاثولیک أیضاً صرحوا بها فی مجلس الفاتیکان: "ان الدین هو الذی یعطی للثقافة شکلها، و الثقافة هی التی تعطی للناس هویتهم. و ببیان آخر: ان حاجة الانسان الى کلام الله تعالى هو اساس الثقافة[13]"
و للثقافة أیضاً ثلاث منظومات مرتبطة بعضها ببعض و یعبر عنها بمکونات الثقافة:
(Components of Culture).
1- منظومة المعارف و الاعتقادات: هذه المنظومة بمثابة التخطیط الاساسی لفعالیات البشیر فی حقل التفکر و التعقل و هی تتکون من التصورات و العقائد و التعالیم و طرق الاستدلال فیما یرتبط بتفسیر عالم وجود الانسان و علاقاته بمحیطة و ما حوله، و الهدف من الحیاة البشریة.
2- منظومة القیم والرغبات: و هذه المنظومة تقوم بعرض القیم و الایمان بها وفی هذه الساحة یتم الفرز و الفصل ما بین المناسب و غیر المناسب، و الحسن و السیئ، و الصحیح الجائز و غیره و ذلک من خلال نظم و اطر قیمیة اخلاقیة و حقوقیة بمعناها العام.
3- منظومة السلوک و الفعالیات: و تترکب هذه المنظومة من جمیع التعالیم التی تسهم فی التوفیق بین سلوک الانسان مع سلوک الآخرین. و فی هذه الدائرة یبرز دور تعالیم المنظومتین الاولیین، حیث إنّ بناء السلوک الفردی و الاجتماعی یتکون على اساس نوع الرؤیة و میول الانسان و رغباته. و الواقع انه یتم فی هذه الساحة تحدید الدساتیر العملیة و کیفیة التصرف و السلوک[14].
و بالالتفات الى معنى الدین و الثقافة و العامل المشترک بینهما یمکننا ان نقر بهذه النتیجة و هی: ان الدین و الثقافة یتفاعلان دوماً فیما بینهما و هما على ارتباط و ثیق دائما، و کما ان للدین دوره المؤثر فی حضارة الناس و ثقافتهم،فان الثقافة أیضاً تسهم فی الاستثمار المطلوب واللائق لفعالیات الحیاة المادیة و المعنویة للانسان و التی تستند الى طریقة التعقل الصحیح و العواطف النبیلة، حیث تساعد الانسان فی حیاته المعقولة و تصبح سبباً لتکامل الانسان – و أیضاً فان الدین و الثقافة یمکنهما ان یکونا سبباً لتحول عظیم فی مسیر نمو و تکامل الانسان عن طریق عرض منظوماتهما الثلاثیة الهادفة و تطبیقها على صعید الواقع.
[1] - اقرب الموارد بتصرف.
[2] مواضیع ذات صلة: مفهوم الدین، مراحل الدین، الانسان و الدین، العلم و العقل و الدین، و لا حظ أیضاً: مبانی کلامی اجتهاد (المبانی الکلامیة للاجتهاد)، هادوی طهرانی، مهدی، ص ، 383 – 391،و لنفس المؤلف: ولایت و دیانت ( الولایة و التدین) ص15- 22 ، باورها و پرسشها(التصورات و الاسئلة) ص 2417.
[3] - جوادی آملی، عبدالله، شریعت در آیینه معرفت (الشریعة فی مرآة المعرفة) طبعة 1372، ص 93، المیرزا ابو الحسن الشعرانی (رحمة الله)، او دائرة معارف مفردات القرآن، مفردات الراغب، کلمة دین
[4] - مناسبات دین و فرهنگ در جامعه ایران (روابط الدین و الثقافة فی المجتمع الایرانی)، ج 1، ص 60.
[5] - نفس المصدر، ج 2، ص 153.
[6] - نفس المصدر، ج 1، ص 61، 62.
[7] - نفس المصدر، ج2، ص 152.
[8] - نفس المصدر.
[9] - جامعه و فرهنگ (المجتمع و الثقافة)، ج 1، ص 432.
[10] - المیزان، ج 12، ص 101.
[11] - یلاحط: باورها و پرسشها (التصورات و الاسئلة)، هادوی طهرانی، مهدی، ص 45-58 .
[12] - دین و فرهنگ (الدین و الثقافة)، محمد رضا کاشفی، نقلاً عن مناسبات دین و فرهنگ، ج 1، ص 177.
[13] - مناسبات دین و فرهنگ (روابط الدین و الثقافه)، ج 1، ص 179.
[14] - دین و فرهنگ (الدین و الثقافة) محمد رضا کاشفی نقلاً عن مناسبات دین و فرهنگ، ج 1،ص 177.