بحث متقدم
الزيارة
7317
محدثة عن: 2006/05/21
خلاصة السؤال
هل ینسجم الدین مع السیاسة؟
السؤال
هل ینسجم الدین مع السیاسة؟
الجواب الإجمالي

ان دیناً جاء لیهدی الناس إلی طریق الفلاح حتی نهایة التاریخ، لا یسعه ان یکون حیادیاً و یقف مکتوف الأیدی حیال شأن الحکم الذی یمثل أمراً تحتاجه سائر المجتمعات. و من جهة أخری فإن بنیة الأحکام الإسلامیة و طبیعتها، یتطلبان وجود حکومة تتیح للإسلام ان یتواصل.

الجواب التفصيلي

من الطبیعی ان یؤدی التصور الصحیح للدین إلی عقلن ة القول بمرجعیة الدین فی المجال السیاسی، فالدین الذی جاء لیهدی الناس إلی طریق الفلاح حتی نهایة التاریخ، لا یسعه ان یکون حیادیاً و یقف مکتوف الأیدی حیال شأن الحکم الذی یمثل أمراً تحتاجه سائر المجتمعات. و على هذا الأساس یقول الإمام الرضا (علیه السلام) فی تعلیله للحکومة الاسلامیة: «إنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا إلا بقیم و رئیس لما لابد لهم منه فی أمر الدین والدنیا. فلم یجز فی حکمة الحکیم أن یترک الخلق مما یعلم أنه لابد لهم منه و لا قوام لهم إلا به، فیقاتلون به عدوهم، و یقسمون به فیئهم، و یقیم لهم جمعتهم و جماعتهم، و یمنع ظالمهم من مظلومهم» [1] .

و من جهة أخری فإن بنیة الأحکام الاسلامیة و طبیعتها، یتطلبان وجود حکومة تتیح للإسلام ان یتواصل، و هکذا یقول الإمام الرضا (علیه السلام): «أنه لو لم یجعل لهم إماما قیما أمینا حافظا مستودعا لدرست الملة، و ذهب الدین، و غیرت السنة و الاحکام، و لزاد فیه المبتدعون، و نقص منه الملحدون، و شبهوا ذلک على المسلمین ...» [2] .

و لذلک کان من الواضح جداً عند المسلمین بل و حتی عند غیرهم، ان الإسلام یمتلک نظاماً خاصاً فی شؤون الحکومة و کانت حکومة النبی (صلی الله علیه و آله) فی المدینة نموذجاً له، حتی ان العلماء المسلمین حکموا بکفر علی «عبد الرازق» حین أصدر کتابه «الإسلام و أصول الحکم» عام 1343 هـ . ق، فی مصر و أنکر حکومة النبی و قال بأنه (صلی الله علیه و آله) لم یکن سوی نبی مرسل و لم یؤسس دولة أو حکومة [3] . لقد تزامن صدور هذا الکتاب مع تأسیس «کمال أتاتورک» لنظامه العلمانی و إنکاره للخلافة العثمانیة، بینما قام أنصار الخلافة فی مصر بإعلان الملک فؤاد خلیفة للمسلمین. ان هذا التزامن یدل على ان عبد الرازق تأثر بأفکار الغرب العلمانیة أیضاً و طرح تلک الأفکار مستلهما أفکار الفلاسفة و الساسة العلمانیین.

لقد تضمن کلام عبد الرازق فی الحقیقة زعمین:

أ. ان ما أسسه النبی (صلی الله علیه و آله) فی المدینة لم یکن دولة.

ب. ان ما حدث فی المدینة لم یکن أمراً‌ دینیاً.

لقد کان یؤکد فی دعمه للفرضیة الأولی؛ على ان ما أسسه النبی فی المدینة لم یکن یحمل أیاً من مواصفات الحکومة بمفهومها المتداول. بینما دعم الفرضیة الثانیة من خلال إصراره على ان شأن النبوة منفصل عن الحکومة و السیاسة و أنه لا علاقة لها بهما.

لا بد ان ندرک فی ردنا لزعمه الأول، إلی اننا لو جعلنا المقیاس فی تحقق الحکم شکلاً خاصاً من الحکومة، فمن المؤکد ان الشکل هذا لم یکن متحققاً فی شتی العصور و بین مختلف الشعوب. و لذلک فلا بد من ان نقدم تعریفاً شاملاً للحکومة یمکنه ان یتحقق بأشکال مختلفة کی یصدق على شتی ألوان الحکومات.

یمکن ان تقدم تعریفاً یستجمع تلک المواصفات کما یلی: ان الحکومة مجموعة السلطات المنظمة التی تأخذ على عاتقها إدارة شؤون المجتمع. و تشمل الحکومة فی ضوء هذا التعریف، مجموعة البنی القائمة فی السلطة و التی تتضمن الأقسام التشریعیة و القضائیة و التنفیذیة [4] . و من جهة أخری فإن کلمة «السلطة» تشیر فی هذا التعریف إلی السیادة، و سلطة الحکومة، و یدل تعبیر «المنظم» على البنیة.

و فی ضوء هذا التعریف فإن ما أسسه الرسول (صلی الله علیه و آله) فی المدینة کان حکومة بالمعنی الکامل للکلمة. ذلک انه کان یؤسس سلطة تتکفل تنظیم شؤون المجتمع. و قد جری تصنیف کتب موسعة منذ زمن طویل و حتی الیوم، حول البنیة الإداریة لحکومة النبویة (صلی الله علیه و‌ آله) [5] .

أما الطابع الدینی للحکومة النبویة فإنه یتضح من خلال بضعة نقاط:

أ. ان الأحکام الإسلامیة هی على نحو لا یمکن ان تطبق إلا من خلال تأسیس الحکومة، من قبیل الأحکام الإسلامیة فی قانون العقوبات و الشؤون القضائیة و الجوانب المالیة.

ب. ثمة أدلة تثبت ان الزعامة و الولایة للنبی (صلی الله علیه و آله). [6]

جـ . لو کانت النبوة و الرسالة منفصلتین عن الحکومة و السیاسة، فلماذا بادر النبی (صلی الله علیه و آله) إلی تأسیس حکومة أنفق فیها جهده و وقته؟ ألا یعنی الأمر على تقدیر ذلک انه ترک مسؤولیاته و انشغل بجوانب أخری؟ و لو قیل فی تفسیر هذا: ان النبی (صلی الله علیه و آله) عمد إلی ذلک بوصفه أسلوباً لتبلیغ الرسالة و تنفیذها، فإن هذا الجانب یدلل من جهة على أصرة وثیقة تقوم بین الدین و السیاسة، ولکنه من جهة أخری لا یفسر مبادرة النبی (صلی الله علیه و‌ آله ) إلی تولی الزعامة بنفسه دون أن یکلف بعض معاونیه الموثوقین کعلی (علیه السلام).

و على أی حال فإننا لن نتمکن من فهم ما طرحه علی عبد الرازق قبل سبعین عاماً، إلی جانب التیار المشابه الذی یظهر فی العالم الإسلامی بأشکال مختلفة، دون ان نبحث عن جذور ذلک فی موطنة الأصلی أی الغرب و نعید قراءته فی ذلک الإطار، و لا بد ان نلقی نظرة‌ أو نمر سریعاً، على تاریخ الفکر المسیحی الذی یمثل إطاراً للثقافة الغربیة، بهدف فهم الثقافة و الفلسفة الغربیتین. [7]

لمزید من الإطلاع لاحظ:

1. هادوی طهرانی، ولایت و دیانت "الولایة و الدیانة"، مؤسسه فرهنگی خانه خرد " مؤسسة دار العقل الثقافیة"، قم، ط 2، 1380.



[1] - بحارالانوار- العلامة المجلسی ج 6 ص 60.

[2] - م. ن.

[3] - علی عبد الرازق، الإسلام و أصول الحکم، ص 80.

[4] - أی ان المقصود بها ما یعادل .

[5] - لاحظ أمثال الجهشیاری (ت 331 هـ) فی کتاب "الوزراء و الکتاب" و هلال الصابی (ت 448 هـ) فی کتاب حمل العنوان ذاته، و الماوردی (ت 450 هـ) فی کتابه "الأحکام السلطانیة" و أبی یعلی (ت 458) فی کتاب یحمل العنوان ذاته،‌و ابن تیمیة (ت 728 هـ) و ابن قیم الجوزیة (ت 751) فی کتابین حملا عنوان "السیاسة الشرعیة" و علی بن محمد بن مسعود الخزاعی (ت 789 ةـ) فی کتابه فائق الأهمیة "تخریج الدلالات السمعیة علی ما کان فی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الحرف و الصنایع و العمالات الشرعیة" و رفاعة الطهطاوی فی کتاب "نهایة‌الإیجاز فی سیرة ساکن الحجاز" و ابن إدریس الکتانی فی کتاب "التراتیب الإداریه".

[6] - الموضوع: ادلة ولایة المعصومین (علیهم السلام)، سؤال 240.

[7] - الموضوع: الدین و المسیحیة، سؤال 235.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...