بحث متقدم
الزيارة
6189
محدثة عن: 2009/06/15
خلاصة السؤال
کیف یجتمع کون النفس جسمانیة الحدوث مع عالم الذر من وجهة نظر العلّامة الطباطبائی؟
السؤال
کیف یمکن لمثل العلامة الطباطبائی الذی یعتقد بأن النفس جسمانیة الحدوث(لم تکن قد خلقت من قبل) أن یعتقد ان النفس کانت موجودة قبل الدنیا و فی عالم الذر؟
الجواب الإجمالي

لیس هناک تناف بین الإعتقاد بکون النفس جسمانیة الحدوث و بین الإعتقاد بعالم الذر بالشکل الذی طرحه العلّامة الطباطبائی، لأن جسمانیة الحدوث تعنی الحدوث بصورة فردیّة و متعیّنة بحیث تتحقق بالتکون المادی، و اما الوجود فی عالم الذر فیعنی الوجود بصورة جمعیة من دون أن یکون هناک تمایز بینها و بین الآخرین.

الجواب التفصيلي

قبل التعرّض للإجابة عن السؤال نشیر الی ان فهم کون النفس جسمانیة الحدوث و رأی العلامة الطباطبائی حول عالم الذر یعدّ من الضروریّات.

1- طبقاً لرؤیة الحکمة المتعالیة فان الذوات کانت موجودة بصورة جمعیة ابتداءً أی بصورة غیر متعیّنة، ثم بعد ذلک تتشخص بالتکوّن المادی؛ و من هنا فما بعد تبقی علی الصورة الفردیّة و بعبارة اخری: "النفس جسمانیة الحدوث و روحانیة البقاء"[1].

2- ذکر المفسرون فی ذیل الآیة "و اذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم و أشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی شهدنا أن تقولوا یوم القیامة إنّا کنّا عن هذا غافلین"[2] احتمالات متنوعة حول ماهیة عالم الذر. و کمثال علی ذلک فقد ورد فی تفسیر الأمثل: من أهم هذه الآراء رأیان فحسب:

الف:ان الله أخذ المیثاق من صلب آدم و من ذرات الناس التی کانت من صلب آدم، و یرد علی هذا الإحتمال عدّة اشکالات.

ب: المراد من عالم الذر هو عالم الفطرة أی لسان حال الناس الذین یقولون ...

فبناء علی هذا فان جمیع أبناء البشر یحملون روح التوحید، و ما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله أیاهم: ألست بربکم ؟کان بلسان التکوین و الخلق و ما أجابوه کان باللسان ذاته.[3]

و العلامة و من خلال قبوله لروایات عالم الذر فی تفسیر المیزان أشکل علی هذین الإحتمالین و قال" المجیء بـ(اذ) فی هذه الآیة یدّل علی وقوع حادثة سابقاً، و لا ینسجم هذا مع بحث الفطرة و القول بلسان الحال، بل المراد وجود الناس و الموجودات بوجود جمعی فی عالم الملکوت الذی هو قبل عالم الملک، و یجب الإلتفات الی ان هذه القبلیة لیست قبلیة زمانیّة، و ذلک لأن هذه القبلیة موجودة الآن أیضاً و ان عالم البرزخ و العقل هو قبل عالم الملک.[4]

و بهذا التوضیح اتضح انه لا تنافی بین الإعتقاد بکون النفس جسمانیة الحدوث مع رأی العلامة حول عالم الذر، لان کون النفس جسمانیة الحدوث تعنی الحدوث بصورة فردیة و متعیّنة، و ذلک ما یتحقق بالتکون المادی، و اما الوجود فی عالم الذر فهو یعنی الوجود بصورة جمعیة من دون أن یکون هناک تمایز بینها و بین الآخرین.



[1] الاسفار،ج 8،ص 347. و بالطبع لم یوافق البعض علی هذا الرأی فقالوا" ان النفس من أول وجودها هی جوهر مجرّد و ان التجرّد مخفی فی ذاتها. و النفس المجردة لیس لها نسبة زمانیّة مع أی شیء و لذا لا یمکن إعتبار تقدّم و تأخر زمانی لها فی الواقع. و علی هذا الأساس فحینما یقال ان النفس تتعلّق بالبدن فی زمان خاص فالتقید بزمان خاص فی الواقع هو من ناحیة البدن الذی هو شیء مادی و جسمانی و زمانی. و بعبارة اخری: بملاحظة الأحکام الخاصة لهذا العالم الطبیعی و الجسمانی یقال ان النفس کانت موجودة قبل البدن. و بناء علی هذا فالنفس مجردة منذ البدایة و تتعلّق بعالم المجرّدات و هو العالم المتقدم بالتقدم الدهری علی عالم الطبیعة و المادة و لکن نسبته الی آنات الزمان واحدة. و النفس المجردة بلحاظ تجردها هی محیطة بالبدن المادی، و بعد حصول الإستعداد الخاص فی البدن، و فی الواقع فان هذا البدن یرتبط بالنفس ارتباطاً خاصاً فی زمان خاص، و بتعبیر آخر یتعلّق بها. و یمکن أن یکون المراد من التعبیر فی الروایات بان خلقة الأرواح مقدمة لألفی عام علی حدوث الأبدان لیس هو التقدم الزمانی، بل تشیر الروایة الی مرحلتی التقدم:احدهما تقدم العالم العقلی علی عالم البرزخ و المثال، و الآخر تقدم عالم البرزخ علی عالم الطبیعة، و یؤیّد هذا الفهم ذلک التعبیر المستعمل فی القرآن الکریم حیث یقول"و ان یوما عند ربّک کألف سنة مما تعدون" الحج،47. و یظهر ان المقصود من (الیوم) فیما هو المرحلة من التقدم الطولی للعوالم علی بعضها البعض.

و بناء علی هذا فالنفس موجودة قبل وجود البدن (و بالطبع لیس القبلیة الزمانیة) و هی محیطة بالبدن، و تقدمها علی البدن من باب تقدم عالم التجرد علی الطبیعة. و فی هذه الحالة یمکن قبول مدلول الروایات من دون حاجة الی أی تکلّف و تأویل و یمکن الجمع الی حد ما من نفس الوقت بین القول بقدم النفس و حدوثها، فقدم النفس بإعتبار مرتبة الوجود الدهری الذی لها فی عالم التجرد و الذی یختلف طبعاً عن المثل الافلاطونیة و الوجود الجمعی العقلانی، لأنه طبقاً لها الرأی فان النفوس توجد بنحو متکثّر فی عالم التجرد و لیست بصورة بسیطة و واحدة. و ربما امکن هنا ایراد اشکال إمتناع التکثر الإفرادی للمجرّدات و هو الذی أشار له المصنف أیضاً لکننا نعتقد ان دلیل هذه القضیة قابل للخدشة و إنه توجد کثرة فردیة و وحدة نوعیّة بین المجردات. لاحظ: مصباح الیزدی، محمد تقی، شرح الجزء الثامن من الأسفار،ج 2،ص 229 و 230.

[2] الأعراف، 172.

[3] مکارم الشیرازی،ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج ‏5، ص 288، ناشر مدرسه امام على بن ابى طالب، قم، 1421 ق‏.

[4] علامه طباطبایی، المیزان فی تفسیر القرآن، ج ‏8، ص 306 – 331، دفتر انتشارات اسلامى جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، قم، 1417 ق، چاپ پنجم.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...