Please Wait
6906
یمکن لکل انسان القیام بالاعمال الخیرة و اهداء ثوابها للاخرین سواء کانوا من الغرباء ام من الاقرباء أو یقوم باهدائها للابوین خاصة حتى لو کانا حیین، و انه بعمله هذا لم ینقص من ثوابه شیء ابدا و سیحصل على نفس ثواب العمل الذی أهداه الیهم.
للاجابة عن السؤال لابد من الالتفات الى تفاوت الوالدین من الجهة الایمانیة ثم دراسة دور الابناء فی برّهما و بعد ذلک البحث عن عدم الفرق بین کونهما حیین أو میتین.
إن بر الوالدین من الامور التی فرضتها الشریعة الاسلامیة و أکدت علیها الى حد جعل شکرهما مرادفا لشکر الله تعالى "ان اشکر لی و لوالدیک"[1] و قد وصى القرآن کثیرا فی برّهما و الاحسان الیهما و الدعاء بالمغفرة لهما و قد جاء الکثیر من ذلک على لسان الانبیاء.[2]
لکن ینبغی الالتفات الى انه یوجد فارق بین الابوین الصالحین السائرین فی طریق الهدایة و الصلاح و المتقین الساعین فی تربیة ابنائهم و الاخذ بایدیهم فی طریق التکامل و بین الابوین المنحرفین عن طریق الحق و الهدایة.
فبالنسبة للصنف الاول لابد من القول بانه" مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ الْوَلَدُ الصَّالِح"[3] فان مثل هکذا ولد یعود ثواب عمله بصورة تلقائة الى و الدیه، حتى انه جاء فی الروایة " قَالَ النَّبِیُّ (ص):" إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِیَةٍ أَوْ عِلْمٍ یُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ یَدْعُو لَهُ".[4]
کما روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ یَأْتِی یَوْمَ الْقِیَامَةِ صَاحِبَهُ فِی صُورَةِ شَابٍّ جَمِیلٍ شَاحِبِ اللَّوْنِ فَیَقُولُ لَهُ أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِی کُنْتُ أَسْهَرْتُ لَیْلَکَ وَ أَظْمَأْتُ هَوَاجِرَکَ وَ أَجْفَفْتُ رِیقَکَ وَ أَسْبَلْتُ دَمْعَتَکَ إِلَى أَنْ قَالَ فَأَبْشِرْ فَیُؤْتَى بِتَاجٍ فَیُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ وَ یُعْطَى الْأَمَانَ بِیَمِینِهِ وَ الْخُلْدَ فِی الْجِنَانِ بِیَسَارِهِ وَ یُکْسَى حُلَّتَیْنِ ثُمَّ یُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَ ارْقَهْ فَکُلَّمَا قَرَأَ آیَةً صَعِدَ دَرَجَةً وَ یُکْسَى أَبَوَاهُ حُلَّتَیْنِ إِنْ کَانَا مُؤْمِنَیْنِ ثُمَّ یُقَالُ لَهُمَا هَذَا لِمَا عَلَّمْتُمَاهُ الْقُرْآن.[5]
فقد اتضح من ذلک انه حتى لو لم یکن الولد فی مقام اهداء الثواب الى والدیه فان ثواب عمله یصل الیهما جزاء لما بذلاه فی تربیة الولد.
الفرض الثانی: ان لایکون للوالدین دور فی تربیة الولد تربیة ایمانیة بل قد یکونا معترضین على ایمانه لکن الولد الصالح یرید ان یهدی ثواب عمله لهما کی یساعدهما و یسهل الامر علیهما؛ و فی هذه الصورة یمکن تصور حالتین:
الاولى: انهما بالاضافة الى عدم ایمانهما یضعان العراقیل فی طریق الولد المؤمن و یمنعانه من السیر فی طریق الحق ففی مثل هذه الحالة یجب على الولد ان یفصل طریقه عن طریق والدیه کما حدثنا القرآن فی قصة ابراهیم مع ابیه او عمه.[6] و هذا شاهد جید على المدعى حیث کان یستغفر له مدة طویلة[7] و لکن " فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهیمَ لَأَوَّاهٌ حَلیمٌ".[8]
من هنا لو کان الوالدان عدوینً لله تعالى و معاندین له فلا تأثیر لدعاء الولد فی نجاتهما من النار. لکن هناک روایات یظهر منها انه مع ذلک یکون لدعاء الولد و استغفاره نوع من النفع لهما و انه یساعد فی تخفیف العذاب عنهما، ففی کِتَابُ دُرُسْتَ بْنِ أَبِی مَنْصُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِی الْحَسَنِ (ع) الدُّعَاءُ یَنْفَعُ الْمَیِّتَ؟ قَالَ: نَعَمْ حَتَّى إِنَّهُ لَیَکُونُ فِی ضِیقٍ فَیُوَسَّعُ عَلَیْهِ وَ یَکُونُ مَسْخُوطاً عَلَیْهِ فَیُرْضَى عَنْهُ. قَالَ: قُلْتُ: فَیَعْلَمُ مَنْ دَعَا لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ کَانَا نَاصِبِیَّیْنِ قَالَ فَقَالَ یَنْفَعُهُمَا وَ اللَّهِ ذَاکَ یُخَفِّفُ عَنْهُمَا.[9]
الثانی: الحالة الثانیة ان یکون الوالدین لیسا بمؤمنین و لکنها فی نفس الوقت لیسا من اهل الخصومة و العناد و العداء للمؤمنین و یعیشون الى جنبهم حیاة طبیعیة و هم الصنف الغالب من غیر المؤمنین حیث لم یدخلوا مع المؤمنین فی لجاج و خصومة مباشرة بل انهم مجرد یحذرون ابناءهم من الایمان، فی مثل هذه الصورة یحدث القرآن الکریم عنها" وَ إِنْ جاهَداکَ عَلى أَنْ تُشْرِکَ بی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً"[10]
و روی فی هذا المجال عن معمر بن خلاد انه قال: قُلْتُ لأَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا (ع): أَدْعُو لِوَالِدَیَّ إِذَا کَانَا لا یَعْرِفَانِ الْحَقَّ؟ قَالَ: ادْعُ لَهُمَا وَ تَصَدَّقْ عَنْهُمَا وَ إِنْ کَانَا حَیَّیْنِ لا یَعْرِفَانِ الْحَقَّ فَدَارِهِمَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِی بِالرَّحْمَةِ لَا بِالْعُقُوق.[11]
من هنا یمکن اهداء ثواب الاعمال الصالحة لمثل هکذا والدین و الاستغفار لهما و الدعاء لهما بالرحمة من الله الکریم الوهاب، فقد روی عن الامام الباقر(ع) انه کان یقول: خَمْسُ دَعَوَاتٍ لا یُحْجَبْنَ عَنِ الرَّبِّ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى- دَعْوَةُ الإِمَامِ الْمُقْسِطِ- وَ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- لأَنْتَقِمَنَّ لَکَ وَ لَوْ بَعْدَ حِینٍ، وَ دَعْوَةُ الْوَلَدِ الصَّالِحِ لِوَالِدَیْهِ- وَ دَعْوَةُ الْوَالِدِ الصَّالِحِ لِوَلَدِهِ- وَ دَعْوَةُ الْمُؤْمِنِ لِأَخِیهِ بِظَهْرِ الْغَیْبِ فَیَقُولُ وَ لَکَ مِثْلاه.[12] من هنا یقوى الامل بالله تعالى ان یغفر للابوین المستضعفین فکریا و لم یتحرکا فی طریق الایمان و ذلک ببرکة دعاء ابنائهم و باهداء ثواب الاعمال الصالحة لهم.
لکن هل یمکن ارسال ثواب الاعمال الصالحة للوالدین و لغیرهما و هما على قید الحیاة؟
نقول: ان جواز اهداء ذلک الثواب لهما لاینحصر بما بعد وفاتهما بل یعم الحیاة ایضا؛ نعم لایمکن النیابة عن الانسان الحی فی أکثر الاعمال الواجبة لانهم واجب علیه یجب ان یاتی هو به لا ان ینوب عنه غیره، فعلى سبیل المثال لایمکن النیابة عن الابوین فی الصلاة و الصیام الواجبین؛ نعم لو توفی یمکن القیام بذلک عنه.
اما بالنسبة الى الامور المستحبة، فهناک روایات کثیرة یمکن الاستناد الیها لتصحیح اهداء ذلک الى الاخرین خاصة الى الوالدین اللذین لهما منزلة خاصة.
فقد روی انه لما سُئِلَ الصَّادِقُ (ع): عَنِ الرَّجُلِ یَحُجُّ عَنْ آخَرَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَ الثَّوَابِ شَیْءٌ؟ فَقَالَ: لِلَّذِی یَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ أَجْرُ وَ ثَوَابُ عَشْرِ حِجَجٍ وَ یُغْفَرُ لَهُ وَ لأَبِیهِ وَ لأُمِّهِ وَ لابْنِهِ وَ لابْنَتِهِ وَ لأَخِیهِ وَ لأُخْتِهِ وَ لِعَمِّهِ وَ لِعَمَّتِهِ وَ لِخَالِهِ وَ لِخَالَتِهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ کَرِیم.[13] من هنا نرى الحجاج عندما تشرفون بالذهاب الى بیت الله الحرام یأتون بالطواف المستحب نیابة عن الوالدین و الاقربین و الاصدقاء احیاء و امواتا.
و فی روایة اخرى عن الامام الصادق (ع) فی هذا المجال تصریح بامکان ذلک بل حث علیه، حیث قال(ع): مَا یَمْنَعُ الرَّجُلَ مِنْکُمْ أَنْ یَبَرَّ وَالِدَیْهِ حَیَّیْنِ وَ مَیِّتَیْنِ یُصَلِّی عَنْهُمَا وَ یَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَ یَحُجُّ عَنْهُمَا وَ یَصُومُ عَنْهُمَا فَیَکُونُ الَّذِی صَنَعَ لَهُمَا وَ لَهُ مِثْلُ ذَلِکَ فَیَزِیدُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِبِرِّهِ وَ صِلَتِهِ خَیْراً کَثِیرا.[14]
اتضح من خلال ذلک انه یصح القیام بکل ذلک و ان ثواب هذا العمل کما یصل الى الوالدین و الاقربین و غیرهم من الناس یسجل للانسان نفسه ایضا و هذا لیس من الامر العجیب و المستبعد من الرحمن الرحیم.
[1] لقمان، 14.
[2] انظر: ابراهیم، 41؛ نوح، 28؛ الشعراء، 86 و...
[3] الحر العاملْ، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 21، ص 359، ح 27296، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ه ق.
[4] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 2، ص 22، ح 65، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.
[5] وسائل الشیعة، ج 6، ص 179، ح 7674.
[6] هل الرجل الذی تشیر إلیه الآیة (آزر) هو والد إبراهیم أو عمه؟ بعض مفسّری أهل السنّة یجیب بالإیجاب و یعتبر آزر والد إبراهیم الحقیقی، أمّا المفسّرون الشیعة فیجمعون على أن آزر لیس والد إبراهیم، بل قال بعضهم: إنّه کان جدّه لأمّه، و قال أکثرهم: إنّه کان عمه.( الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 4، ص 343) و على کل حال فلا یختلف الامر بالنسبة الى محل الشاهد هنا.
[7] الممتحنة، 4؛ ابراهیم، 41.
[8] التوبة، 114.
[9] المحدث النوری، مستدرک الوسائل، ج 2، ص 111، ح 1567، مؤسسة آل البیت، قم، 1408 ه ق.
[10] العنکبوت، 8؛ لقمان، 15.
[11] وسائل الشیعه، ج 21، ص 490، ح 27667.
[12] المصدر، ج 7، ص 116، ح 8892.
[13] المصدر، ج 11، ص 165، ح 14535.
[14] المصدر، ج 8، ص 276، ح 10647.