Please Wait
6083
المنظمات المدنیة هی مجموعة التکتلات و الاحزاب الموجودة فی المجتمع و التی تعتبر بواسطة بین الجماهیر و الحکومة، و تعد الجمعیات التعاونیة للاریاف و المدن و الاتحادات و النقابات المهنیة و الاندیة الریاضیة و الاحزاب المحلیة و الجمعیات الحرفیة (کجمعیة الآباء و المربین) و ... امثلة من المنظمات المدنیة و هی ابرز نقاط قوة للانظمة الدیمقراطیة و الدلیل علی ذلک هو حق المشارکة العامة لجمیع افراد المجتمع فی مختلف اعمالهم و شؤونهم ان یکونوا اعضاءً فی هذه المنظمات فتعد مصدراً للثروة الاجتماعیة الجدیرة بالاهتمام.
ان القیم المتعلقة بهذا التلاحم للناس و بشکل أوسع للمجتمع لها افرازات هامة و یصدر عنها فوائد خاصة و عامة بشکل تعمل علی تحسین صورة هذا التظافر و التعاون بین اعضائه و بالتالی تشکل ظاهرة من التعامل و الحوار بین الحکومة و هذه المنظمات الاجتماعیة المستقلة بحیث تخلق بوجودها الواسع جواً مناسباً للتعاون فلا تصبح عنصر تهدید لمشروعیة و سلطة الحکومة.
ان هذه المنظمات تستطیع و من خلال حصولها علی هذا الثروة الاجتماعیة العظیمة و من خلال ممثلیها المنتخبین من بین افرادها ان تصنع علاقة غیر مباشرة مع الحکومة و هذا العمل بنفسه یمثل ثروة اجتماعیة من التلاحم و التعاضد بین الحکومة و الشعب. و بالتالی سیخلق جواً سیاساً و اجتماعیاً مستقراً و ثابتاً.
ففی المجتمع الدینی الذی یستند الناس فیه الی الاوامر الدینیة من الطبیعی ان تتصف المنظمات المدنیة بالصفة الاسلامیة و تصبح لها صبغة دینیة أیضاً بحیث تلعب دوراً مهماً فی تکوین و بناء الشخصیة و الاتجاه الفکری لذلک المجتمع. فهذه المنظمات و المؤسسات التی کانت تقف موقفاً صارماً ضد النظام الحاکم فی ایران آنذاک اصبحت الیوم و بعدالثورة الاسلامیة تنحی منحی الهدایة و الدعم و الاسناد للنظام الاسلامی.
یطلق عن التکتلات و الاحزاب الموجودة فی المجتمع و التی تعتبر الواسطة بین الجماهر و الحکومة عنوان المنظمات المدنیة فهی تعمل بشکل مستقل بحیث تهتم بالامور العامة و فی مجالات مختلفه تعود للصالح العالم للمجتمع.
اذن من اللازم ان تتصف بالاستقلالیة فی عملها و بالنتیجة تخلق ظاهرة من التعامل و الحوار بین الحکومة و المؤسسات الاجتماعیة المستقلة بحیث عندما تنمو و تتسع لا تشکل أی تهدید لمشروعیة و سلطة الحکومة.[1]
ففی المجتمع الدینی الذی یلتزم الناس فیه بالاوامر الدینیة تصبح المنظمات المدنیة ذات صبغة دینیة أیضاً و تلعب دوراً بارزاً فی بناء الشخصیة و الاتجاه الفکری لذلک المجتمع فکلما کان المجتمع متدیناً کان نفوذ تلک المنظمات الدینیة اکثر. و کلما کانت هذه المنظمات مستقلة عن الدولة اصبح اداءها اکثر تأثیراً فی بناء المجتمع. کذلک تؤثر المنظمات المدنیة الدینیة السابقة -الی حد ما- فی القوی الفکریة الحدیثة و التی تحمل افکاراً حدیثة.
ماهیة المنظمات المدنیة فی ایران:
تمتد جذور المنظمات المدنیة فی الوسط الایرانی الی عصور سحیقة و کانت تعمل بجد و نشاط و یعود سبب ذلک الی جذورها الدینیة و مستوی الوعی الشعبی فهی سابقة لسائر المنظمات و المنظمات الموجودة فی البلدان الاخری. و قد لعبت دوراً کبیراً فی مختلف الابعاد السیاسیة و الاجتماعیة و الثقافیة.
تعد المنظمات امثال منظمة فتوت ، عیاران، الخانقاه، المراکز الثقافیة، الهیئات الحسینة، المساجد، و حتی بعض النقابات المهنیة کالسوق، من المنظمات المدنیة الفعالة فی المجتمع الایرانی و لها علاقات مختلفة مع الحکومات و لم یکن تعامل الحکومات مع هذه المنظمات المدنیة الدینیة علی نحو ثابت و علی منوال واحد، بل کان متفاوتاً من وقت الی آخر بحیث قد یصل التعامل بشکل منسجم و متسامح فیه الی درجة عالیة بحیث یصل الی حد الدعم و التأیید و لکن فی أحیان اخری یکون الموقف علی الضد تماماً بحیث یشل نشاطها و تأثیرها.
و فی الواقع ان حریة عمل هذه المنظمات له علاقة مباشرة مع روح عملها و نشاطها فکلما کان هذا العمل یحمل طابعاً سیاسیاً فی ظاهره، یواجه بالمخالفه و العداء و کمثال علی ذلک جماعة اخوان الصفا فعندما اتصفت هذه الجماعة الفکریة و الفلسفیة بصبغة سیاسیة تعرضت للتهدید العنیف و القوی من قبل الحکومة آنذاک فی الوقت الذی کان الخانقاه تتحرک بشکل عادی تحت غطاء اصحاب النفوذ و لم تمس بشیء لانها لم تلعب دوراً سیاسیاً مهماً.
عملت هذه المنظمات علی تحدید و تثبت الرؤی و التصورات الفکریة فی اوساط المجتمع الایرانی فتارة تتجه اتجاهاً سیاسیاً[2]. و تارة اخری تعمل علی تزریق المجتمع بالامور الدینیة و الثقافة الاسلامیة و الاصول و القیم، مما جعل لهذه المسألة تأثیراً کبیراً فی تقویة بعض الاعتقادات و المناهج و الاعراف و التقالید الموجودة فی المجتمع الایرانی، و یمکن القول بان الفضل یعود للمنظمات و المؤسسات الدینیة فی غلبة البعد الدینی علی الشخصیة الفردیة للمواطن الایرانی فی المجتمع و بما ان المنظمات المدنیة فی ذلک الوقت لیس لها ای تمایز مع بقیة افراد المجتمع. فبالتالی کل من الحکومة و الناس و المنظمات الوسیطة بینها تشترک فی أن لها شخصیة و هویة واحدة و لعل عدم وجود النزاع بینهم یرجع الی هذا الامر.
ان من أهم خصائص المنظمات المدنیة فی ایران هی اتخاذ الشریعة کأساس لها و التعامل علی وفقها و علیه فان هذه المنظمات ما کانت تعمل بشکل مستقل و بارادتها قبل انتصار الثورة الاسلامیة تبعاً للظروف التی کانت تحیط بها لانها کانت تعمل کمعارض للحکومة و لکنها بعد انتصار الثورة الاسلامیة قد تطورت هذه المنظمات الی حد کبیر بحیث ادرکت مکانتها فی الوسط الاجتماعی. ان المنظمات الدینیة فی ایران کبقیة المنظمات الاخری سیاسیة الی حد ما حیث تلعب دوراً سیاساً بنحو تجلی ذلک النشاط السیاسی فی التعاون و الانسجام مع الحکومة و علیه فلم تقتصر فی تأثیرها علی الجانب الدینی و انما لها دور بارز فی الساحة السیاسیة أِیضاً.
من هنا نراها تعمل علی جوانب مختلفة و المثال علی ذلک حرکتها فی الجانب الاقتصادی کالوقف فهو منظمة دینیة مدنیة، أو فی الجانب العقائدی کالحوزة و المساجد فهی من المنظمات و الدوائر الدینیة و المدنیة المهمة، او فی الجانب الثقافی الدینی فهناک منظمات کالهیئات الحسینیة فانها من المنظمات التی لها تأثیر کبیر فی المجتمع. یظهر من خلال نظرتنا لاکثر، المنظمات الدینیة المدنیة فی ایران انها تشجع علی الجوانب الاخلاقیة و التعالیم و الاداب و المناهج الخاصة التی لها ارتباط وثیق مع ما یطمح الیه الفرد المتدین و الواعی. فهی فی الغالب تعود الی الدائرة الدینیة التعبدیة.[3]
المنظمات المدنیة بعد الثورة الاسلامیة
احدثت الثورة الاسلامیة تغییراً اساسیاً و جذریاً فی المجتمع الایرانی حیث بدأت القوی الاسلامیة التی تمتلک زمام السلطة السیاسیة بالسعی المتواصل لشرح و تبیین الحیاة الاجتماعیة و الثقافیة و العقائد و الرؤی السیاسیة و الاجتماعیة للناس و بالتالی استطاعت الحکومة بعد الثورة ان تمسک بیدها زمام الجانب الثقافی الی حد ما.
و علی هذا الاساس فان المنظمات المدنیة الدینیة فی ایران و التی کانت فی نزاع و تضاد مع الحکومات السابقة نراها الیوم بعد الثورة تعمل بکل مثابرة وجد لدعم النظام الاسلامی حیث اجری النظام تعدیلات و تغییرات مهمة علی صعید القواعد و اداء و اهداف المنظمات المدنیة الدینیة و قد ساعد ذلک فی ارساء قواعدها الی حد ما و حولها الی جزء ناشط و فاعل فی الجسد الکبیر للحکومة حیث صرحت انها تعمل لترسیخ القیم مع تسییر و تحقیق الاهداف الاسلامیة المقدسة فتقوم بخدمة الناس الاوفیاء للثورة.
بما ان هذه المنظمات کانت تعمل ضد النظام الحاکم قبل الثورة الاسلامیة فکان لها نفوذ کبیر بین الناس حیث عاشت حالة من الصراع معه علی کافة الاصعدة و لکن الامر بعد الثورة الاسلامیة قد تغیر فتبدلت حالة العداء الی حالة النصح و التسدید و النقد البناء. فظهرت منظمات شعبیة جدیدة التأسیس منسجمة و متحدة مع اهداف حکومة الجمهوریة الاسلامیة.
فالحکومة بعد انتصار الثورة الاسلامیة فی ایران لم تقف موقف العداء و المخاصمة مع هذه المنظمات کالمساجد و الهیئات الدینیة بل انها استطاعت ان توظفها لصالح اهدافها المشروعة و ثقافتها الخاصة التی تسعی لنشرها. فوضعت کل من الحوزات العلمیة و المسجاد و الحسینیات و الوقف و ... تحت حمایتها للتسعی اکثر من قبل الحکومة لخدمة الناس.
و علی ای حال فبعد الثورة الاسلامیة و بعد تصدی القیادة الدینیة لدفة امور الحکم السیاسی استطاعت الکثیر من المنظمات المدنیة الدینیة ان تستعید مکانتها الواقعیة و ترجع هذه المسألة الی سعی الحکومة للسیطرة علی المهام الثقافیة و الی اتحاد جمیع المنظمات و الدوائر المدنیة الدینیة مع الفکر السیاسی للحکومة. و ان هذا الموضوع شجع لان تنبثق هناک منظمات دینیة عدیدة مثل الجمیعة السیاسیة لائمة الجمعة و الجماعة.و مؤسسة الاشراف علی امور المساجد و المرکز الاسلامیة الکبیرة و المنظمات الاخری کممثلیة الولی الفقیة فی المراکز التعلیمة المختلفة کالجامعة و الجیش و غیرها من هذا القبیل. فحصل نوع من التکافل و التعاون و التعاضد الفکری بین هذه المنظمات الدینیة المدنیة کالهئیات الدینیة و المساجد و الحسینیات و بین الحکومة.
مع وجود هذه التطورات التی اشرنا الیها فی المنظمات الدینیة المدنیة حصل هناک تطور و تغییر آخر بین الطبقات للسلّم الاجتماعی و تلاحم بین المنظمات الدینیة المدنیة بعد الثورة الاسلامیة.[4]