Please Wait
6477
لیس معنى الوحدة الإسلامیة أن تصبح المذاهب مذهباً واحداً، و لا تعنی تحول الشیعة إلى سنة و السنة إلى شیعة. و إنما تعنی الاتحاد و التعاون بین المذاهب الإسلامیة المختلفة، فإن جمیع المسلمین على اختلاف مذاهبهم و اتجاهاتهم یمکنهم أن یکونوا صفاً واحداً أمام أعداء الإسلام انطلاقاً من المشترکات التی تربط بینهم، و بذلک یحولون بین الطامعین فی التسلط على المسلمین من الأعداء و الأجانب.
الوحدة الإسلامیة:
لیس معنى الوحدة الإسلامیة صیرورة المذاهب الإسلامیة مذهباً واحداً لأن مثل هذه الوحدة لا یمکن أن تکون، و لیس ما یتوخاه دعاة الوحدة تحقیق هذا الأمر المستحیل، فلیست الوحدة إغفال الاختلافات بحیث یصبح الشیعی سنیاً و السنی شیعیاً.
و إنما المقصود بالوحدة تکاتف المذاهب الإسلامیة و تعاونها مقابل الأعداء مع وجود الاختلافات فی الرؤى و المتبنیات.
و لذلک فمعنى الوحدة بین الشیعة و السنة هو: انه توجد بین المذهبین مشترکات کثیرة، و على الطرفین أن یتقاربا انطلاقاً من هذه المشترکات، و ذلک لأجل الحفاظ على الإسلام و التعاون باتجاه الخیر و الصلاح. لأن عدوهم مشترک، فأعداء الإسلام أعداء لکلا المذهبین، و من أجل قطع الطریق أمام الأعداء الذین یحاولون استغلال الاختلافات لتنفیذ مخططاتهم الهادفة إلى کید الإسلام و المسلمین، فلا بد من الاعتماد على المشترکات لتکوین جبهة إسلامیة موحدة قادرة على المقاومة و مکافحة الأعداء.
إن الشیعة و السنة کانوا على اختلاف فی وجهات النظر لعدة قرون خلت، و قد أدى هذا الاختلاف إلى إضعاف المسلمین، بل و تنازعهم من خلال إثارة الفتن و الاضطرابات فیما بینهم، و یمکن أن یقال إن هذا العامل المضعف لقوتهم کان من العوامل التی ساعدت على تسلط الأعداء الذین غزو بلاد المسلمین.
و الشیعة و السنة کلاهما مسلمین و لدیهم مشترکات على صعید العقائد و الأحکام و الأخلاق و... إضافة إلى مشترکات أخرى، و من الطبیعی أن تکون لدیهم اختلافات لا یمکن إنکارها، و لکن هذه الاختلافات لا ینبغی أن تؤدی إلى خصومات و عداوات تهدم أسس الاتحاد و قواعد الوئام و الائتلاف.
یقول العلامة شرف الدین: «إن السیاسة هی السبب فی اختلاف الشیعة و السنة و السیاسة ذاتها لا بد و أن تکون هی عامل الاتحاد بین الشیعة و السنة [1] . و معنى ذلک أن السیاسة الاستعماریة و دسائسها هی التی فرقت بین المسلمین و أبعدت بعضهم عن بعض، و علیه فالسیاسة الإسلامیة لا بد أن تشکل قاعدة لاتحاد المسلمین على اختلاف مذاهبهم.
الوحدة و المناظرات العلمیة:
و لیس معنى الوحدة إیقاف المناظرات و المناقشات العلمیة و البحث الموضوعی بین المذاهب. و مع الحفاظ على الوحدة من الممکن إجراء المناظرات العلمیة و الأبحاث الموضوعیة، و لکن شریطة أن تکون بکیفیة لا یستطیع معها الأعداء توظیفها و إساءة الاستفادة منها ــ و من الطبیعی أن أول خطوة على طریق الاتحاد هی إزالة العقبات و الموانع التی تمنع تحققه. إضافة إلى بث المعرفة الحقیقیة لدى الطرفین عن عقائد و متبنیات الطرف الآخر التی لا یمکن بیانها إلا من خلال الأبحاث بین العلماء و المتخصصین.
فالاتحاد لا یعنی سلب حریة البحث و التحقیق و طلب الحقیقة و نشدان العدالة. و إنما الاتحاة المطلوب هو المصاحب لهذه القیم المقدسة.
فلو أن هذه المناقشات و أجریت على أسسٍ علمیة صحیحة و هادئة [2] فإنها لا تکون سبباً للتفرقة و التباعد بین المسلمین، و لیس ذلک و حسب، و إنما تکون طریقاً و وسیلة للتقارب و الوحدة من خلال تعرف کل طرفٍ على آراء الآخر بشکل حقیقی موضوعی صحیح. و علیه فالمناظرات العلمیة لیست لا تفرق و حسب، و إنما هی وسیلة للتقارب و لم الشمل.
الوحدة فی الماضی:
بالرجوع إلى تاریخ الإسلام یمکننا أن نذکر الکثیر من الشواهد و المواقف الوحدویة و معطیاتها و ثمارها، و لا بد أن نعرض هذه المحطات کقدوة حسنة للمسلمین.
إن سیرة الإمام علی(ع) یمکن أن تکون خیر أسوة و قدوة للمسلمین على طریق تحقیق الأخوة و التضامن، لأنه یضحی بحقوقه من أجل الوحدة و حسب، و إنما أبدى التعاون و التضامن مع مخالفیه من أجل الحفاظ على وحدة المسلمین و عزة الإسلام.
إن الکثیر من کبار المذهبین السنی و الشیعی بذلوا المساعی الحثیثة من أجل تحقیق هذا الهدف؛ مثل: آیة الله البروجردی، الإمام الخمینی، العلامة شرف الدین، سید جمال الدین الأسد آبادی، الامام موسى الصدر، و من السنة الشیخ شلتوت و غیرهم ممن کان لهم یدٌ فی خلق تقارب و اتحاد بین الشیعة و السنة.
و فی مراجعة التاریخ یمکن إیراد الکثیر من الشواهد التی تعبر عن الوحدة بین الفریقین السنة و الشیعة. و على سبیل المثال کان الصاحب بن عباد من الشیعة، و فی نفس الوقت کان وزیراً فی زمن الحکم العباسی، و قد نصب القاضی عبد الجبار و هو سنی قاضٍ للقضاة فی ذلک الوقت.
إن أرضیة و قواعد الوحدة بین المسلمین کثیرة من الممکن الاعتماد علیها فی تحقیق هذا الأمر و إحراز القوة و المنعة للأمة الإسلامیة أمام الأخطار المحدقة بها، و من الأمثلة على ذلک، الله، القرآن، الرسول الأکرم(ص)، الإمام علی(ع)، المهدویة، حب أهل البیت(ع) الدفاع عن الشعب الفلسطینی، الصراع مع العدو الإسرائیلی و الأمریکی، کل هذه العناوین هی مشترکات و أسس یمکن أن تشاد على أساسها وحدة المسلمین.
[1] انظر: شرف الدین، عبد الحسین، الاجتهاد فی مقابل النص، ترجمة، دوانی، علی، المقدمة، الطبعة الثانیة، المکتبة الإسلامیة الکبرى، 1396 ق)