Please Wait
9067
و غیر المجردات أیضاً بعد التقسیمات المتکرّرة تصل فی النهایة الی المادة الأولیة المکوّنة للعالم و التی لا تقبل الانقسام. و لکن لیس هناک وحدة بینها أیضاً. حیث إنه لو جعلت هذه الأجزاء التی لا تقبل الانقسام الی جنب بعضها فإنه یتکوّن منها شیء آخر، أی إنها تقبل الترکیب، و أما ذلک الأحد القادر المتعال فهو لیس قابلاً للترکیب و لا یقبل التجزئة. فهو واحد لا یمکن أن یصیر اثنین أبداً و هو کلیّ لا یمکن أن یصیر جزءً. فهو "لم یلد و لم یولد". إذن فلیس هناک واحد متوحّد غیره "لا اله الا الله" فالتوحید مختص به و لا طریق لمخلوقه الی هذه الساحة.
لیس مراد العرفاء و الحکماء من وحدة الوجود، أن مجموع عالم الکون هو الله، لأن المجموع لیس له وجود و وحدة حقیقیة. و کذلک لیس المراد اتّحاد الله مع الموجودات لأن الاتحاد (بمعنی أن یتحوّل شیئان الی شیء واحد من دون أن تزول شیئیّتهما و اثنینیتهما) محال کما أنه لیس المراد منه التجافی من مقام و التلبّس بمقام آخر، بل المراد أن الوجود منحصر فی الذات الإلهیة المتعالیة، و أن ما سوی الله هو ظهور و تجلّ له، و ذلک إن الله الذی هو وجود محض أوجب شدة و کمال وجوده حب الظهور و التجلّی.
فإن ذات حضرة الحق هی عین العشق و الحب، و أحبّ الأشیاء عند حضرة الحق هو رؤیة ذاته عن طریق رؤیة شؤونها الذاتیة و الذی یعبّر عنه بـ "الاستجلاء" "أی ظهور ذات الحق له فی التعیّنات". و لا یحصل الاستجلاء التام الّا بظهوره فی کل شأن من الشؤون. و ببیان آخر إن المراد بوحدة الوجود هو أن الوجود فی عین کونه شخصیاً و لکن کثرة و تعدد و اختلاف الأنواع و آثارها محفوظ أیضاً، و ذلک مثل الإنسان نفسه الذی هو واحد شخصی لأن کل فرد هو شخص واحد لا أکثر، و لکنه فی الوقت ذاته متّحد مع قواه الشاملة للقوی الظاهریة و الباطنیة "الحواس و الهاضمة و النامیة و المولّدة" حیث إن النفس هی عین قواها، و القوی هی عین النفس. و بناء علی هذا فوحدة الوجود بهذا التفسیر الصحیح لا تتنافی مع التوسّع الدائمی لعالم الوجود، و لیست هی غیر منسجمة مع کثرة و تنوّع الموجودات.
لیس مراد العرفاء و الحکماء من وحدة الوجود، أن مجموع عالم الکون هو الله، لأن المجموع لیس له وجود و وحدة حقیقیة. و کذلک لیس المراد اتّحاد الله مع الموجودات لأن الاتحاد (بمعنی أن یتحوّل شیئان الی شیء واحد من دون أن تزول شیئیّتهما و اثنینتهما) محال کما أنه لیس المراد منه التجافی من مقام و التلبّس بمقام آخر، بل المراد أن الوجود منحصر فی الذات الإلهیة المتعالیة، و أن ما سوی الله هو ظهور و تجلّی له، و ذلک إن الله الذی هو وجود محض أوجب شدة و کمال وجوده حب الظهور و التجلّی.
فإن ذات حضرة الحق هی عین العشق و الحب، و أحبّ الأشیاء عند حضرة الحق هو رؤیة ذاته عن طریق رؤیة شؤونها الذاتیة و الذی یعبّر عنه بـ "الاستجلاء" "أی ظهور ذات الحق له فی التعیّنات". و لا یحصل الاستجلاء التام الّا بظهوره فی کل شأن من الشؤون. و ببیان آخر إن المراد بوحدة الوجود هو أن الوجود فی عین کونه شخصیاً و لکن کثرة و تعدد و اختلاف الأنواع و آثارها محفوظ أیضاً، و ذلک مثل الإنسان نفسه الذی هو واحد شخصی لأن کل فرد هو شخص واحد لا أکثر، و لکنه فی الوقت ذاته متّحد مع قواه الشاملة للقوی الظاهریة و الباطنیة "الحواس و الهاضمة و النامیة و المولّدة" حیث إن النفس هی عین قواها، و القوی هی عین النفس. و بناء علی هذا فوحدة الوجود بهذا التفسیر الصحیح لا تتنافی مع التوسّع الدائمی لعالم الوجود، و لیست هی غیر منسجمة مع کثرة الموجودات و تنوّعها.
و فی توضیح هذه الامور یجب الالتفات الی عدة ملاحظات:
الف: معنی الوحدة:
إن مفهوم الوحدة و معناها بدیهی عند الحکماء و لیست بحاجة الی تعریف، لأنهم یرون أن الوحدة مساوقة للوجود و تعریفها –کتعریف الوجود- لا یمکن الا بلزوم الدور أو تعریف الشیء بواسطة الشیء نفسه. [1]
ب: أقسام الواحد "الوحدة":
یقول الحکماء فی بیان أقسام الوحدة أو الواحد: الواحد إما أن یکون حقیقیاً أو غیر حقیقی، و الواحد الحقیقی یطلق علی الشیء الذی تکون الوحدة صفة لذاته و لا تکون هناک واسطة فی العروض فی اتصافه بالوحدة، مثل الإنسان الواحد.
و الواحد غیر الحقیقی هو الشیء الذی لا تکون الوحدة صفة لذاته بل یکون له واسطة فی العروض، مثل الإنسان و الفرس المتحدین فی الحیوانیة. [2]
و الواحد الحقیقی، هو إما الذاتی التی هی عین الوحدة، و هو ذلک الوجود الصرف الذی لیس له ثان، و الواحد و الوحدة هنا شیء واحد و یسمی بـ "الوحدة الحقّ".
أو هو الذات التی لیست هی عین الوحدة و لکنها متصفة بالوحدة مثل الإنسان الواحد، و یسمی بـ "الوحدة غیر الحقة". و الواحد بالوحدة غیر الحقة إما هو واحد بالخصوص أو واحد بالعموم، و الواحد بالخصوص هو الواحد بالعدد الذی یحصل العدد من تکراره، و الواحد بالعموم مثل النوع الواحد و الجنس الواحد. و الواحد بالخصوص إمّا أن لا ینقسم من حیث طبیعته المعروضة للوحدة أیضاً کما لا ینقسم من حیث صفة وحدته أو ینقسم، و الأول إما نفس مفهوم الوحدة و عدم الانقسام و إما غیره، و غیره أما غیر قابل للاشارة الوضعیة او قابل لها وغیر القابل إما متعلّق بالمادة بوجه کالنفس المتعلّقة بالمادة فی فعلها و إما غیر متعلّق بها أصلاً کالعقول المجردة، و الثانی و هو الذی یقبل الانقسام بحسب طبیعته المعروضة للوحدة إما إن یقبله بالذات کالمقدار الواحد و إما إن یقبله بالعرض کالجسم الطبیعی الواحد من جهة مقداره.
و الواحد بالعموم بمعن ى السعة الوجودیة کالوجو د المنبسط، إمّا واحد بالعموم المفهومی و الأول إما واحد نوعی کالإنسان و إما واحد جنسی کالحیوان و إما واحد عرضی کالماشی و الضاحک..
و الواحد غیر الحقیقی و هو ما اتصف بالوحدة بعرض غیره لاتّحاده به نوعاً من الاتّحاد کزید و عمرو المتّحدین فی الإنسان، و الإنسان و الفرس المتّحدین فی الحیوان. [3]
و من الضروری التذکیر بملاحظة و هی: إن الحکمة المتعالیة تری أن الوحدة الحقّة تنقسم أیضاً الی قسمین:1- الوحدة الحقة الحقیقیة 2- الوحدة الحقة الظلّیة. [4]
و هذا التقسیم هو للتفریق بین انتساب الوحدة الحقة الی الذات الإلهیة المتعالیة و بین انتسابها لغیر الله، أی أن الوحدة الحقة الحقیقیة تختص بالذات الربوبیّة لله تعالی، و تطلق الوحدة الحقة الظلیة علی غیر الله.
ج: الوحدة الحقة:
من الامور الأساسیة التی یبتنی علیها القول بوحدة الوجود هو مسألة الوحدة الحقّة أو نفس الوحدة فی الکثرة و الکثرة فی الوحدة. أی إنه ینبغی أن نری کیف یکون للشیء کثرة فی عین وحدته و وحدة فی عین کثرته و کیف یمکن لعقل الإنسان أن یتقبّل ذلک و لا یراه متناقضاً؟
إن من أفضل الطرق لتوضیح و قبول هذه المسألة (الجمع بین الوحدة فی الکثرة و الکثرة فی الوحدة) هی قاعدة بسیط الحقیقة. [5] و کما یقول الاستاذ العلامة حسن زادة الآملی فإن من عجائب هذه القاعدة هو أن یکون غایة اختلاف أحد الطرفین دلیلاً علی وجود الطرف المقابل لأن غایة البساطة و الوحدة تؤدی الی رجوعه الی الکل و الجمیع و هو غایة الکثرة. و أیضاً من عجائب هذه القاعدة هو أن بسیط الحقیقة فی عین کونه کل الأشیاء، لیس هو أیّا منها، و بالطبع فحیث إن کونه کل الأشیاء هو من جهة فعلیّة الأشیاء، و عدم کونه أیّاً منها هو بلحاظ نقصها و محدودیّتها فلا یلزم التناقض. [6]
و یقول الاستاذ فی بیان آخر فی توضیح الوحدة فی الکثرة: "یستفاد من الکلام الهادی لأهل الکشف و التحقیق بأن غایة کمال کل صفة یمکن أن یکون بعدم زوالها و فتورها بعروض المخالف بل تنتظم مع مقابلها فی سلک الالتئام و تقوی بذلک الجمع، و لهذا وقعت معانی متقابلة کثیرة فی الآیات القرآنیة و روایات السفراء الروحانیین فی عقود فرائد الأسماء و الصفات الإلهیة مثل: هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بکل شیء علیم، و مثل اللطیف و القهّار، و النافع و الضّار و القابض و الباسط و الخافض الرافع، الهادی و المضلّ و المعزّ و المذلّ، و هی من الأسماء الإلهیة الحسنی. و یطلق علی تلک الوحدة الحقة الحقیقیة "الوحدةالجمعیة"، و علی هذه الکثرة "الکثر النوریة" و هذه هی الکثرة التی قیل فیها: "کلما کانت أوفر کانت فی الوحدة أوغر". [7]
د: التجلّی و الظهور:
یبدو أن المفتاح الأساسی فی حل لغز نظریة وحدة الوجود ینبغی البحث عنه فی مسألة التجلی و الظهور. و مسألة التجلی و الظهور هی من المسائل المحوریة للعرفان و لها حضور فی جمیع المسائل العرفانیة و لها الدور الأساسی؛ حیث یمکن أن یقال إن فهمها الصحیح یعنی فهم أساس العرفان و إن باقی المسائل العرفانیة هی بمنزلة الآثار و النتائج لها [8] و لهذا فإن صدر المتألهین حینما أرجع العلیّة الی التشؤّن و التجلّی و الظهور أعلن أنه قد وصلت الفلسفة الی کمالها بهذا الاکتشاف الجدید. [9]
هـ: تبیین نظریة التجلی و الظهور:
کما ذکرنا فإن معرفة الوجود و الرؤیة الکونیة العرفانیة قائمة علی أساس نظام التجلّی و الظهور؛ و توضیح ذلک: إنه علی أساس علم العرفان فإن الوجود منحصر فی ذات الله المتعالیة و إن ما سوی الله هو انعکاس و ظهور و تجلی لها. و ذلک إن الله تعالی الذی هو وجود محض قد أوجب شدة و کمال وجوده العشق للظهور و التجلی، و ذات حضرة الحق هی عین العشق و الحب و أحبّ الأشیاء الی حضرة الحق هو مشاهدة ذاته عن طریق مشاهدة شؤون ذاته و الذی یعبّر عنه بالاستجلاء (أی ظهورات الحق لذاته فی التعیّنات)، و لا یحصل الاستجلاء التام الا بظهوره فی کل شأن من الشؤون. [10]
و یری العرفاء أن مرتبة الذات (قبل التجلّی) هی غیب الغیوب و هی فی الخفاء و الکمون المحض. [11] و أن أول تجلّی و مرتبة تعیّن هی تعین و تجلی الذات للذات، و یعبّر عنه بالوحدة الحقة الحقیقیة. و العارف یصل الی هذه الوحدة الحقیقیة عن طریق لحاظ الهویة الغیبیة من دون ملاحظة المعانی و القیود. و حیث إن هذه الوحدة لا تختلف کثیراً عن الغیب و الهویّة المطلقة أی إنها تقع فی حدود التعین و اللاتعیّن: [12]
أولاً: لا یطلق علیها بمرتبة و تعیّن، بل تسمی أحیاناً الهویة المطلقة.
و ثانیاً: حیث إنه لا شیء فی مقابلها، و هی شاملة لکل الأشیاء فإن لها ظهوراً فی الظاهر فی عین حضورها فی الباطن. فهی فی النتیجة لها صورتان باطن و ظاهر، و یطلق علی صورتها الباطنیة مرتبة الأحدیّة و التی هی عبارة عن أن حضرة الحق یشاهد ذاته فی الحالة التی تکون جامعة لجمیع الشؤون الإلهیة و لها کل الأسماء و الصفات الکمالیة و لکن من دون تعیّن و تفصیل بل علی هیئة بسیطة (رؤیة المفصل مجملاً). و أما الصورة الظاهرة للوحدة الحقیقیة فتسمی بمرتبة الواحدیة و هی مقام ظهور الأسماء و الصفات، أی إن الله یشاهد ذاته فی حال اتصافها بجمیع الأسماء و الصفات بصورة تفصیلیة (رؤیة المجمل مفصّلاً). و الواحدیّة هی مبدأ ظهور الکثرات. حیث إن الکثرات تتحقق أولاً بصورة علمیّة، أی أن لوازم الأسماء و الصفات و ماهیّات الأشیاء الخارجیة یکون لها ظهور وتحقق علمی، و حیث إنه لا توجد فی الظهور العلمی کثرة و تعدد المفیض و المستفیض، قالوا إن الظهور العلمی للأشیاء یتحقق بواسطة الفیض الأقدس، أی الأقدس من شوائب الکثرات، ثم یحصل التحقق العینی و الخارجی (للماهیّات و لوازم الأسماء و الصفات) و یسمی الظهور الخارجی و العینی للماهیات بالفیض المقدّس و یسمی الفیض المقدّس أیضاً بالفیض المنسبط و النفس الرحمانی و الروح المحمدی و أول ما خلق الله. و رغم أن الفیض المقدّس أمر واحد –و طبقاً لقاعدة الواحد فإنه یصدر من الواحد الحقیقی و هو مثل الله الذی هو فی نفس کونه أوّلاً هو آخر، و لا ثانی لله، فکذلک الفیض المقدّس لیس له ثان و ثالث أبداً، لأنه ظهور "و الأول و الآخر و الظاهر و الباطن"- و لکنه بلحاظ التعیّنات المترتبیة التی یتضمّنها ینقسم الی ثلاثة عوالم: "الأرواح و المثال و الأجسام". [13]
و علی أیة حال فإن العرفان یری أن ذات الله تعالی حیث إنها متصفة بالوحدة الحقیقیة و یعتبر الاطلاق الحقیقی لذات الحق من مسلّمات العرفان النظری و نتیجته حضور الحق فی جمیع الکثرات، و هذا الحضور لیس عرضیاً بل حضور وجودی و هو عین الکثرات، إذن فالحق بحکم اطلاقه حاضر فی موطن الکثرات أیضاً بحضور وجودی و لکن الحضور الوجودی المطلق بالاطلاق المقسمی لیس مشعراً ببطلان الکثرات.
و بعبارة اخری: إن العرفان النظری یطرح نظام التجلی من أجل تحلیل الکثرات فالکثرات فی هذا النظام تجلّیات و مظاهر للحق، و معنی التجلی هو الخروج من مقام الاطلاق و التلبس بالتقیّد و التعیّن. علماً بأن المطلق حینما یتنزّل من مقامه الاطلاقی الی مقام التقید فإنه یبقی هو ذلک المطلق المقسمی الذی صار مقیّداً، لا أن یکون المطلق و المقیّد فی مقابل بعضهما البعض، و یتصوّر أن بینهما تبانیاً مصداقیاً. و الذات فی مقمها الاطلاقی شاملة لجمیع التعیّنات، و لکن هذه الکثرات لیس لها فی مقام الذات صوراً تفصیلیة متقابلة. أی أن الذات لو کانت شاملة لإسم الهادی، فإنه لا یمکن إخراج إسم المضلّ مع التمسک بضدیّته (أو غیریته) لإسم الهادی من ذلک المقام، بل الذات بسبب اطلاقها الحقیقی شاملة لإسم الهادی و المضل، مع التأکید علی أنه فی مقام الذات التی لا یتصوّر فیها أی کثرة –بحکم إطلاقها- فإن الأسماء و الکثرات حاضرة بشکل مندمج و کامن و لیس بشکل تفصیلی متفرّق أو فی قبال بعضها البعض.
فحینما یصل هذا الکمون الی البروز و یتحوّل ذلک الاندماج الی تفصیل، فإنه یحصل التجلّی. و من هنا یکون لحقیقة واحدة مرحلة کمون و هی التی تتحّد مع باقی الحقائق بشکل اندماجی، و مرحلة بروز و هی التی تجعلها فی مقابل باقی الأسماء و الصفات.
و نذکّر بأن المطلق الحقیقی فی عین سریانه فی الکثرات فإنه فی مقام الذات فوق السریان، لأنه و کما تقدم لا یتصوّر له مقابل فی مقام الذات حتی یبحث عن سریانه أو عدم سریانه. و لکن نفس تلک الذات بالاطلاق المقسمی و المتّصف بأنها فوق السریان، حینما تتجلّی فی المقیّدات، فإن هویتها السریانیة تصیر بالفعل و هی نفسها إسم من أسماء الحق. [14]
النفس نموذج من الوحدة الحقة:
لتوضیح وحدة الوجود و نظام التجلّی و الظهور یمکن ذکر نماذج کثیرة و من أفضلها نفس الإنسان. فإنه علی أساس الحکمة المتعالیة فإن وحدة النفس هی من نوع "الوحدة الحقة الظلیّة" و علاقة النفس بالقوی هی من نوع العلاقة و الاضافة الاشراقیة، فالقوی تجلّیات و شؤون مختلفة للنفس الواحدة. و هذه الوحدة لیس فقط لا تتنافی مع الکثرة بل إنه کلّما کانت الوحدة أقوی فإنها تشمل کثرة أکبر، لأن الوجود کلّما کان أقوی، فکما أن وحدته و بساطته تکون أقوی فکذلک تکون جامعیّته أکمل و یتّحد مع کثرات أکثر.
ببیان آخر: کما أن الحرکة الاستکمالیّة للنفس توجب اتّحادها بالقوی و جامعیتها بتبع ذلک و کلما حصلت علی مراتب أعلی ازدادت وحدتها و جامعیّتها. [15]
یقول الحکیم السبزواری فی تعلیقته علی الأسفار: "لیس المقصود بوحدة النفس و القوی أن تکون النفس مجموع القوی، لأن المجموع لیس له وجود و وحدة حقیقیة، و کذا لیس المقصود اتّحاد النفس بالقوی لأن الاتحاد (بمعنی أن یتحوّل شیئان الی شیء واحد من دون أن تزول شیئیتهما و اثنینیتهما) محال. و کذلک لیس المراد منه التجافی من مقام و التلبّس بمقام آخر، بل المقصود هو أن النفس أصل محفوظ فی جمیع المراتب، و حین تتصف بالصفات السافلة فإنها لا تترک مقامها العالی، و حین تتخلّق بأخلاق المراتب العلیا لا تنتقل مصحویة بخواص نشأتها السافلة و المقصود أن لها وحدة حقة ظلیّة، و لا یتنافی انتزاع المفاهیم المختلفة من مراتبها الطولیة و العرضیة مع وحدتها. [16]
و یقول صدر المتألهین فی توضیح وحدة النفس و القوی: "إنّا نجد من أنفسنا أنّ لنا ذاتاً واحدة تعقل و تحس و تدرک و تعتریه الشهوة و الغضب و غیرهما من الانفعالات و نعلم أن الذی یدرک الکلیات منا هو بعینه یدرک الشخصیات و أن الذی یشتهی منا هو بعینه الذی یغضب و لا یکتفی فی هذه الجمعیة وحدة النسبة التألیفیة کالنسبة بین الملک و جنوده و صاحب البیت و أولاده و عبیده و إمائه. بل لابد من وحدة طبیعیة ذات شؤون عدیدة". [17]
و قد أوضح الحکیم آقا علی المدرس الزنوری صاحب بدائع الحکم فی تعلیقته علی الأسفار (وحدة النفس) بشکل جذّاب و کامل فقال: "وحدة النفس التی هی عین وجودها طور آخر من الوحدة و هی الوحدة الجمعیة الجامعة لنشآت من الوجود بنحو الکثرة فی الوحدة بوجه، و الوحدة فی الکثرة بوجه آخر لها وجود جمعی وحدانی بحسب أصل ذاتها و صورة صورها و وجود فرقی بحسب فروع أصلها توابع ذاتها التی هی عینها بوجه السریان و النزول، و هی فی وجودها النفسانی المأخوذ بوجه الاطلاق عن الجمع و الرفق جامعة لجمع وجودها و فرقه فمبدأ وجودها هو مرتبة من مراتبه المتقدمة علیها أولاً بالزمان المتأخّرة عنها أخیراً بالذات، و المتقدمات زماناً من مراتبها هی عین المتأخرات ذاتاً منها من حیث الذات و غیرها من جهة الحدود الصعودیة أولاً و النزولیة آخراً فتکون دانیة فی علوها عالیة فی دنوّها مقدسة فی تدنّسها متدنّسة فی تقدّسها مجرّدة مع تعلّقها متعلّقة مع تجرّدها داخله فی شعبها و فروعها التی هی منازل فعلها و مناهل لنورها لا کدخول شیء فی شیء و خارجة عنها لا کخروج شیء عن شیء، من عرف نفسه فقد عرف ربّه، فافهم ذلک و صنه عن الأغیار الأشرار المنکرین لأسرار التوحید الذی عبّر عنه أئمتنا علیهم آلاف التحیة و الثناء تارة بالأمر بین الأمرین، الجبر و التفویض و تارة بالمنزلة بین المنزلین: التشبیه و التنزیه و تارة بالخروج عن الحدّین: الابطال و التشبیه". [18]
المواضیع المرتبطة:
1- وحدة الوجود و سبب معارضة الفقهاء و المتکلّمین لها، السؤال 1031 (الموقع 1088) .
2- الشطحیات فی کلام العرفاء، السؤال 4640 (الموقع: ) .
[1] ملا صدرا، الأسفار، ج 2، ص 83؛ العلامة الطباطبائی(ره)، نهایة الحکمة، ص 138؛ رسالة الوحدة فی نظر العارف و الحکیم، فی مجموعة احدی عشرة رسالة، ص 27؛ آیة الله جوادی الآملی، الرحیق المختوم، ج 7، ص 25، مرکز الاسراء للنشر، قم، الطبعة الثانیة 1382 هـ ش.
[2] العلامة الطباطبائی، نهایة الحکمة، ص141؛ جوادی الآملی، الرحیق المختوم، ج 7، ص 27.
[3] العلامة الطباطبائی، نهایة الحکمة، ص 141.
[4] السبزواری، الملا هادی، شرح المنظومة، ج 5، ص 181، تصحیح و تعلیق آیة الله حسن زادة الآملی، منشورات ناب، الطبعة الاولی، طهران، 1422 ق.
[5] السبزواری، الملا هادی، شرح المنظومة، رسالة الوحدة فی نظر العارف و الحکیم، ص25و26 بتلخیص.
[6] نفس المصدر، ص 600.
[7] احدی عشرة رسالة فارسیة، رسالة الوحدة فی نظر العارف و الحکیم، ص 25 و 26 بتلخیص.
[8] لاحظ: رحیمیان، محمد حسن، التجلی و الظهور، ص 14، منشورات مکتب الاعلام، الطبعة الاولی، قم ، صیف 1376.
[9] ملا صدرا، الأسفار الأربعة، ج 2، ص 291 - 294.
[10] . اقتباس من کتاب احدی عشرة رسالة فارسیة، رسالة الوحدة فی نظر العارف و الحکیم، الاستاذ آیة الله حسن زادة الآملی، ص 30.
[11] . یظهر إنه لیس المقصود أن الذات لیس لها ظهور للذات، بل المراد أن الذات لیس لها غیرالظهور للذات، و (أن غیر ظهور الذات للذات) لا ظهور لها بالنسبة للمراتب الاخری، و الا فیجب أن لا یکون للذات انکشاف حتی للذات أیضاً فی تلک المرتبة، و الحال أن ظهور الذات للذات هو اقتضاء ذاتی للذات، و لهذا السبب (کون المقصود الخفاء بالنسبة لغیر الذات) لم تعتبر کثیر من الکلمات أن ظهور الذات للذات و الذی یعبّر عنه بالوحدة الحقة الحقیقیة أیضاً من مراتب التعیّن، و یعبّر عنه أحیاناً بالهویة المطلقة، لأنهم یرون الذات لازالت فی خفاء، و الشواهد کثیرة علی هذا الأمر 1- یقول سعید الدین الفرغانی، "مقتضی الذات هو أن تتعیّن نفسها فی نفسها مطلقاً –لا بشرط أو بشرط- و تتجلی بذاک التعیّن و تجد نفسها 2- یقول الاستاذ السید جلال الاشتیانی: نقل ابن حمزة الفناری عن منتهی العلامة (القیصری) قوله: "للوحدة الحقیقة التی هی عین التعیّن الأول التی انتشأت منها الأحدیّة و الواحدیة اعتباران: أحدهما سقوط الاعتبارات کلها و بها یسمی الذات أحداً و متعلقه بطون الذات و ازلیته و نسبته الی السلب احق" و یقول الاستاذ فی توضیحه:"حیث إن الاطلاق هنا لیس قیداً بل هو مشعر بنفی جمیع القیود التی منها قید الاطلاق، و لذا یعبّر عن هذا الاطلاق و المرتبة فی لسان المتأخرین من عرفاء إیران بالوجود اللابشرط المقسمی . نفس المصدر، ص 122.
أو المراد بحسب رؤیة العارف و بالتحلیل العقلی، أی أن العرفاء لتصحیح الترتیب الذی یرونه و لتسهیل تصویر المراتب یقولون، نحن ننظر لذات بغضّ النظر عن الظهور الذاتی للذات لأجل الذات.
[12] . جوادی الآملی، عبد الله، تحریر تمهید القواعد، ص 422.
[13] لاحظ: جوادی الآملی، عبد الله، تحریر تمهید القواعد، ص 195 - 209 و 419 – 428 و 470 - 484؛ حسن زادة الآملی، حسن ، الإنسان الکامل فی منظر نهج البلاغة، ص 106 ، 108 ، 109 ، 160،منشورات قیام، قم، الطبعة الاولی، 1372؛ رسائل القیصری مع تعلیقات الآشتیانی، ص 6 - 55، شرح نصوص الحکم للقیصری
[14] الفاضلی، السید أحمد، مقال: انتظام التجلی، مجلة فصلیة: بحوث فلسفیة و کلامیة، العدد 29، ص 163 - 166، مع تغییر و تلخیص.
[15] أن الوجود کلما کان أشد قوة و بساطة کان أکثر جمعاً للمعانی و أکثر آثاراً، الأسفار الأربعة، ج 9، ص 61-63.
[16] الأسفار الأربعة، ج 8، هامش ص 221.
[17] الأسفار الأربعة، ج 9، ص 61 - 63.
[18] الأسفار الأربعة، ج 8، هامش ص 2 و 3.