Please Wait
5937
إن بعض الخصائص النفسیة لمرحلة المراهقة هی عبارة عن: الشعور بالشخصیة، التغییرات الشدیدة و الملموسة علی صعید الروح و الجسم، الهیاج العاطفی، تطوّر الحالة الاجتماعیة، النموّ الأخلاقی، و بشکل عام فإن المراهق فی هذه المرحلة تکون له میول و رغبات متضادة، فإن لم تهذّب و تقوّم هذه المیول و الرغبات فلربما أدّت الی اضطرابات نفسیة و تصرّفات و سلوکیات غیر طبیعیة فی حیاته الاجتماعیة کالکآبة و العنف و المخاطرة والمجازفة و صعوبة مواصلة الدراسة و الخوف من المدرسة أو المنزل و غیر ذلک من النتائج السلبیة فالکآبة هی احدی اختلالات النفس و أمراضها و تحصل أحیاناً بسبب أزمة البلوغ، غیر أنها فی أغلب الأحیان یکون لها أسباب و علل اخری. و هکذا فإن لأزمة البلوغ عوارض سیئة اخری غیر الکآبة.
یمرّ الناشئة بمرحلة یطلق علیها: دور المراهقة، و بدایة هذه المرحلة هی ظاهرة البلوغ و تنتهی عند بدایة مرحلة الشباب. و مرحلة البلوغ هی من أعقد مراحل الحیاة المعاشة، کما و أنها فی الوقت ذاته من ألذّ أزمانها و أمتعها. و دورة المراهقة هذه لا تحسب من مرحلة الطفولة کما و لا تعتبر من مرحلة البلوغ التام، بل هی مرحلة برزخیة تتوسّط المرحلتین "الطفولة و البلوغ" و علیه فإن دور المراهقة یعدّ أول بدایة لقبول الإنسان تحمّل مسؤولیة أعماله و تصرفاته.
المراهقة و بلوغ ربیع الحیاة: إن بدایة التحوّل و التغییر علی صعید الجسم و الروح لدی الإنسان تعدّ ربیعاً له و ربیع کلّ شخص یمرّ مرة واحدة و لا یتکرّر أبداً، و إن تجربته معه تحصل مع بلوغه حالة التحولات الجسمیة و الروحیة معاً و فی هذه المرحلة یکون المراهق قد شهد نموّه و تکامله الجسمانی، و قواه البدنیة تتزامن فی تحوّلها مع عواطفه و أحاسیسه النفسیة.[1]
و لقد أهتمّ الإسلام بهذه المرحلة إهتماماً کبیراً، و ورد فی أحادیث المعصومین(ع) تحدیدها بالسبعة الثالثة من عمر المولود و هی سنّ الرابعة عشرة فما بعدها، فقد قَالَ النَّبِیُّ (ص): الْوَلَدُ سَیِّدٌ سَبْعَ سِنِینَ وَ عَبْدٌ سَبْعَ سِنِینَ وَ وَزِیرٌ سَبْعَ سِنِینَ.[2]
و قال أمیر المؤمنین علی (ع): ولدک ریحانتک سبعاً و خادمک سبعاً ثم هو عدوک أو صدیقک.[3]و من هنا علی الأولیاء و المربییّن لزوم الوعی الکامل لحقائق و خصوصیات و ظروف هذه المرحلة و التعرّف علی متطلّباتها الروحیة و النفسیة للمراهق و محاولة إزاحة مخاطرها باسلوب مناسب لیتسنّی له تجاوزها بأقلّ الاضرار المحتملة. فقد قال رسول الله(ص): "رَحِمَ اللَّهُ وَالِدَیْنِ أَعَانَا وَلَدَهُمَا عَلَى بِرِّهِمَا" [4]الخصوصیات النفسیة للمراهق فی مرحلة البلوغ هی:
1- الشعور بالشخصیة: فی هذه المرحلة یعثر المراهق علی هویته الفردیة و الاجتماعیة و یحاول بناء شخصیته الجدیدة من خلال تجربته التی تسبق تحولات البلوغ، و لأجل تمییز هویته و استقلالها فإنه یقوم بمخالفة الوالدین و معاکستهما و التمرّد علی فکر و سلطة و تدخّل الآخرین.[5]
یقول "دبس": "إن اثبات الشخصیة المستقلة فی هؤلاء الشباب أمر طبیعی، و کثیراً ما یبرز خلالها مخالفتهم للمحیط الاجتماعی الذی یعیشون فیه و بأنحاء مختلفة".[6] و علی أی حال فإن شعوره بالشخصیة المستقلة بالکامل إن لم یتحقق فی إدراکه و لم ینتبه له فإنه سیصاب بعقدة تشخیص الهویة تحت ضغط البلوغ و التحول الجسمی و الاجتماعی، فالنمو البدنی فی هذهالمرحلة یؤثر فی تصوّرات الذهن و ینعکس علی الهویة الحقیقیة لدی المراهقین.
2- و فی هذه المرحلة تحصل تغیّرات شدیدة و ملموسة علی صعید جسم و روح و جنس المراهق فیواجه مجموعة من التغیّرات المفاجئة و التی تنشأ من التضادّ الوضعی بین الجسم و الروح و لأجل ذلک یصاب بالقلق.
3- تطوّر الحالة الانفعالیة و العاطفیة، مع أن هذا التطوّر یکون ملحوظاً لدی الأبناء الذکور، و لکنه أکثر بروزاً فی دائرة الاناث المراهقات و ذلک من خلال المشاعر و العواطف المتنوعة و غیر المنظورة "مثل سرعة التألّم و القلق و الخوف و الخشیة و التحجّب و الحیاء و الخجل و الأفکار الخیالیة و الانزواء و الانطواء و حب الذات و التزیّن و حب الظهور، و الصداقة و الحب و الغضب و التمرد و الشغب و الاستقلالیة و ..." لأن هذه الصفات العاطفیة الهائجة قد تتضاد فیما بینها أحیاناً فتسبّب ظهور المفارقات الخلقیة.
4- النمو الاجتماعی: مرحلة المراهقة هی مرحلة التقلّبات و التصرّفات المثیرة فی البعد الاجتماعی و رغم أن المراهق یهتمّ برأی کبار السنّ، و لکنه یرجّح أفکار المماثلین له فی السن علی آراء کبار السن و هو یسعی أن یکون مقبولاً لدیهم و أن یکون له دور مؤثّر.
5- النمو الاخلاقی: و هذه المرحلة هی مرحلة نشوء و نمو الصفات الأخلاقیة و التی لها علاقة قویة مع النمو الاجتماعی هی ضروریة لاستدامة الحیاة السلیمة و الفاعلة. و عادةًما تکون الصفات الأخلاقیة المطلوبة مکتسبة، فیجب علی المراهق أن یجتهد فی اختیار و تحصیل هذه الصفات.
و بالالتفات الی ما تقدّم فإن للمراهق فی هذه المرحلة میولاً و رغبات متضادة؛ فمثلاً مع أننا نراه یرغب فی أن یکون مع أصدقائه، و لکنه مع ذلک یختلط فیه حب النفس مع حبّ الخیر للناس،[7] فهو متأرحج فی برزخ بین الطفولة و الرشد، و یمرّ بنوع من التزلزل العاطفی و النفسی و الفکری و الذی یعبّر عنه "بأزمة البلوغ"، و هذه الأزمة تجعل المراهق فی وضع مبهم و معقّد،[8] بحیث لا یعرف ماذا علیه أن یفعل، و نفس هذا الاضطراب یؤدّی الی خلق مشکلات کثیرة للمراهق یصاب علی أثره بنوع من الاختلال النفسی و السلوکی.
الاختلالات النفسیة و السلوکیة عند المراهق:
1- التصرّفات الطائشة الاجتماعیة من قبیل الاستبداد و مشاکسة الوالدین و المعلمین و الطبیب و عدم المشارکة فی المناسبات العائلیة، و الخصام مع الأخوات و الاخوة، و ضع العراقیل و الموانع فی طریق الدراسة و الحیاة العائلیة.
2- الکآبة و الانزواء و الانطواء علی الذات فی سنّ المراهقة هی امور طبیعیة إذا لم تتجاوز حدودها و لکنها إن تجاوزت الحدّ الطبیعی فیجب التنبّه لها باعتبارها اختلالاً نفسیاً.
و تطلق الکآبة علی الحالة الروحیة و النفسیة الخاصة التی تحصل لدی المراهق و التی من علائمها الغمّ و الهمّ و الضیق و الاضطراب و اختلال الترکیز، و الشعور بالکراهة لکل شیء و البکاء المتکرّر. و عدم الالتذاذ بملاذّ الحیاة و ... و یحصل ذلک للمراهق فی الاسبوع أکثر من ثلاث مرّات و یستمرّّ فی کل مرة أکثر من ثلاث ساعات. و یمکن القضاء علی الکآبة عن طریق العمل بالتعالیم الدینیة و استشارة الطبیب النفسی، و المعالجات المتنوعة بالأدویة و بدونها.[9].
3- العنف و الخشونة و المخاطرة و التی تشتدّ علی أثر استعمال المواد المخدّرة أو المهیجة و تؤدی الی عوارض مختلفة مثل الفقر و الانتحار و خصوصاً عند المراهقین الذکور.
4- المشاکل الدراسیة: إن الأزمات النفسیة أو البیئیّة هی الأرضیة لهذه المشاکل و من نماذج المشاکل الدراسیة: الخوف من المدرسة، الفرار من المدرسة و عدم التقدّم الدراسی.
5- الخوف من البیت: یعد الفرار من البیت علامة علی ضغط المحیط، و سوء التعامل و المشاکل النفسیّة للمراهق نفسه. فأن التعامل الصحیح مع المراهق و الحلّ الصحیح المناسب لمشاکله، یمنع من ظهور هده التصرفات.
6- إن الأمراض النفسیة الوخیمة مثل الپیکوز و الشیزوفرنیا هی من آثار الضغوط المتزایدة. فعادةًما یکون سایکوز (جنون) کبار السن مقارناً مع المرور بمرحلة من السایکوز فی سن المراهقة.[10]
و بناء علی هذا فالکآبة هی أحد الأمراض النفسیة التی تظهر أحیاناً بسبب أزمة البلوغ، و لکنها فی کثیر من الموارد تکون لها علّة اخری، و کذلک یمکن أن یکون لأزمة البلوغ عوارض سوء اخری غیر الکآبة، فیجب الاهتمام بها و معالجتها بالاسلوب الصحیح.
[1] القائمی، علی، طریقة ارشاد و تربیة المراهقین و الشباب، ص42 و 1030، الطبعة الخامسة، منشورات الامیری، طهران 1363.
[2] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 101، ص 95، موسسه الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[3] ابن ابى الحدید المعتزلى، شرح نهجالبلاغة، ج 20، ص 343، حدیث 937، منشورات مکتبة آیة الله المرعشى قم، 1404 هـ ق.
[4] الکلینی، الکافی، ج 6، ص 48، الطبعة الرابعة دار الکتب الإسلامیة، تهران، 1365 هـ ش.
[5] لأحمدی، أحمد، علم نفس المراهقین و الشباب، ج 4، ص 280، منشورات مشعل اصفهان، 1372 ش.
[6] موریس دبس، ماذا أعلم، البلوغ، ص 82 و 88، و لاحظ مقالة، فلسفی، محمد تقی، الشباب، ج1، ج 15، ص402 و 406، منشورات معارف طهران 1344 ش.
[7] الأحمدی، أحمد، علم نفس المراهقین و الشباب، ج 4، ص 280، منشورات مشعل اصفهان، 1372 ش.
[8] هریس لمز و آخرون، تعزیز کرامة الشباب، ص210، منشورات العتبة الرضویة المقدسة، مشهد 1380.
[9] انظر السؤال 5106 (الموقع 5396): أعراض الکآبة لدی المراهق و طریق علاجها
[10] ویبلاک خاص، مستشاری الشهید البهشتی.