Please Wait
6017
کیف یمکن أن تکون الملائکة عالمة بما سیحدث فی المستقبل قبل خلق الانسان، و انه یسقوم بالفساد علی الأرض، و لکنها تجهل الأسماء؟.
أ لیست الملائکة من المجرّدات و هم قد خلقوا فی غایة الکمال. فمن أین حصل نقص جهلهم بالأسماء. ثم أ لیس الملائکة مطیعین لأمر الله فکیف أجازوا لأنفسهم الاعتراض علی کلام الله؟. و کیف یعلّم الله آدم الأسماء فی موضع لا تحضره الملائکة، لکی لا یوقعه فی الخجل حین یسأل فی محضر الملائکة.
و حین یکون الله نفسه هو الذی علّم الأسماء للإنسان فکیف یجوز له أن یتباهی و یقول لهم: "أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُون"!، فلو انه تعالی قد علم الملائکة هذه الأسماء لتمکّنوا من الجواب أیضاً.
ان المجرّدات –و منها الملائکة- لها خصائص، و العلم بهذه الخصائص یمکنه أن یجیب عن کثیر من الأسئلة، و هذه الخصائص هی:
1- ان وجودها بالفعل، أی انها متکاملة فی کل مراتب وجودها، و ان کل ما یمکن لها من کمالات فهی واجدة له دفعة واحدة، و لیس فیها تکامل و استعداد.
2- حیث ان کل ملک هو مجرد عن المادة فهو عالم بالموجودات الاخری، و لکن ذلک بمقدار مرتبته الوجودیة، لا أکثر من ذلک و لا أقل. و بناء علی هذا فالملائکة عالمون بجمیع الموجودات التی هی أدنی منهم، و عالمون أیضاً بالموجودات التی هی أرفع منهم لکن بمقدار سعتهم الوجودیة.
3- ان لکل موجود مادی حقیقة مجردة أیضاً لها کمالات المادة و لیس فیها نقائص المادة و حدودها و الله سبحانه هو منتهی سلسلة جمیع الموجودات المادیة و المجردة، و هو غیر مادی و فوق التجرّد، و کلّما اتّجهنا نحو الله قلّت الحدود و ازدادت درجة الخلوص و تجرّد الوجود.
و بالالتفات الی هذه الامور ینبغی أن یقال:
أولاً: لا منافاة بین تجرّد الملائکة و علمهم بفساد الانسان و إجرامه، و بین عدم علمهم بالأسماء الإلهیة، فهم یعلمون بالامور التی هی فی حدّ وجودهم، لا أکثر من ذلک.
و ثانیاً: إن سؤال الملائکة هو إظهار للجهل و الفقر العلمی و هو خضوع أمام الموجود الأرفع و لم یکن بمعنی الاعتراض أو العصیان، فلا وجود للعصیان فی الملائکة أساساً بمعنی الانحطاط من مقامهم المعلوم.
و ثالثاً: لیس فی الله تعالی طریق لمعانی مثل الخجل و المباهات، فإن حقیقة کل الکمالات منه تعالی و أن کل ما یحصل علیه کل موجود من الکمال فهو منه، و لا معنی لمباهاة الله للملائکة أو الخجل أمام الملائکة، بالمعنی الذی یصدق علی البشر.
و رابعاً: حیث ان للملائکة مقاماً معلوماً. فإن کل ما لدیهم هو الفعل، فهم خالون من الاستعداد و لیس فیهم إمکان التغییر و التحوّل، و عدم التعلیم هو بسبب انعدام المقتضی، فلیس فی الملائکة احتمال لمثل هذا المقام، و لکن الإنسان و بالرغم من کونه محدوداً من الناحیة الفعلیة و لکنه غیر محدود من ناحیة القابلیة، فلذلک کانت له القدرة علی تلقی العلوم التی لم تکن الملائکة تحتملها.
فی هذا السؤال فروع متعددة هی:
1- کیف یجتمع علم الملائکة بفساد الانسان و جنایته مع عدم علمهم بالأسماء الإلهیة؟
2- کیف یجتمع کمال خلقة الملائکة مع نقص الجهل بالأسماء؟
3- هل أن الملائکة اعترضوا علی الله و عصوا أمره؟
4- هل هناک موضع یمکن أن یخفی علی الملائکة و هو الموضع الذی علم الله فیه أدم الأسماء؟
5- هل کان من الممکن ألّا یجیب آدم عن السؤال عن الأسماء و حینذاک یشعر الله بالخجل أمام الملائکة؟
6- هل کان من المناسب أن یباهی الله بآدم مع أنه هو الذی کان قد علّمه الأسماء؟
7- هل کان یمکن للملائکة أن یتعلّموا الأسماء فیما لو کان الله قد علّمهم ایاها؟
8- لماذا لم یعلّم الله الأسماء للملائکة؟
و للإجابة عن جمیع هذه الأسئلة ینبغی الالتفات الی أن الانسان یعیش فی عالم مادّی و فی زمان و مکان محدود، و یخالط موجودات مادیة ذوات أبعاد ثلاثة و أعراض تسعة و لهذا السبب یکون ذهنه ممتزجاً و مأنوساً بالمفاهیم المادیة، بحیث ان کل معنی یعرض علیه فإنه یصبّه فی قالب المادّیات و الزمان و المکان و یتصوّره فی دائرة الزمان و المکان، و الحال أن کثیراً من موجودات عالم الوجود لا تتکیّف فی هذه القوالب فهی فوق الزمان و المکان، و من تلک الموجودات الملائکة أو العقول، و هذه الموجودات هی من المجردات فلیس لها حرکة و لا زمان و لا بعد و لا مکان و لا استعداد و لا أی من خصائص الموجودات المادیة من قبیل اللون و الرائحة و الفعل و الانفعال و الطعم و الکیفیة و الکمیّة و ... و فی الوقت نفسه وجودها محدود و إن کانت فی شدّة الوجود أکثر من الموجودات المادیة، و بالطبع فإن للملائکة مراتب أیضاً فیما بینها و کل موجود منها له رتبته الوجودیة.
و المجردات –لشدّة وجودها- هی أسباب لهذا العالم المادی، و ربما یصعب علینا إدراک هذا الأمر ابتداءً و لکننا حین نتأمل الأمر بعقلنا، فلا نری أیّ إشکال فی وجود مثل هکذا موجودات، بل إذا درسنا الموضوع بالدقة الفلسفیة نری من الضروری وجود مثل هذه الموجودات.
فالمجردات و منها الملائکة لها مجموعة من الخصوصیات، التی تسهل معرفتها الاجابة عن کثیر من هذه الأسئلة، و هذه الخصائص هی:
1- ان وجودها بالفعل أی أنها متکاملة فی کل مراتب وجودها. و ان کل ما یمکن لها من کمالات فهی واجدة له دفعة واحدة. و لیس فیها استعداد لکی تتمکّن من مجاوزة حدّها. و قد اشارت الآیة الکریمة الی هذه الحقیقة فقالت: "و ما منا الا له مقام معلوم".[1]
2- حیث ان کل ملک مجرد من المادة و لیس فیه حجاب المادة (المانع من العلم)، فهو عالم ببقیة موجودات العالم، و بالطبع فإن ذلک بمقدار مرتبته الوجودیة لا أکثر من ذلک و لا أقلّ، و بناء علی هذا فالملائکة عالمون بجمیع الموجودات التی هی أدنی منها، و هی عالمة بالموجودات الأرفع منها علی حدّ سعتها الوجودیة.[2]
3- قد ثبت فی محله ان لکل موجود مادی حقیقة مجردة و غیر مادیة[3] فیها کمالات المادة و لیس فیها نقائص المادّة و حدودها، و ان الله تعالی هو رأس السلسلة لجمیع الموجودات المادیة و المجردة و انه غیر مادی و فوق التجرّد و انه کلّما اتّجهنا نحو الله تقلّ الحدود و تزداد درجة الخلوص و تجرّد الوجود.
و بالالتفات الی هذه المقدمة نتعرّض الی الاجابة عن الاسئلة:
الجواب الأول: علم الملائکة فوق الزمان، و الحدّ الوحید الذی یحدها هو حدّ المرتبة، بمعنی انهم یعلمون الأشیاء التی فی حدّ وجودهم لا أکثر من ذلک. و علی هذا فالعلم بکون الانسان، سفّاکاً للدماء، علم بالمرتبة النازلة من الانسان، و المرتبة النازلة فی الانسان هی أنزل من مقام الملائکة و الملائکة عالمة بما هو دون مرتبتها، و لکن علمهم بالأسماء الإلهیة هو علم بالمرتبة الاعلی من مقام الملائکة و هو ما لم تحصل علیه الملائکة و حصل علیه الإنسان، و من هنا یمکن أن نستنتج ان الانسان موجود واجد للمرتبة النازلة عن مرتبة الملائکة و یمکنه أیضاً أن یحصل علی مرتبة أعلی من مرتبة الملائکة بحیث تعجز الملائکة عن الوصول لتلک المرتبة من الکمال.
الجواب الثانی:
ان کل موجودات العلم هی بالنسبة الی المرتبة العالیة ناقصة و بالنسبة الی المرتبة الدانیة أکمل، و هذا هو معنی "وَ ما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُوم".
أی انها واجدة لحدّها الوجودی و فاقدة لباقی المراتب، و بناء علی هذا فالکمال و النقص فی جمیع موجودات عالم الإمکان قابل للإجتماع، و لیست الملائکة مستثناة من هذه القاعدة، إذن فلا یمکن القول بأنهم کانوا عالمین بهذا و لم یکونوا عالمین بذاک، و ذلک لأن کل موجود یتحدّد علمه بدائرة قدرته و لا یمکن ان یطلب منه أکثر من حد قدرته.
الجواب الثالث:
ان سؤال الملائکة هو اظهار للجهل و الفقر العلمیّ، و هذا خضوع أمام الموجود الأرفع و هو لیس بمعنی الاعتراض او العصیان، و العصیان بمعنی الانحطاط عن المقام المعلوم لیس ممکناً فی الملائکة أساساً، و انما هو ممکن للشیطان فقط الذی هو من الجن و له اختیار، و لذلک لم یعاقب الملائکة من قبل الله تعالی بخلاف الشیطان الذی تمرّد و عصی فانه قد عذب من قبل الله تعالی، فلو کان کلام الملائکة عصیاناً لوجب ان یقعوا مورداً للذمّ و العقاب.
الجواب الرابع:
ینبغی أن یقال فی جواب هذا السؤال: نعم أن لکل ملک من الملائکة علماً بحسب مقداره و مرتبته فقط و ان مقامهم معلوم و لیس لهم علم فوق مقامهم، و لیس ذلک أمراً ممکناً فحسب بل ان الملائکة أنفسهم قد اعترفوا بأن علمهم هو بمقدار الافاضة الإلهیة و لیس أکثر، و أن الأسماء الإلهیة کانت محجوبة عن علم الملائکة و اطّلاعهم.
الجواب الخامس و السادس:
لیس هناک معنی للخجل و المباهاة بالنسبة لله تعالی الذی هو مصدر جمیع الکمالات، فکل ما یحصل علیه الموجود من کمالات فإنما هی منه، و الخجل و المباهاة للملائکة -بالمعنی الذی یصدق علی الناس- لا معنی له فی حق الله تعالی.
الجواب السابع و الثامن:
یقول العلامة الطباطبائی فی هذا الصدد: "انه سبحانه لم ینف عن خلیفة الأرض الفساد و سفک الدماء و لا کذب الملائکة فی دعواهم التسبیح و التقدیس، و قرّرهم علی ما ادّعوا، بل إنما أبدی شیئاً آخر و هو ان هناک أمراً لا یقدر الملائکة علی حمله و لا تتحمّله، و یتحمّله هذا الخلیفة الأرضی، فإنه یحکی عن الله أمراً و یتحمل منه سراً لیس فی وسع الملائکة، و لا محالة یتدارک بذلک أمر الفساد و سفک الدماء.
و قد بدّل سبحانه قوله قال "إنی أعلم ما لا تعلمون" ثانیاً بقوله: "ألم اقل لکم إنی أعلم غیب السماوات و الأرض"، و المراد بهذا الغیب هو الأسماء لا علم آدم بها فإن الملائکة ما کانت تعلم أن هناک أسماء لا یعلمونها لا أنهم کانوا یعلمون بوجود أسماء کذلک و یجهلون من آدم أنه یعلمها، و الّا لما کان لسؤاله تعالی ایّاهم عن الأسماء وجه و هو ظاهر، بل کان حق المقام أن یقتصر بقوله قال یا آدم أنبئهم بأسمائهم حتی یتبیّن لهم أن آدم یعلمها لا أن یسأل الملائکة عن ذلک، فإن هذا السیاق یعطی إنهم ادعوا الخلافة و اذعنوا بانتفائها عن آدم و کان اللازم أن یعلم الخلیفة بالأسماء فسألهم عن الأسماء فجهلوها و علمها آدم فثبت بذلک لیاقته لها و انتفاؤها عنهم.
و قد ذیّل سبحانه السؤال بقوله "إن کنتم صادقین"، و هو مشعر بأنهم کانوا ادعوا شیئاً کان لازمه العلم بالأسماء.[4]
و قد اتّضح بما تقدم انه حیث، ان الملائکة لها مقام معلوم و ان کل ما لها فهو لها بالفعل، و انها خالیة من الاستعداد، فلیس فیها امکان للتغییر و التحوّل، و لیس ذلک بسبب المنع الإلهی لیکون متنافیاً مع وجوده و کرمه.
أی ان الحصول علی جمیع المراتب ملازم مع الحضور فی العالم المادی، و لیس لذلک طریق آخر، و ان عدم التعلیم کان بسبب انعدام المقتضی، فلم تکن الملائکة تحتمل مثل هذا المقام، و لکن الانسان و رغم کونه محدوداً من ناحیة الفعلیة و لکنه غیر محدود من ناحیة القابلیة و الاستعداد، فلذلک کانت له القدرة علی الحصول علی علوم لم تکن الملائکة قادرة علی احتمالها.