Please Wait
7023
أحد المعالم الواضحة فی مکة هو مقام إبراهیم، لأنه المقام الذی وقف علیه إبراهیم (ع).
و قد وقع الاختلاف فی تفسیر معنى "مقام إبراهیم" فذهب البعض الى کون جمیع أعمال الحج مقام إبراهیم (ع). و یعتقد آخرون أن مقام إبراهیم هو "عرفة" و "المشعر الحرام" و "الجمرات الثلاث". و ذهب طائفة ثالثة إلى أن کل حرم مکة هو مقام إبراهیم. ولکن انطالقاً من الأدلة الموجودة و حسب ظاهر الآیة الکریمة یبدو أن المقصود منه هو مقام إبراهیم المعروف، و هو تلک النقطة التی فی جوار الکعبة و فیها الحجر الذی علیه أثر قدم إبراهیم و یصلی الحجاج صلاة الطواف خلفها بعد إکمال طوافهم.
و قد ورد أن النبی إبراهیم و إسماعیل (ع) کانا یبنیان الکعبة فاستمرّا إلى أن قصرت ید إبراهیم عن الوصول الى أعلى الکعبة فوضع حجراً تحت رجلیه و أثّر ثقله و قوته على الحجر و بقى أثر رجله علیه. و ورد أنه عندما ذهب إبراهیم لزیارة إسماعیل، قالت له زوجه: وطئ رأسک لأغسله و أنظف غباره. فقدّم إبراهیم رجله الیمنى و وضعها على حجر و بقی أثر رجله على ذلک الحجر. و من الواضح أن هذه القضیة کیفما حدثت فهی إحدى معاجز إبراهیم، و بهذا سیزول الاستبعاد و الاستغراب من هذه الحادثة.
یشاهد الإنسان فی مکة و أطراف المسجد الحرام معالم واضحة من عبادة الله و التوحید و المعنویات، و دوام هذه المعالم وبقاؤها على مرّ التاریخ مع کل تحدیات الأعداء الأقویاء الذین همّوا لهدمها، یعد من المعاجز قطعاً. لقد بقیت آثار من إبراهیم (ع) مثل زمزم و الصفا و المروة و الرکن و الحطیم و الحجر الأسود و حجر إسماعیل التی کل واحد منها تاریخ مجسم للقرون و العصور السالفة.
و من هذه المعالم الواضحة مقام إبراهیم. المقام هو محل القدمین[1] و قد سمی بمقام إبراهیم لأنه قد وقف علیه لبناء الکعبة أو لأداء مناسک الحج أو فی سبیل دعوة الناس لأداء هذه المناسک العظیمة.[2]
لم تتفق الآراء فی تفسیر مفهوم "مقام إبراهیم" بل تعددت و اختلفت الآراء فی ذلک و نحن نشیر إلى بعضها:
أ: یعتقد البعض أن جمیع أعمال "الحج" من أوله إلى آخره هو مقام إبراهیم.
ب: و یعتقد البعض الآخر أن مقام إبراهیم لیس جمیع الحج، بل إنما هو بعض أعمال الحج مثل العرفة و المشعر الحرام و الجمرات الثلاث.
ج: و یعتقد البعض أن جمیع الحرم فی مکة یعد مقام إبراهیم.
د: مع أن جمیع الموارد التی ذکرت تجسد لنا جهاد إبراهیم و تضحیاته (ع)، لکن على أساس الأدلة التی سوف نطرحها و ظاهر الآیة الکریمة یبدو أن المقصود، هو مقام إبراهیم المعروف و هو تلک النقطة التی فی جوار الکعبة و فیها الحجر الذی علیه أثر قدم إبراهیم و یصلی الحجاج بقربها صلاة الطواف بعد إکمالهم طوافهم.[3]
لقد وردت فی الکتب المعتبرة روایات عن الأئمة المعصومین (ع) تشیر إلى هذا القول وهنا نستعرض بعضها:
لقد جاء فی الکافی عن الإمام الصادق (ع) أنه سئل عن تفسیر قوله تعالى "فیه آیات بینات" ما هذه الآیات البینات فقال: مَقَامُ إِبْرَاهِیمَ حَیْثُ قَامَ عَلَى الْحَجَرِ فَأَثَّرَتْ فِیهِ قَدَمَاهُ وَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَ مَنْزِلُ إِسْمَاعِیلَ (ع).[4]
و عن إبراهیم التیمی قال: کنت بالبیت الحرام فاعتمد علی أبو عبد الله (ع) فقال: "ألا أخبرک یا إبراهیم ما لک فی طوافک هذا؟! قال: قلت: بلى، جعلت فداک. قال (ع): من جاء إلى هذا البیت عارفا بحقه فطاف به أسبوعا و صلى رکعتین فی مقام إبراهیم کتب الله له عشرة آلاف حسنة و رفع له عشرة آلاف درجة..."[5]
فمن خلال التأمل فی هاتین الروایتین نجد أن "مقام إبراهیم" هو نفس المقام المعروف الذی یقف خلفه الحجاج و یصلون رکعتین عنده.
و قد استدل الفخر الرازی على هذا القول بأدلة نشیر إلى بعضها:
الأول: روی أنه عندما أکمل جابر طوافه أتجه إلى المقام و تلا الآیة الشریفة "و اتخذوا من مقام إبراهیم مصلى" فهذا یدل على أن مقام إبراهیم هو هذا المقام المعروف. [6]
الثانی: یختص هذا الاسم لدى العرف بهذا المکان، و الدلیل هو إذا سأل أحد أهل مکة عن مقام إبراهیم، سیهدوه إلى هذا المکان.
الثالث: من أوضح الدلائل على وحدانیة الله و معجزة إبراهیم (ع) هو دخول قدم إبراهیم فی الحجر. فعلى هذا الأساس إن خصصنا هذا الحجر لإبراهیم و اعتبرناه مقام إبراهیم أفضل من أن نجعل مقاما آخرا لإبراهیم.
الرابع: یقول الله سبحانه: "و اتخذوا من مقام إبراهیم مصلى" و لم یتعلق مکان خاص من الحرم سوى هذا المکان للعبادة، إذن یجب أن نعتبر مقام إبراهیم هذا المکان نفسه.
الخامس: إن مقام إبراهیم محل قیامه و قد ثبت عن طریق الروایات أنه (ع) وقف على هذا الحجر حین غسل رجله، و لم یثبت قیامه على موضع آخر.[7]
إذن مقام إبراهیم هو الحجر الذی علیه أثر رجل إبراهیم (ع). و قد استفاض النقل بأن الحجر مدفون فی المکان الذی یدعى الیوم بمقام إبراهیم على حافة المطاف حیال الملتزم. [8]
[1] ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 498.
[2] مکارم شیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج2، ص 607، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب، قم 1421، مع تصرف قلیل.
[3] الرازی، ابو عبد الله فخرالدین محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج4، ص 44، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1420 ق، الطبعة الثالثة؛ مکارم شیرازی، ناصر، الأمثل، ج1، ص 378، مع إضافات و تغییر.
[4] الکلینی، الکافی، ج 4، ص 223، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[5] الحلی، ابن فهد، عدة الداعی، ص 192، دار الکتاب الإسلامی، 1407 هـ ق.
[6] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 21، 403، مؤسسه الوفاء، بیروت- لبنان، 1404 هـ ق ؛ صحیح مسلم( حج حدیث 147) نقلا عن ابن کثیر الدمشقی، اسماعیل بن عمرو، تفسیر القرآن العظیم، ج1، ص: 293، دار الکتب العلمیة، منشورات محمدعلى بیضون، بیروت، 1419 ق.
[7] الرازی، ابو عبد الله فخرالدین محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج4، ص 44.
[8] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج3، ص353، نشر جماعة المدرسین، قم، 1417ق.