بحث متقدم
الزيارة
9523
محدثة عن: 2008/04/14
خلاصة السؤال
لماذا یحق للرجال التزوج من عدة نساء و یحرم على المرأة التزوج بأکثر من رجل؟
السؤال
لماذا یحق للرجال التزوج من عدة نساء و یحرم على المرأة التزوج بأکثر من رجل؟
الجواب الإجمالي

کانت مسألة تعدد الزوجات و بشکل غیر محدود من الأمور غیر منضبطة قبل الإسلام و قد جاء الإسلام لیرسم لها حدوداً و یضعها ضمن الاطر التی تقتضیها حیاة الإنسان و یضع لها قیوداً و شروطاً کثیرة أیضاً، فقد شُرّعت قوانین الإسلام لتلبی الإحتیاجات الواقعیة للإنسان آخذة المصلحة العامة للمجتمع بنظر الإعتبار، حیث لا یمکننا إنکار الواقعیات الموجودة ادناه فی المجتمع البشری:

1. یکون الرجال أکثر عرضة للخطر من النساء فی الحوادث المختلفة التی تحصل فی الحیاة، کما یشکل الرجال أکثر الضحایا فی الحروب و الحوادث الأخرى.

2. وجود الغریزة الجنسیة لفترة أطول عند الرجال منها فی النساء.

3. تکون هنالک ممانعة عملیة للنساء من التقارب الجنسی عند فترة العادة الشهریة أو مرحلة معینة من مراحل الحمل. و الحال ان هذه الحالة لا توجد عند الرجال.

4. توجد هنالک العدید من النساء یترّملن و یفقدن أزواجهن لأسباب مختلفة، فی هذه الحالة إذا لم یکن هنالک مجال لتعدد الزوجات تبقى هذه الأرامل بلا أزواج مدى الحیاة.

إن العوامل المذکورة أعلاه تؤدی الى إیجاد خلل فی حالة التوازن بین الرجال و النساء، و للحفاظ على سلامة المجتمع و أفراده لا یسعنا إلا أن نختار أحد الطرق الثلاثة التالیة:

أ. یکتفی الرجال بزوجة واحدة فی جمیع الأحوال، و تبقى النساء الأرامل بدون أزواج و علیهنَّ أن یکبحن جمیع احتیاجاتهن الفطریة الجنسیة و العاطفیة الى آخر العمر.

ب. عدم السماح للرجال بالزواج بشکل قانونی إلا من إمرأة واحدة، و لکن یسعى لتشکیل علاقات جنسیة و عاطفیة غیر مقیّدة و غیر مشروعة مع النساء اللاتی فقدن أزواجهنَّ.

ج. إن الأشخاص الذین لهم القدرة على الزواج بأکثر من إمرأة، و لا یسبب لهم ذلک أی مشاکل من الناحیة البدنیة و الإقتصادیة و الأخلاقیة و لهم القدرة و القابلیة على تطبیق العدالة الکاملة بین جمیع الزوجات و الأولاد. فی هذه الحالة یسمح لمثل هؤلاء الأشخاص فقط الزواج بأکثر من إمرأة.

و قد وقع إختیار الإسلام على الطریق الثالث من هذه الطرق الثلاث. و إذا کان الإسلام یمنع و یحرّم تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة فهو بسبب:

أولاً: تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة مخالف للطبیعة و لا یتناسب مع الجانب المعنوی للإنسان.

ثانیاً: إن هذا الأمر یشکل خطراً من الناحیة الصحیة و یشکل أیضاً تهدیداً لنسل الإنسان.

ثالثاً: فی هذه الحالة سوف تختفی الأنساب و... .

الجواب التفصيلي

بتدقیق و متابعة الأجواء التی کانت سائدة قبل الإسلام نتوصل الى نتیجة مؤداها أن تعدد الزوجات و بشکل غیر منضبطة کان سائداً قبل الإسلام و لم یکن هذا الأمر من الأمور التی جاء بها الإسلام بل على العکس حیث نرى إن الإسلام قد وضع قیوداً و شروطاً کثیرة على تعدد الزوجات، حیث انه أجازها ضمن قیود و شروط محددة. لقد شُرّعت القوانین الإسلامیة على أساس الإحتیاجات الحقیقیة و الواقعیة للبشر، و عندما نأخذ المصلحة العامة للمجتمع بنظر الإعتبار و نبتعد عن میولانا العاطفیة تتضح لنا الغایة و الفلسفة من تعدد الزوجات.

لا یستطیع أی شخص ان ینکر حقیقة واقعیة و هی إن الرجال أکثر عرضة من النساء لخطر الموت فی الحوادث المختلفة و فی الحروب حیث یشکل الرجال أکبر نسبة من الضحایا بالنسبة لباقی البشر.

و کذلک لا نستطیع إنکار إن الغریزة الجنسیة لاکثر الرجال تکون موجودة لفترة أطول مما فی النساء، حیث تفقد اکثر النساء استعدادهنَّ الجنسی عند مرحلة معینة من العمر، و لا تکون هذه الحالة موجودة عند الرجال. کما تکون هنالک ممانعة عملیة للنساء من التقارب الجنسی فی فترة العادة الشهریة أو مرحلة معینة من مراحل الحمل، و الحال ان هذه الممانعة غیر موجودة لدى الرجال.

بغض النظر عن کل ذلک، فانه یوجد هنالک نساء - و نتیجة لأسباب مختلفة و عدیدة - یفقدنَّ أزواجهن و یترّملن، و فی حال عدم وجود تشریع یجوّز تعدد الزوجات فیجب علیهن فی هذه الحالة البقاء بدون أزواج الى آخر العمر.

بأخذ هذه الأمور الواقعیة فی هذه الموارد بنظر الإعتبار (والذی یختل فیه التوازن بین نسبة الرجال و النساء) فلابد لنا أن نختار أحد الحلول الثلاثة التالیة:

أ. أن یکتفی الرجال بزوجة واحدة فی جمیع الأحوال، و تبقى النساء الأرامل بدون أزواج و على هذا الأساس یجب علیهنَّ کبح جمیع إحتیاجتهن الفطریة الجنسیة و العاطفیة الى آخر العمر.

ب. ان لا یُسمح للرجال الزواج بشکل قانونی بأکثر من إمرأة، و لکن یقوم الرجال بتشکیل علاقات جنسیة و عاطفیة سریة و غیرمشروعة مع النساء اللاتی لیس لدیهن أزواج.

ج. إن الأشخاص الذین لهم القدرة على الزواج بأکثر من إمرأة و لا یسبب لهم ذلک أی مشاکل من الناحیة البدنیة و الإقتصادیة و الأخلاقیة و لهم القدرة و القابلیة على تطبیق العدالة الکاملة بین جمیع الزوجات و الأولاد. یسمح لمثل هؤلاء الأشخاص فقط الزواج بأکثر من إمرأة.

الآن إذا أردنا أن نختار الطریق الأول، فبغض النظر عن المشاکل الإجتماعیة الکبیرة التی سوف تحصل، یتوجب علینا فی هذه الحالة أن نعلن حرباً على الفطرة و على الغریزة و الإحتیاجات الجسمیة و المعنویة للإنسان و إهمال مشاعر و أحاسیس مثل هذه النساء، و لکن هذه حربٌ لا یوجد فیها إنتصار، و لو فرضنا ان هذا الأمر أصبح عملیاً، فلا یخفى الجانب الغیر الإنسانی فیه على أحد.

عندما نبحث فی موضوع تعدد الزوجات عند الضرورة، لا یجب أن ینظر إلیه من جانب زاویة المرأة الأولى فقط، لکن یجب أن یُبحث هذا الموضوع و ینظر إلیه من جانب المرأة الثانیة و المصالح و المقتضیات الإجتماعیة أیضاً، حیث یشیر البعض الى مشاکل الزوجة الأولى حیث هنالک مسائل ذات ثلاث أبعاد مختلفة و ینظر البعض الیها من بعد واحد، حیث ان بحث موضوع تعدد الزوجات له ثلاث أبعاد، البعد الأول هو من جانب الرجل، البعد الثانی من جانب الزوجة الأولى و البعد الثالث هو من جانب الزوجة الثانیة، فی هذه الحالة یصدر الحکم بخصوص هذا الموضوع بأخذ مصلحة المجموع بنظر الاعتبار.

و اذا اخترنا الطریق الثانی فیجب علینا أن نعترف رسمیاً با لزنا. الجدیر ذکره انه یوجد هنالک نساء یتم الإستفادة منهن جنسیا ًو یتخذهن البعض کمعشوقات، و هکذا نساء لا ضمان لهن و لا مستقبل، و تهدر کرامتهن بشکل کبیر، و هذه أمور لا یمکن ان یجوّزها انسان واع.

و بالإستناد الى کل ذلک فإن الطریق الثالث هو السبیل الوحید لتأمین الإحتیاجات الفطریة و الغریزیة للمرأة من جانب و اجتناب العواقب الوخیمة الناتجة من الزنا و من عدم وجود حل لهکذا شریحة من النساء و بذلک یتم إنتشال المجتمع من مستنقع الفساد.[1]

و ان سر إضمحلال العواطف و المشاعر الإنسانیة فی المجتمعات الغربیة و الالتجاء إلى تربیة الحیوانات و إبداء الحب لهم هو بسبب الامر الذی هو مورد بحثنا و لیس بسبب المشاعر الانسانیة الرفیعة التی لدیهم، و نعلم کم عانت البشریة منهم حیث قاموا بقتل الشعوب البریئة المظلومة بأبشع الاسالیب و الطرق لنهب ثرواتها و مقدراتها، فمن أین لهم هذه العاطفة..!

و لکن لماذا لایصح للمرأة أن یکون لها عدة أزواج؟ فالجواب هو:

1. إن هذا الامر یتنافى مع طبیعة المرأة و لاینسجم مع الجانب الروحی و العاطفی الذی لدیها، بالاضافة الى ان علم النفس یقرّ بوجود اختلاف أساسی و کبیر للترکیبة النفسیة و الروحیة و المیول العاطفیة بین الرجل و المرأة.

یعتقد علماء النفس إن من طبیعة المرأة هو "الارتباط بزوج واحد" و تجنب النساء للارتباط بعدة رجال هی مسألة فطریة حیث تمیل النساء للالتجاء تحت مظلة الرعایة العاطفیة و العملیة لرجل واحد، و إن حب الارتباط بعدة رجال من قبل المرأة هو نوع من الأمراض، و لکن نرى أن هذه الحالة معکوسة عند الرجال حیث إنهم یمیلون "إلى تعدد الزوجات"، و کما تعرفون فان الاحکام الاسلامیة شرّعت لتتلائم مع الاحتیاجات الحقیقیة و مع الخصوصیات و الخصال الذاتیة للانسان.[2]

2. إن هذا الامر یشکل خطراً من الناحیة الصحیة و یشکل تهدیداً لنسل البشریة.

3. سوف تختفی الأنساب و لا یمکن التمییز بینها فی هذه الحالة، و من الأثار السلبیة التی تترتب على هذه الحالة هو إختفاء الروابط و الأواصر الأسریة الذی یؤدی بدوره الى عدم وجود رغبة عند الناس للانجاب و زیادة النسل، لانه من طبع الانسان أن یحب أولاده و یبذل الغالی و النفیس من إجلهم، و لکن إذا کان یشک فی إنتساب مولود الیه، بل إذا کان لا یعلم الى من ینتسب هذا المولود؟ فانه بلاشک سوف یعتبره غریباً مما یؤدی إلى عدم الشعور بالمسؤولیة تجاهه و عدم وجود أیّ رغبة لدیه فی أعماقه نحوهذا المولود.[3]

هذه بعض الأسرار و الحِکم و المصالح التی على أساسها جوّز الاسلام تعدد الزوجات للرجل و حرم تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة.



[1] . أنظر: مکارم الشیرازی، التفسیر الأمثل، ج3، ص 256-260؛ المطهری، مرتضى، المجموعة الکاملة، ج 19، ص357- 361؛ تفسیر المیزان، ج 4، ص 319.

[2] . المطهری، مرتضى، مجموعة تراث، ج 19، ص 302.

[3] .لمزید الاطلاع، راجع: المطهری، مرتضى، نظام حقوق المرأة فی الاسلام؛ جوادی الآملی، عبدالله، المرأة فی مرآة الجلال و الجمال؛ الطباطبائی، السید محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 4.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...