Please Wait
5991
فکر الامام الخمینی (ره) السیاسی یمثل قبساً من فکره النیر و آرائه الکثیرة على مختلف الاصعدة. فهو رحمه الله شخصیة ذات ابعاد مختلفة لها آثارها المتعددة فی مجالات کثیرة کالعرفان، الفقه، الفلسفة، الکلام و السیاسة و قد صنف رحمه الله فی جمیع تلک الفروع تصانیف قیمة تمثل تراثه الذی ترکه للبشریة بعد رحیله. و بما أنه المؤسس و القائد لنظام ینطلق من الفکر الاسلامی فمن البدیهی تکون نظریته السیاسیة شاملة لجمیع المفاهیم الدخیلة فی دائرة الحکومة و المجتمع الاسلامیین.
یمکن الاشارة الى أهم محاور الفکر السیاسی للامام الخمینی (ره) و هی: العلاقة بین الدین و السیاسة، العدالة، الحریة، الاستقلال، الدیمقراطیة، محوریة القانون، الثقافة، وحدة المسلمین و اتحادهم، رعایة مصالح الاسلام و المسلمین، الدعوة و التبلیغ للاسلام، احیاء الهویة الاسلامیة، انطلاق السیاسة الخارجیة من المفاهیم و القیم الاسلامیة و الدفاع عن المظلومین و المحرومین.
الفکر لغة یعنی التأمل و امعان النظر فی الاشیاء[1] و الفکر السیاسی یعنی منظومة الآراء و المعتقدات المطروحة بطریقة عقلائیة و منطقیة المدعومة بالدلیل لبیان کیفیة ادارة شؤون الحیاة السیاسیة فی المجتمع و صفا و بیانا، و المفکر السیاسی هو الشخص هو الشخص الذی یستطیع الاستدلال و البرهنة على عقائده و رؤآه السیاسیة باسلوب عقلانی و طریقة منطقیة بنحو تخرج عن کونها مجرد فرضیات و ترجیحات شخصیة.[2]
إن فکر الامام الخمینی (ره) السیاسی یمثل قبساً من فکره النیر و آرائه الکثیرة على مختلف الاصعدة. فهو رحمه الله شخصیة ذات أبعاد مختلفة لها آثارها المتعددة فی مجالات کثیرة کالعرفان، الفقه، الفلسفة، الکلام و السیاسة و قد صنف رحمه الله فی جمیع تلک الفروع تصانیف قیمة ذات بعد واقعی تمثل تراثه الذی ترکه للبشریة بعد رحیله. و بما أنه المؤسس و القائد لنظام ینطلق من الفکر الاسلامی فمن البدیهی تکون نظریته السیاسیة شاملة لجمیع المفاهیم الدخیلة فی دائرة الحکومة و المجتمع الاسلامیین. فهو رحمه الله یعد من کبار المفکرین المسلمین المعاصرین و من صناع التاریخ فی العالم الاسلامی، و مفکراً کبیراً هیمن على مختلف المجالات العلمیة، الأمر الذی صنع منه شخصیة ذات أبعاد متعددة.
و من الواضح أن الذین بحثوا فی مجالات السیاسة و خاضوا فی القضایا السیاسیة رصدوا الکثیر من فکره السیاسی (قدس) و دونوا الکثیر فی هذا المجال، و بما أن المجال لا یسع هنا للتعرض لجمیع تلک الابعاد و الزوایا، من هنا نحاول الاشارة بصورة مختصرة الى تلک الابعاد و نحیل القارئ الى المصنفات الموسوعة التی دونت هنا.
یمکن الاشارة الى ابرز خصائص الفکر السیاسی عند الامام الخمینی (ره) التی منها:
1. العلاقة بین الدین و السیاسة: من المحاور الاساسیة التی یمکن البحث عنها فی فکر الامام (ره) هی تحدید العلاقة بین الدین و السیاسة بنحو تشکل الحجر الاساس لفکره السیاسی. فمن أمهات افکاره السیاسیة اعتقاده بضرورة تشکیل الحکومة الاسلامیة و الدفاع عن ضرورة وجود نظام سیاسی یقوم على أساس الفکر الاسلامی، و یعد (ره) من جملة العلماء القائلین بضرورة تشکیل الحکومة الاسلامیة فی عصر الغیبة. و قد بذل قصارى جهده لاثبات ذلک و دعمه بالادلة العقلیة و النقلیة، حیث کان یرى:
اولا: ضرورة تشکیل الحکومة فی المجتمع.
ثانیا: ان المجتمع بحاجة الى الحکومة فی جمیع الاعصار بما فیها عصر غیبة الامام المعصوم (ع) و لابد من السعی لتحقیقها.[3]
2. العدالة: تمثل العادلة محوراً من المحاور الأساسیة فی فکره (قدس) حیث کان یولیها أهمیة کبیرة و یرکز علیها دائماً و یعتبرها أهم الابعاد المحوریة فی الفکر السیاسی و الاجتماعی الاسلامی؛ فمن الناحیة النظریة و العملیة کان یرى أن العدالة تمثل أهم الاهداف التی ینشد النظام الاسلامی تحقیقها تتمثل فی تحقیق القسط و العدل فی المجتمع من هنا نراه (قدس) یؤکد: أن الله تعالى عندما یقول: " لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ و الْمیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط..."[4] لتتحقق العدالة الاجتماعیة بین الناس.[5] فمن ممیزان الفکر السیاسی عند الامام هی کون الحکومة وسیلة لتحقیق العدالة و اشاعت القیم و المعنویات فی المجتمع، لان اقامتها فی المجتمع تعنی وضع الانسان على جادة السعادة و مع انتفائها تنتفی السعادة و الفلاح من المجتمع.
3. الحریة: یعد شعار الحریة أحد الشعارات الاساسیة التی رفعتها الثورة الاسلامیة و من المفاهیم المحوریة و الاساسیة التی دافع عنها الامام (ره) مبدئیاً حیث کان یعتبرها ثابتا من الثوابت و لیست مجرد شعار و وسیلة دعائیه، بل یعتبر الحریة من اولیات حقوق الانسان و کان (ره) یصرح بهذا الحق کثیراً.[6] سواء کانت الحریة على المستوى الاجتماعی و العلاقات العامة أو کانت على مستوى الحریات الفردیة الشاملة لحریة العقیدة، البیان، الفکر، الاحزاب و المطبوعات. بطبیعة الحال ان هذه الحریة لیست من قبیل الحریة غیر المنضبطة بل هی محددة بحدود القوانین و الشرائع الاسلامیة و دستور البلاد فلا یجوز تحت ذریعة الحریة تعریض مصالح الدولة للخطر أو التجاوز على الحرمات و الشرائع الاسلامیة، و کان (ره) یرکز على أن جمیع الدول تفرق بین مفهومی الحریة و المؤامرة.[7]
4. الاستقلال؛ نظرة الامام (ره) الى الاستقلال نظرة شمولیة فهو یرى ضرورة الاستقلال و عدم التبعیة فی جمیع المجالات و نفی التدخلالت الاجنبیة و قطع هیمنتهم و عدم الرضوخ لهم و ادارة البلاد باستقلالیة تامة.[8]
5. الدیمقراطیة؛ من الخصائص الاخرى التی صبغت فکر الامام (ره) هو ایمانه بآراء الشعب و حضوهم الفعال لتعیین مصیرهم فی جمیع المجالات السیاسیة و الاجتماعیة؛ یقول سماحته حول تعیین المصیر مصیر الشعوب و الاقوام بنفسها: "نحن لاننوی أن نحمل شعبنا امراً لایریدونه فان الاسلام لا یسمح لنا بالهیمنة الدکتاتوریة. نحن تبع لرأی الشعب...".[9]
6. محوریة القانون و التبعیة له؛ تمثل محوریة القانون و الخضوع له من الاصول الاساسیة فی فکر الامام السیاسی. فهو یرى لزوم الالتزام بالقانون و العمل به على جمیع افراد الشعب ابتداء من أدنى طبقات المجتمع و وصولا الى قمة الهرم القیادی؛ ففی الحکومة التی یراها الامام لا مجال لمحوریة الفرد و انما الملاک هو القانون الالهی، فالکل تابع له بلا أدنى فارق.[10] و یعتقد (ره) أن الحاکم فی الاسلام هو القانون بل حتى النبی الاکرم (ص) مع عظم شأنه خاضع هو الآخر للقانون.[11]
7. الثقافة؛ یعتبر الامام (ره) من اکثر المفکرین المعاصرین تاثریاً فی التاریخ الایرانی المعاصر، فهو یرى الثقافة أساساً و قاعدة للمسائل السیاسیة و الاقتصادیة و یعتقد بان صلاح الثقافة اذا اقترن بالتربیة الصحیحة للانسان فحینئذ تعطی الثقافة ثمارها و تحل کافة مشاکل المجتمع" إذن الثقافة هی مصنع إعداد الانسان، الأمر الذی بعث الانبیاء من أجله حیث جاءوا لاصلاح الانسان..."[12] و یرى الامام أن الثقافة الکاملة الصانعة للانسان لا وجود لها الا فی الاسلام و إن تربیة المجتمع و الشعوب لاتتم الا من خلال سلوک الطریق الاسلامی: " قضیة تربیة شعب تکمن فی صلاح الثقافة، فیجب علیکم السعی لخلق ثقافة اسلامیة مستقلة".[13]
8. الوحدة: من المسائل الأخرى التی تشکل مفصلاً من مفاصل فکر الإمام (ره) السیاسی هی قضیة وحدة الشعب و اتحاد الجماهیر حیث یراها رمز انتصار الثورة کما یرى فی المقابل أن من برکات الثورة التی دعمت ورسخت العزة فی ایران و الامة الاسلامیة هی مسالة الاتحاد و الوحدة.[14]
9. المصلحة: یؤمن الامام (ره) أن الاسلام لا یسمح للقادة و المسؤولین المسلمین العمل وفقا لمیولهم و رغباتهم الشخصیة و لایحق لهم الاصرار على ذلک، بل ینبغی أن یکون عملهم منطلقاً من الدساتیر الاسلامیة و مستندا الیها؛ نعم یحق للحاکم الاسلامی التحرک فی دائرة الموضوعات وفقا للمصلحة التی یراها.[15] و قد أکد مرات عدیدة على أنه فی کل موقع یرى مصلحة الاسلام و المسلمین فیه فانه سوف یقدم على ذلک.[16] و ما موقفه من قبول القرار 598 الخاص بوقف الحرب التی شنها الناظم البعثی على الجمهوریة الاسلامیة الا مصداقا و شاهداً حیا على هذه الحقیقة.
10. دعوة الناس فی شتى بقاع العالم الى الدین الاسلامی الحنیف: من المفاهیم المحوریة فی فکر الامام (ه) هی الدعوة الى الدین الاسلامی الحنیف و نشر المعارف الدینیة بین شعوب العالم، و لعل من ابرز مصادیق ذلک الرسالة التی وجهها الى رئیس الاتحاد السوفیتی السابق کرباشوف و الجماهیر السوفیته، یقول (ره): " یجب دعوة و ارشاد شعوب العالم الى التعالیم السامیة و مفاهیم العدالة الاسلامیة الراقیة".[17]
11. احیاء الهویة الاسلامیة: و هذه هی الاخرى تمثل محوراً من محاور الفکر السیاسی و الجهادی عند الامام الخمینی (ره)، فهو (قدس) یرى أن إحیاء الهویة الاسلامیة و الشعبیة تعد رمز الاستقلال و الاقتدار الوطنی و الشعبی و هی السد المنیع امام تسلط الاجانب و هیمنتهم، و کان یؤکد دائما: أنه لایمکن أن یتحقق الاستقلال بأی نحو کان ما لم نعود الى الذات فنعرف ذاتنا و نثق بوجودنا و انفسنا.[18]
12. السیاسة الخارجیة: أخذت السیاسة الخارجیة و طریقة التعامل مع الملل و الحکومات الاخرى و الدفاع عن المحرومین حیزاً کبیراً من فکر الامام (ره) فقد کان یرى أن السیاسة الخارجیة یجب أن تبتنی على أصالة نفی هیمنة و تسلط الاجانب على مقدرات الشعوب (اصالة نفی السبیل)[19] و کان یعتبر ذلک قاعدة اساسیة و مهمة من قواعد الفقه الاسلامی تنفی کل انواع الهیمنة الاجنبیة على المسلمین، من هنا کان شدید الحذر من هذه القضیة فکان یرفض أی نوع من انواع الهیمنة و التسلط، و ما مواقفه الصارمة مع الاستکبار و نظام الهیمنة و قطع ید الاجانب الا مصداقا بارزاً من مصادیق استناده الى هذه القاعدة الاساسیة.[20]
[1] فرهنگ معین، مادة اندیشه.
[2] بشیریه، حسین، تاریخ اندیشه سیاسی در قرن بیستم " تاریخ الفکر السیاسی فی القرن العشرین"، ص 17، نشر نی، طهران، 1376هـ ش.
[3] الامام الخمینی، کتاب البیع، ج 2، ص 619؛ الامام الخمینی، شؤون و اختیارات ولی الفقیه، ص 23؛ صحیفه الامام، ج 2، ص 31، مؤسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی، طهران، 1378هجری شمسی.
[4] الحدید، 25.
[5] صحیفه الامام، ج 15، ص 213.
[6] نفس المصدر، ج 5، ص 387.
[7] صحیفه النور، ج 6، ص271؛ ج 4، ص259؛ ج 9، ص 90، مرکز مدارک فرهنگی انقلاب اسلامی، بهمن 1362هجری شمسی>
[8] نفس المصدر، ص 16، 490، 236؛ ج 4، ص 277.
[9] نفس المصدر، ج 10، ص 181.
[10] نفس، ج 9، ص 42.
[11] نفس المصدر، ج 10، ص 29.
[12] تعلیم و تربیت از دیدگاه امام خمینی " التعلیم و التربیة عند الامام الخمینی،الدفتر الثامن عشر)، ص 270.
[13] صحیفه الامام، ج 8، ص 96.
[14] صحیفه النور، ج 5، ص 173، 141.
[15] المصدر، ص 461.
[16] المصدر، ج 1، ص 293.
[17] نفس المصدر، ج 3، ص 322.
[18] نفس المصدر، ج 9، 258.
[19] "وَ لَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ لِلْکافِرینَ عَلَى الْمُؤْمِنینَ سَبیلاً" . النساء، 141.
[20] صحیفه الامام، ج 4، ص 317.