Please Wait
6731
هناك علوم لا ترتبط بفهم القرآن و تفسيره بصورة مباشرة، لكنها تمثل المقدمة لفهمه و لولاها لما تمكن المفسر من تحليل و فهم الآيات فهما صحيحاً؛ من قبيل علم الصرف و النحو المعاني و البيان و اللغة و... من هنا لابد للمفسر الاحاطة بتلك العلوم التي تعد وسيلة و مقدمة للتفسير. كذلك يشتمل القرآن الكريم على العام و الخاص، المطلق و المقيد، الناسخ و المنسوخ، و فهم هذه التصنيفات يقتضي الاحاطة التامة بالآيات لكي لا يقع المفسر في خطأ اعتماد العام دون النظر الى الخاص او المطلق دون المقيد و النساخ دون المنسوخ.
ثم إن المنع من التفسير بالرأي لا يعني بحال من الاحوال الجمود و التحجر و....؛ و ذلك لان القرآن قد حث على التأمل و التدبر في الآيات و اعتبر سبب انحراف بعض الطوائف كامناً في رفضهم التدبر و التأمل في القرآن، بل ذم صنفا من الناس ممن يمر على آيات الذكر الحكيم من دون التأمل فيها و النظر في مضامينها " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها". في الوقت الذي امتدح فيه صنفا ثانيا يعتمد آيات الذكر الحكم ليستنبط منها الحلول و المعالجات الصحيحة.
أما التفسير بالرأي، الذي ورد ذمه في كلمات المعصومين (ص)، فهو التفسير الذي يعتمد صاحبه الظن و التخمين فقط من دون الاحاطة بكل ما يكتنف القضية من مقدمات و الذي ينطلق فيه المفسر مما ظهر له إبتداء و مما استحسنه برأيه الخاص و نظره الساذج استناداً الى فرضيات مسبقة رسخت في ذهنه قبل الخوض في التفسير، بخلاف التفسير المتنور الذي ينطلق من الظروف الموضوعية و الحضارية فيضع لها حلولا قرآنية مع توفر الشروط اللازمة في المفسر و رعاية الاصول و الموازين التفسيرية، فان ذلك لايعد من مصاديق التفسير بالرأي قطعاً.
الاجابة الدقيقة تقتضي الاشارة الى بعض النقاط المهمة من قبيل:
الأولى: ان اكثرالآيات قابلة للفهم من قبل عموم الناس؛ من هنا يعد الفهم العام لظواهر الآيات حجة و لهذا ذهب الاصوليون الى القول بحجية ظواهر القرآن الكريم.[1]
الثانية: هناك بعض الآيات اختص بفهمها الراسخون في العلم (النبي الاكرم و أهل بيته (ص)) و لا يمكن فهمها الا بالاستعانة بهم.
الثالثة: يشتمل القرآن الكريم على العام و الخاص، المطلق و المقيد، الناسخ و المنسوخ، و فهم هذه التصنيفات يقتضي الاحاطة التامة بالآيات لكي لا يقع المفسر في خطأ اعتماد العام دون النظر الى الخاص او المطلق دون المقيد و النساخ دون المنسوخ.
الرابعة: توجد بعض العلوم التي لا ترتبط بفهم القرآن و تفسيره بصورة مباشرة، لكنها تمثل المقدمة لفهمه و التي لولاها لما تمكن المفسر من تحليل و فهم الآيات فهما صحيحاً؛ من قبيل علم الصرف و النحو المعاني و البيان و اللغة و... من هنا لابد للمفسر الاحاطة بتلك العلوم التي تعد وسيلة و مقدمة للتفسير.
انطلاقا من هذه المقدمات نشرع في الاجابة عن السؤال المطروح:
التفسير بالرأي
إن المنع من التفسير بالرأي لا يعني بحال من الاحوال الجمود و التحجر و....؛ و ذلك لان القرآن اعتبر سبب انحراف بعض الطوائف كامناً في عدم التدبر و التأمل في القرآن، بل ذم هذا الصنف من الناس الذي يمر على آيات الذكر الحكيم من دون التأمل فيها و النظر في مضامينها " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها".[2]
و في المقابل امتدح صنفا ثانيا يعتمد آيات الذكر الحكم ليستنبط منها الحلول و المعالجات الصحيحة للمشاكل التي تواجهه، كما في قوله تعالى: "وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم".[3] و قوله " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافاً كَثيراً".[4]
فقد اعتبر الله تعالى علة انحرافات المشركين و ضلالهم يكمن في عدم تدبرهم في القرآن. و من هنا نجد النبي الاكرم (ص) يخاطب الناس في حجة الوداع قائلاً: " معاشر الناس تدبروا القرآن و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته و لا تتبعوا متشابهه".[5] و بهذا يتضح تأكيد كل من القرآن و السنة على ضرورة التدبر و التأمل في الآيات و الحث على ذلك لتكون المحصلة الفهم الصحيح و الادراك الدقيقة لمعاني الآيات.
أما التفسير بالرأي، و الذي ذمه المعصومون (ص)، فهو التفسير الذي يعتمد صاحبه الظن و التخمين فقط من دون الاحاطة بكل ما يكتنف القضية من مقدمات و بلا نظر الى العلاقات المختلفة بينها من قبيل العام والخاص و المطلق و المقيد و..، و إنما ينطلق المفسر مما ظهر و ما استحسنه برأيه الخاص و نظره الساذج انطلاقا من فرضيات مسبقة رسخت في ذهنه قبل الخوض في التفسير، و من هنا تراه يبحث عما يدعم رأيه من الآيات و يقوي حجته و ما تبناه من معتقدات و آراء.
و لاريب ان هكذا منهج تفسيري لا يمكن الركون اليه و لا تؤيده التعاليم الاسلامية؛ لانه يفتح الباب أمام المتطفلين ليقول كل منهم بما شاء و ما يحلو له، و ان من يفعل ذلك يكون مصيره الى النار، كما روى ذلك الامام الحسين (ع) عن رسول الله (ص) حينما قال: سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.[6]
انطلاقا مما مر يمكن القول بان من فسّر القرآن مراعياً في ذلك رغباته الشخصية أو الحزبية او ما شابه ذلك و لم يكن متوفراً على العلوم المقدمية للتفسير؛ كعلم الاصول، و اللغة، و النحو، و الحديث و....؛ فان الفجوة بينه و بين الله تعالى ستتسع و سيكون مكانه النار كما أخبر بذلك الرسول الاكرم (ص).[7] بخلاف التفسير المتنور الذي ينطلق من الظروف الموضوعية و الحضارية فيضع لها حلولا قرآنية مع توفر الشروط اللازمة في المفسر و رعاية الاصول و الموازين التفسيرية، فان ذلك لايعد من مصاديق التفسير بالرأي قطعاً.
و من تلك الاصول التأمل الدقيق في الروايات الواردة عن المعصومين (ع)؛ لقوله تعالى " لا يمسه الا المطهرون"[8] الاعم من المس الظاهري و الباطني؛ فكما أن المس الظاهري للقرآن بحاجة الى طهارة ظاهرية، كذلك المس الباطني و الخوص في أعماقه يتوقف على الطهارة الباطنية، و كلما ازدادت الطهارة انكشف الكثير من الاسرار و المفاهيم القرآنية أمام المفسر، و لما كان المعصومون – و بشهادة القرآن الكريم- هم المطهرون تطهيراً تاماً[9] انحصر التفسير الامثل و الاكمل فيهم او عن طريقهم لانهم المصداق الابرز للقرآن الناطق.
تحصل: انه يمكن لغير الائمة تفسير القرآن الكريم مع توفر مجموعة من الشروط منها:
أولا: التوفر التام على علم التفسير و العلوم المقدمية في التفسير. و ثانيا: عدم مخالفة المأثور من التفسير عن الأئمة (ع) الثابت بطرق قطعية، و ثالثا: تجنب التفسير بالرأي و الانطلاق من الفرضيات والاحكام المسبقة.
[1] انظر: تعدد التفسيرات القرآنية، سؤال رقم 8924 (الموقع: ar8937).
[2] محمد، 24.
[3] النساء، 83. وانظر: تفسير اثنا عشري، ج1، ص 10.
[4] النساء،82.
[5] الطبرسي، احمد بن علي، الاحتجاج، ج 1، ص 60، نشر مرتضی، مشهد مقدس، 1403هـ.
[6] الصدوق، التوحيد، ص 91، انتشارات جماعۀ المدرسین، قم، 1357 ش.
[7] انظر: الرازي، فخرالدين ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ج7، ص 148، دار احياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420 ق.
[8] الواقعة،79.
[9] "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً"، الاحزاب، 33.