بحث متقدم
الزيارة
6934
محدثة عن: 2011/08/21
خلاصة السؤال
لماذا لم یبادر الإمام علی (ع) إلى حفظ نفسه مع اطلاعه على سوء نیة ابن ملجم؟
السؤال
کما تعلمون أن خروج الإمام الحسین (ع) کان على طاغوت زمانة، و کان حتى لحظاته الأخیرة فی حال جدال مع جنود العدو، و لکن الأمر مختلف بالنسبة للإمام علی (ع)، فمع علمه بنیّة السوء التی کان یبیتها ابن ملجم ذهب إلى المسجد دون أخذ أی احتیاطات و لا اصطحب معه حارساً، و کان على استعداد للشهادة منذ أول اللیل، و من الجدیر بالذکر أن الإمام (ع) یمتلک دلیلاً موجهاً لعمله على نحو القطع و الیقین لعلنا عاجزون عن فهمه وإدراکه.
الجواب الإجمالي

إن العلة فی عدم اتخاذ الإمام (ع) أی إجراء یمکن الاجابة عنها من عدة جهات:

1-      إن المعیار و المیزان فی أداء التکلیف هو العلم العادی، فالإمام لا یعمل بحسب العلم الباطنی (علم الغیب) الذی لدیه عندما یطیع الأوامر الإلهیة، و إنما یسلک فی ذلک مثل سلوک الأشخاص العادیین، و إذا فرضنا أن الإمام یعمل على أساس علمه بالغیب فلا یمکن أن یکون أسوةً وقدوةً للناس. لأن الناس لا یملکون مثل هذا العلم.

2-      إن نظام هذا العالم نظام الامتحان والاختبار، و إن العمل على أساس علم الغیب یلغی أرضیة الامتحان و الاختبار، لأنه یکون مانعاً لإدامة الأعمال العادیة.

و بعبارةً أخرى: صحیح أن الإمام علیا (ع) مکلفٌ بالدفاع عن نفسه کما هو الحال بالنسبة للأفراد العادیین، و لکن هذا التکلیف و الوظیفة لا بد و أن یکون فی حدود العلم العادی، و لا تشمل على الغیب هذا أولاً، و ثانیاً إن الطرف الآخر لهذا العمل (شهادة الإمام علی (ع) هو ابن ملجم و هو فی حال امتحان، و لا ینبغی أن یکون علم الغیب لدى الإمام مانعاً لحریته و اختیاره، فلو أراد الإمام أن یعمل طبقاً لعلمه الغیبی فنتیجة ذلک هی سلب الاختیار من ابن ملجم، و لم توجد أرضیة لاختباره و امتحانه فی البین.

الجواب التفصيلي

إن الإمام لا یعمل بحسب علمه الباطنی و علم الغیب حینما یؤدی تکلیفه بإطاعة أوامر الله تعالى، و إنما یسلک کما یسلک سائر الأفراد العادیین، و هو کغیره على حد سواء مع سائر الناس بالنسبة لجمیع أحکام الشرع، لأن الله سبحانه فرض جمیع أحکامه على جمیع عباده بشکل متساوٍ، و على هذا الأساس فإن النبی (ص) لم یقضِ بین الناس على أساس العلم الباطنی، و إنما کان قضاؤه على أساس العلم العادی و کذلک کان یقول (ص):

(إنما أقضی بینکم بالبینات والإیمان وبعضکم ألحن بحجته من بعض فأیما رجل قطعت له من مال أخیه شیئاً فإنما قطعت له به قطعةً من النار).[1]

و المراد أنه لا بد لکل صاحب ادعاء من شاهد أو أن یؤدی الیمین حتى أحکم له، سواء کان صادقاً أو کاذباً، و إذا کان کاذباً فما یأخذه أشبه بأخذه قطعةً من النار.

و على هذا الأساس على الرغم من أن الإمام علیا (ع) له علم غیبی بزمان و کیفیة شهادته، و لکنه مأمور بالعمل على أساس الظاهر و لیس له حق بالعمل طبقاً لعلمه الغیبی، و السبب هو أن الإمام قدوة للمجتمع الإسلامی، و لابد له أن یؤدی تکلیفه بالطرق والکیفیات العادیة المتیسرة لعموم الناس، و أن یأخذ بنظر الاعتبار ظروف وشروط المحیط الاجتماعی المتعارف، و لا یکون عمله خارجاً عنها، و إذا أراد الإمام العمل طبقاً لعلمه بالغیب، فلا یمکن أن یکون قدوةً و أسوةً للناس، لأن الناس لیس لدیهم مثل هذا العلم، یضاف إلى ذلک أن عمل الأئمة (ع) بحسب ما لدیهم  من علم بالغیب یربک العمل الاجتماعی، وعلیه فإنهم عادة و فی أکثر الموارد یعملون طبقاً للعلم العادی، إلا فی الموارد النادرة و الاستثنائیة القلیلة، فأنهم یعملون بها بحسب علم الغیب لدیهم.

یضاف إلى ذلک أن نظام هذا العالم هو نظام الامتحان و الاختبار، و فی ذلک یقول القرآن: (أحسب الناس أن یترکوا أن یقولوا آمناً و هم لا یفتنون)[2] و فی آیة أخرى: (الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملاً و هو العزیز الغفور)[3].

و من لوازم الامتحان و الاختبار أن یکون السلوک و العمل على أساس الإرادة و الاختیار فی انتخاب الحسن و القبیح و أن الأمور تجری على نسقها العادی و الحصول على النتیجة فی ساعة الآخرة. فی حین یلغی العمل على أساس علم الغیب أرضیة الامتحان و الاختبار، لأنه یمنع من استمرار الأعمال العادیة.

و صحیحٌ أیضاً أن الإمام علیا مکلفٌ کغیره من الناس بحفظ نفسه و الدفاع عنها و لکن أولاً: إن هذا التکلیف بحدود العلم العادی و لا یشمل علم الغیب. و ثانیاً: إن الطرف الآخر لهذا العمل (شهادة الإمام علی (ع) هو ابن ملجم وهو فی حال امتحان، و لا ینبغی أن یکون علم الإمام مانعاً لحریته و اختیاره، فلو أراد الإمام العمل طبقاً لعلمه بالغیب لأدى ذلک إلى سلب الاختیار من ابن ملجم، و لم تبقَ له أرضیةٌ الامتحان و الاختیار، وهذا خلاف للسنة الإلهیة فی حین أن سنن الله – و بضمنها سنة امتحان العباد- لا تتبدل و لا تتغیر، یقول القرآن المجید فیما یخص السنن الإلهیة: (فلن تجد لسنة الله تبدیلاً و لن تجد لسنة الله تحویلا)[4].

و على هذا الأساس، بما أن العمل بعلم الغیب یوجب تغییر و تبدیل السنن الإلهیة (الاختبار و الامتحان) فلا ینبغی للإمام أن یعمل به.



[1] الکافی ج:7 ص414 باب أن القضاء بالبینات و الإیمان، حدیث 1.

[2] العنکبوت، 2.

[3] الملک، 2.

[4] فاطر، 43.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ماذا یراد من مفهوم القیامة؟
    8233 الکلام القدیم 2009/01/19
    القیامة تعنی انبعاث الناس من القبور و الحضور فی عالم بعد الموت.و قد اطلق على القیامة مجموعة من الاسماء منها: الواقعة، الراجفة، الطامة، الصاخة، الحاقة، یوم الفصل، یوم الندم، یوم النشور، یوم الحق، یوم المسألة، یوم الفراق، یوم الحساب، یوم الحکم، یوم العذاب، یوم المحاسبة و یوم التلاق و ...
  • هل یصح أنه یتحتم علی الإنسان ألا یدعو لنفسه فی یوم عاشوراء؟
    5591 العملیة 2011/12/17
    الدعاء هو نوع علاقة ضروریة للعبد مع ذات الحق تعالی، و ذلک لأجل رفع احتیاجاته الدنیویة و الأخرویة، و علی کل حال فالدعاء للنفس و للآخرین حسن و مطلوب و له ثواب عظیم.و لا إشکال فی الدعاء للنفس فی یوم عاشوراء، بل قد وردت فی روایات  یوم عاشوراء الاشارة ...
  • هل یُمکن قراءة مجلس سفرة أبی الفضل العباس (ع) فی المسجد و جعل السفرة و الاطعام فی المنزل؟
    5964 الحقوق والاحکام 2011/10/17
    إذا لم یکن هذا العمل عن نذر أو عهد أو قسم، أو کان النذر أو العهد أو القسم مطلقاً، یُمکنکم أن تؤدوه بأی نحو کان، فمثلاً یُمکن أن تقیموا المجلس فی المسجد و تجعلوا سفرة الاطعام فی البیت. أما إذا کان النذر أو العهد أو القسم ملحوظاً فیه کیفیة خاصة، ...
  • ما دور الزوج عند حصول الخلاف بین أمّه و زوجته؟
    7134 العملیة 2013/07/21
    لکل من الأب و الأم و الزوجة حقوق على عاتق الرجل علیه أن یؤدیها ما أمکن ذلک و إن کان للأم و الأب خصوصیة خاص فی الإسلام إذ قد جعل الله تعالى لهما مقاما رفیعاً. فعلى الرجل حفظ الموازنة و عدم الإنحیاز بین والدیه من جهة و زوجته ...
  • ما المراد بالصبح الصادق، و هل أن الصبح الکاذب موجود أم لا؟
    8725 الحقوق والاحکام 2008/02/14
    الفجر الصادق و الفجر الکاذب اصطلاحان فقهیان، و المراد بهما (فلکیاً) وقتان من أوقات الیوم و اللیلة. و الفجر الکاذب یحصل بظهور البیاض من جهة المشرق، و لا یمکن أداء صلاة الصبح فی هذا الوقت.و أما زمان الفجر الصادق، فیتحقق عندما ینتشر البیاض فی جهة المشرق و هذا الوقت ...
  • هل یحق للمرأة الامتناع عن تلبیة رغبات الزوج الجنسیة و عدم التمکین من ذلک؟
    9282 الحقوق والاحکام 2010/11/09
    تؤکد الروایات الورادة عن النبی الأکرم (ص) و أهل بیته (ع) على الزوجین أن یراعیا الحقوق الزوجة لکل منهما.[1] و هذه العلاقة متبادلة بمعنى أنه یجب على کل منهما مراعاة حقوق الآخر، و منها حق اشباع الغریزة الجنسیة، فقد ورد هذا ...
  • ما هو رأی فقهاء العامة فی قضیة الاستمناء؟
    5627 الحقوق والاحکام 2010/10/18
    طبقا لما ورد فی کتبهم و مشهور فتاوى علمائهم القدامى و المعاصرین فان الاستمناء حرام شرعاً.[1] نعم نسبت بعض کتبهم الى بعض الصحابة و الفقهاء القول بالکراهة و الاباحة.[2]
  • هل العبارة «کل یومٍ عاشوراء و کل أرضٍ کربلاء» حدیثٌ أو روایة، و هل أن لها سنداً معتبراً، و ما حدود اعتباره؟
    8841 الکلام القدیم 2008/10/21
    لم نعثر على دلیلٍ روائی یدل على أن عبارة: "کل یوم عاشوراء و کل أرضٍ کربلاء" صادرة عن المعصومین. و لکن هذه العبارة نتیجة صحیحة لمجموع النهضة الحسینیة و خط سیر الإمامة و تحمل أکثر من رسالة و خطاب ملیءٍ بالمعانی و المفاهیم المعبرة. مع أنه لا ...
  • ما السبب في تسمية الامام الرضا (ع) بكافل او ضامن الغزال؟
    26977 تاريخ بزرگان 2012/04/17
    من الالقاب المشهورة للإمام الرضا (ع) لقب ضامن الغزال، و يعود هذا اللقب الى قضية تاريخية ملخصها: ان الامام الرضا (ع) ضمن الغزل لاحد الصيادين حتى عادت له مرة أخرى فتاب ذلك الصياد و ترك الغزالة تذهب لحالها. و لكن تلك القصة لم ترد في أية مصدر ...
  • هل یمکن للشخص الذی قام بذنب کبیر تستوجب الحد أن یکون إماما لجماعة بعد التوبة؟
    5307 الحقوق والاحکام 2011/11/13
    الذنوب الکبیرة التی توجب إجراء الحد علیها (کالزنا) یکون لاجراء الحد موضوعیة خاصة بمعنی أنه لو اُجری علیه الحد، لا یمکنه أن یکون إماماً للجماعة برأی بعض مراجع التقلید سواء أتاب أم لم یتب. أما إذا لم یجر علیه الحد (کالجلد) و لم یعلم أحدٌ بذنبه، و کان قد تاب ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281911 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    263484 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130829 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    119974 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90755 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62463 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    62444 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58196 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    54042 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    50489 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...