بحث متقدم
الزيارة
8655
محدثة عن: 2007/08/21
خلاصة السؤال
ما المراد من الایات التی تنفی مسؤولیة النبی عن ایمان الناس؟
السؤال
فی المواطن التی خاطب الله فیها رسوله الکریم إنک لست مسؤولاً عن إیمان الناس و ... ألا تتنافى هذه الموارد مع القول بالأمر المعروف و النهی عن المنکر و مسألة الجهاد الابتدائی؟
الجواب الإجمالي

ینظر الإسلام إلى الجهاد سواء کان ابتدائیاً أو غیر ابتدائی الى إنه یمثل إحیاء حق الإنسانیة و حق التوحید الذی یعتبر حقاً إنسانیاً أیضاً، فالتوحید هو أنفس ما تتغذى به الفطرة الإنسانیة، و قد جوز الإسلام الجهاد دفاعاً عن مثل هذا الحق الثمین، و إن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر یندرج فی هذا السیاق، و لذلک فإن المسلمین مکلفون بالسعی و الکفاح من أجل نجاة الناس من ربقة الجهل و الضلال و الظلم و کل تبعاتها، و أن لا یقتصر همهم و تفکیرهم على أنفسهم و حسب، و یجب علیهم أن یستعینوا بالأسباب و الوسائل الطبیعیة الممکنة لتحقیق هذا الهدف المقدس، و إذا خاطب الله نبیه من خلال الآیات القرآنیة بما یدل على أنه غیر مسؤول عن إیمان الناس، فذلک یعنی أن الإیمان أمر قلبی و حالة روحیة لا یقبل و لا یحتمل الإجبار و الإکراه، و إن تکلیف النبی و وظیفته فی حدود بذل الجهد و الاجتهاد فی طریق هدایة الناس و إقناعهم بالإسلام و الإیمان، و لیس له أن یکون (مفتشاً) عن عقائد الناس، أو یلوم نفسه و یبخعها على عدم إیمان الناس و سلوکهم طریق الهدایة.

الجواب التفصيلي

إن الجواب الصحیح عن السؤال المتقدم یکون میسراً فی إطار فهم المعرفة الکاملة و التصور الصحیح لمسألة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و مسألة الجهاد الابتدائی.

إن الجهاد و القتال فی الإسلام اعتبر من المسائل الحیاتیة بالنسبة إلى المؤمنین[1] أی أن القتال سواء کان دفاعاً عن الإسلام أو المسلمین أو کان ابتدائیاً، ففی کل الأحوال یکون من أجل الدفاع عن حق الإنسانیة فی حیاتها، لأن الشرک بالله یمثل هلاک الإنسانیة، و یتبعه موت الفطرة و اضمحلالها، إن التوحید و القوانین الدینیة الأخرى من أهم الحقوق الإنسانیة، و هذا أثبت فی محله، و قد أجاز الإسلام الجهاد لتطهیر الأرض من مطلق الشرک و مثل هذا الحکم هو حکم دفاعی فی واقعه، إنه دفاع عن حق الإنسانیة. و إذا کان إحیاء الإنسانیة متوقفاً على هذه المسألة و إنه حق مشروع بعد إقامة الحجة و استنفاد الوسائل، فهل إن هذا من قبیل الإکراه فی نظر العقل و العقلاء، و یحکم علیه بالقبح؟![2]

و أما ما یخص الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر: من الواجب على کل مسلم أن یدعو الناس إلى الله، و أن یسعى و یجد فی خلاص الناس من ظلمات الجهل و تیه الضلال و الضیاع و اجتراح الذنوب و المعاصی.[3]

إذا کنت ترى الهوة و الأعمى

و لم تنهض لإنقاذه فذلک عصیان

و لابد من الاستعانة بالأسباب العادیة و الوسائل المعروفة و إیکال المسببات إلى الله (إلیه یرجع الأمر) أی إن الإنسان لا یجب علیه أن یلقی بنفسه فی التهلکة لإنقاذ الآخرین منها، و إذا لم یقصر فی هدایة العباد و إنقاذهم، فلا مؤاخذة علیه إذا انحرفوا و ضلوا الطریق، «لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ»،[4] و خاطب سبحانه نبیه: «لَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ أَلاَّ یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ».[5]

و من جانب آخر فإن الاعتقاد و الدین من الأمور القلبیة التی لا تقبل الإکراه و الإجبار، نعم للإجبار و الإکراه أثر بالنسبة للأمور الظاهریة و الحرکات الجسمیة، و أما بالنسبة للاعتقاد القلبی فلابد من البحث عن علل و أسباب أخرى[6]، و لذلک یخاطب القرآن النبی الأکرم (ص): «فَذَکِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَکِّرٌ * لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ»،[7] فأنت مذکر فقط و لیس لک أن تکره الناس على الإیمان.[8]

إذن فالمستفاد من الآیات المتقدمة الآتی:

لیس الجهاد من أجل بسط الدین و نشره بالإکراه و الإجبار، بل من أجل إحیاء حق الإنسانیة و الدفاع عن عقیدة التوحید، و التوحید من أنفس ما یغذی الفطرة، و أما بعد بسط التوحید و تفشیه بین الناس، و خضوعهم لدین النبوة، الیهودیة أو النصرانیة، فلا یبقى محل للنزاع بین المسلمین و الموحدین.

و إن خطاب الله موجه إلى نبیه و الذی یقول فیه إنک لست مسؤولاً عن إیمان الناس، فلیس معنى ذلک أنک غیر مکلف بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و السعی فی هدایة الناس عن هذا الطریق و الجهاد فی هذا السبیل، بل المعنى أنک مأمور بالتکلیف و غیر مسؤول عن النتیجة، أی أن الهدایة أمر قلبی، لا یخضع لسلطتک، و من الأفضل أن تترک هذا الأمر لنا.



[1] الأنفال الآیة، 24.

[2] انظر: المیزان، ج2، ص66-71.

[3] الأعراف، 75؛ آل عمران، 104 و 114؛ التوبة، 67 و 71؛ الأنبیاء، 73؛ یوسف، 108.

[4] المائدة، 105 و 134 من سورة البقرة، «تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا کَسَبَتْ وَ لَکُمْ مَا کَسَبْتُمْ وَ لا تُسْأَلونَ عَمَّا کَانُوا یَعْمَلُونَ».

[5] الشعراء، 3، أو سورة الکهف، 6 «فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً».

[6] انظر: المیزان، ج2، ص342-343.

[7] الغاشیة، 22.

[8] انظر: المیزان، ج6، ص162-165.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هو حکم صوم المرأة المرضعة؟
    6183 الحقوق والاحکام 2011/06/14
    لا یجب الصوم علی المرأة الحامل المقربة التی یضر الصوم بحملها، و لکن یجب علیها أن تتصدّق عن کل یوم لم تصمه بمد (حنطة أو شعیر) للفقیر و تقضی الأیام التی فاتتها فی السنین القادمة؟ [1]و کذلک المرأة المرضعة، لا یجب علیها الصوم إذا أدّی ...
  • هل یمکن ان تشرح لی الجنان السبع بالتفصیل؟
    10105 القرآن 2006/09/12
    ورد فی الکتب الحدیثیة ان الجنان سبع هی: دار السلام، دار الجلال، و جنة الماوى، و جنة الخلد، وجنة عدن، و جنة الفردوس، و جنة النعیم، و ذهب بعضهم الى انها واحدة، و الاسماء کلها صادقة علیها،اذ یصدق علیها انها جنة عدن ای اقامة و دار السلام ...
  • أنا أعمل فی القسم الإداری لشرکة إنتاج سیارات. فباعتبار أن عملنا المفید لا یتجاوز الساعتین فهل فی الراتب المستلم الذی نستلمه على أساس التخصص و الأداء شبهة الحرمة؟
    6179 الحقوق والاحکام 2011/06/02
    مکتب آیة الله العظمی السید الخامنئی (مد ظله العالی):1و3) هذه الأمور تتبع القوانین و الضوابط الخاصة فإن کانت مطابقة للقوانین فلا بأس بها.2) إن کان بإذن المسؤول المعنی و الذی له صلاحیة الإذن شرعا و قانونا فلا بأس به. 
  • هل ورد في الروایات دعاء لطلب المولود الذکر و تسمیته باسم محمد؟
    7737 العملیة 2012/03/08
    ورد الحث في الروایات علی تسمیة الاولاد بجمیع الاسماء الحسنة، و قد ورد الاهتمام في الروایات بالاولاد ذکوراً و اناثاً و لیس فیها اي الزام علی التأکید علی کون جمیع الموالید ذکوراً (کما في مفروض السؤال). و اذا کان الشخص راغباً في مثل ذلک فیمکنه ان ینوي ...
  • ما هو المقدار الذی یجب تنفیذه فی وصیة الموصی؟
    5209 الحقوق والاحکام 2009/08/06
    أجاب مکتب السید القائد عن السؤال بالآتی:یجب العمل فی کلا الموردین طبقاً لآخر وصیة، و إذا کان المال الموصی به زائداً على الثلث، فلا بد من أن یجیز الورثة التصرف فیما زاد عن الثلث[1].
  • بیان وقائع غزوة تبوک
    6445 تاريخ بزرگان 2011/08/07
    وقعت غزوة تبوک فی السنة التاسعة للهجرة حیث کانت الروم الشرقیة تمثل خط المواجهة مع المسلمین من هذه الناحیة فلما واجهت الامبراطور الرومانیة الطوفان الاسلامی الهادر و عرفت بالروح المعنویة العالیة للمقاتلین المسلمین احتملت أن تکون من أوائل ضحایا تقدم الإسلام السریع، لذلک فقد جهزت جیشا قوامه أربعون ألف مقاتل ...
  • هل یجوز تبدیل محل المرافق الصحیة الى مسجد؟
    5896 الحقوق والاحکام 2010/09/05
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • کیف ینسجم قتل موسى للرجل القبطی مع العصمة؟
    6708 الکلام القدیم 2008/11/01
    جمیع الأنبیاء (على اختلاف درجاتهم) معصومون و على قمة هرم التکامل و القرب من الله تعالى، کما أن لهم واجبات و تکالیف غیر ما للآخرین، بل إنهم یعدون کل توجه لغیر الله المعبود ذنباً عظیماً.و قد وردت توضیحات و آراء عدیدة من قبل ...
  • ما هی المشارکة؟
    5540 الحقوق والاحکام 2010/06/06
    للمشارکة فی الفقه الإسلامی معنیان:1ـ کون شی‏ء واحد لاثنین أو أزید مشاعاً، و هی إما فی عین أو دین أو منفعة أو حق‏. و من أحکام هذا النوع من المشارکة أنه لا یجوز لبعض الشرکاء التصرف فی المال المشترک إلا برضا الباقین.[1]2ـ ...
  • هل یجوز لغیر الرسول الاکرم أن یفسیر کلام الله؟
    8331 التفسیر 2010/07/20
    خلافاً للکتب السماویة الأخرى التی تعرضت للتحریف، لا نشاهد الآن أیّ شیء مخالف للواقع فی القرآن و حتى الذین یعتقدون بمعنى خاص من التحریف، لم یغفلوا عن هذه الحقیقة. إن الله سبحانه و تعالى قد أنزل القرآن الکریم بنص سهل و یسیر لکل المخاطبین، فجمیع الناس قادرون ـ ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281485 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261689 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130493 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    119029 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90360 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62066 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61885 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57968 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53591 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49996 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...