Please Wait
5687
إن موضوع العصمة و التبعیة للأئمة المعصومین (ع) کان مطروحاً منذ عصر الرسول (ص)، لکن یعتبر عصر الإمام الصادق (ع) فریداً من نوعه من بین عصور الأئمة (ع) فالشروط الإجتماعیة و الثقافیة له (ع) لو تتوفّر لأی أحد من الائمة (ع). و ذلک لأن تلک الفترة تعتبر من الناحیة السیاسیة فترة ضعف و تزلزل حکومة بنی أمیة و تزاید قدرة بنی العباس و هذان الفریقان کانا و لمدة طویلة فی حالة صراع و حرب فیما بینهما. و من جهة أخری یعتبر عصر الإمام الصادق (ع) و بسبب الظرف الحاکم آنذاک عصر النهضة الفکریة و الثقافیة أیضاً.
نبحث فی موضوع العصمة و التبعیة للإمام المعصوم (ع) فی قسمین:
الأول: بحث موضوع العصمة فی کلمات المعصومین (ع):
عند التحقیق و البحث فی النصوص الإسلامیة نقف علی إن مسألة عصمة الائمة (ع) و إتباعهم کانت مطروحة فی بدایة عصر الرسالة و زمان الرسول (ص):
1- روی الشافعی ابن المغازلی فی کتاب المناقب بإسناده یرفعه إلی عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): "أنا دعوة أبی إبراهیم" قلنا: یا رسول الله کیف صرت دعوة أبیک إبراهیم؟ قال: أوصی الله عزّ و جل إلی إبراهیم (ع) «وَ إِذِ ابْتَلىَ إِبْرَاهِمَ رَبُّهُ بِکلَمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنىِّ جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِن ذُرِّیَّتىِ قَالَ لَا یَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِین» [1] فاستخف إبراهیم الفرح، قال: یا ربّ و من ذریتی أئمة مثلی؟ فأوحی الله تعالی إلیه أن یا إبراهیم إنی لا أعطیک عهداً لا أفی لک به. قال: یا ربّ ما العهد الذی لا تفی لی به؟ قال: لا أعطیک لظالم من ذریّتک عهداً. قال إبراهیم عندها: یا ربّ و من الظالم من ذریّتی؟ قال له: من یسجد للصنم و من دونی یعبدها. قال إبراهیم عندها: «وَ اجْنُبْنىِ وَ بَنىَِّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنهَّنَّ أَضْلَلْنَ کَثِیرًا مِّنَ النَّاسِ »[2] قال النبی (ص): فانتهت الدعوة إلیّ و إلی علیّ لم یسجد أحدنا لصنم قط فاتخذنی نبیاً و اتخذ علیّاً وصیّا".[3]
2- قال سلیم بن قیس و کان من أصحاب أمیر المؤمنین الخواص حتی الإمام السجاد: قال علی (ع): "إنما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الأمر الذین قرنهم الله بنفسه و بنبیّه، فقال و اطیعوا الله و أطیعوا الرسول و اولی الأمر منکم، لأن الله أمر بطاعة رسول الله (ص) لأنه معصوم مطهّر لا یأمر بمعصیة الله و إنما أمر بطاعة أولی الأمر لأنهم معصومون مطهّرون لا یأمرون بمعصیة الله".[4]
3- أشار أمیر المؤمنین (ع) فی نهج البلاغة الی مسألة العصمة:
الف: فی الخطبة 147 یقول: "لا یخالفون الدین و لا یختلفون فیه". [5] (فلا یمکن أن لا یعرف أحدهم حکماً من أحکام الدین حتی یخالف غیره العارف).
ب: فی الخطبة 131 یقول بعد نفیه بعض الصفات و الخصوصیات عن الإمام (ع): "و لا المعطل للسنة فیهلک الأمة". [6] و من الطبیعی أن هذه العبارات تعلن عن لزوم التبعیة للإمام (ع).
ج: و یقول فی الخطبة 105: "أیها الناس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متّعظ وَ امْتَاحُوا من صفو عین قد ْ رُوِّقَتْ مِنَ الْکَدَر"[7].
فقد بُحثت مسألة العصمة فی روایات المعصومین (ع) فی أبواب مختلفة و نحن نکتفی بهذا المقدار.
الثانی: أما العلل و العوامل التی أدّت إلی أن المسائل العقائدیة تطرح فی زمن الإمامین الباقر و الصادق (ع) أکثر من باقی الائمة فنذکر ها بشکل مختصر. فمن الناحیة السیاسیة، أن فترة الإمام الباقر (ع) و خصوصاً الإمام الصادق (ع) هی فترة ضعف و تزلزل حکومة بنی أمیة و تزاید قدرة بنی العباس. و من حیث أن بنی أمیة کانت فی تلک الفترة متورّطة بالمشاکل السیاسیة الکثیرة لذلک لم تکن عندهم الفرصة الکافیة للضغط علی و أئمة الشیعة (ع) و الحاق الاذی بهم (مثل الإمام السجاد).
أما العبّاسیون فقد رفعوا شعار الدفاع عن أهل بیت النبی (ص) و الأخذ بثأرهم قبل وصولهم إلی الخلافة و فی الحقیقة ان وصولهم إلی الخلافة کان تحت هذا الشعار، لذلک لم یذکر التأریخ أی ضغط من قبلهم علی الأئمة (ع) فی ذلک الوقت، فمن هذه الجهة، کانت هذه البرهة من الزمن تعتبر فرصة جیّدة جداً للنشاط العلمی و الثقافی للأئمة (ع) و من جملة الأمور التی کان لها أثر کبیر فی تحقّق هذه المسألة هی الشروط الثقافیة الخاصة و تعامل الفرق و المذاهب.[8]
[1] البقرة، 124.
[2] إبراهیم، 35-36.
[3] السید إبن طاووس، علی بن موسی، الطرائف، ج1، ص78، مطبعة الخیام، قم، 1400ق.
[4] سلیم بن قیس، أبو صادق، کتاب سلیم بن قیس، ص884، إنتشارات الهادی، قم، 1415 ق.
[5] نهج البلاغة، ج1، ص206، إنتشارات دار الهجرة، قم.
[6] نفس المصدر، ص189.
[7] نفس المصدر، ص153.
[8] لمزید من المعلومات ر.ک: الإمام، مهدی، سیرة الأئمة، ص353، مؤسسة الإمام الصادق (ع)، قم، 1415 ق.