بحث متقدم
الزيارة
8048
محدثة عن: 2009/05/04
خلاصة السؤال
لماذا یجب التقلید من مرجع واحد بالخصوص؟
السؤال
یقبل البعض أصل مسألة التقلید،و لکن الشبهة التی تحصل لدیهم هی، لماذا التقلید من مرجع واحد بالخصوص؟ و کیف تثبت هذه المسألة عن طریق الأحادیث؟
الجواب الإجمالي

من الواضح انه لایوجد حکم یلزم الملکف بالرجوع الى فقیه واحد بل یمکن فی بعض الاحیان الرجوع الى اکثر من فقیه، یقول الامام الخمینی (قدس): اذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّر العامی فی الرجوع الی أیّهما کما یجوز له التبعیض فی المسألة یأخذ بعضها من أحدهما و بعضها من الآخر.

الجواب التفصيلي

من الملاحظ انک اعتبرت مفروض السؤال امرا مسلّماً به و مفروغا عنه ثم شرعت بالمطالبة بالدلیل علیه، الا ان حقیقة الامر لیست کذلک لان رأی کثیر من الفقهاء الکبار هو ان التمایز و الإختلاف الحاصل بین المراجع فی ظروف خاصة لا إنها غیر صحیحة بل هی لازمة فی بعض الحالات، و علیه یجب ذکر الفتاوی فی هذا الصدد و بعدها نذکر بعض الأدلة فی هذه المسألة:

افتی الإمام الخمینی(ره) بانه:" اذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّر العامی فی الرجوع الی أیّهما کما یجوز له التبعیض فی المسألة یأخذ بعضها من أحدهما و بعضها من الآخر.[1]

یقول السید القائد علی الخامنه ای:" لا اشکال فی التبعیض فی التقلید، بل اذا کان کل من الفقیهین اعلم من صاحبه فی موضوع خاص یلزم تقلیده".[2]

و هناک رأی آخر یقول: إذا کان مجتهدان احدهما أعلم فی أحکام العبادات و الآخر أعلم فی المعاملات فالأحوط تبعیض التقلید.[3]

و ایضاً هناک من ذهب الی انه: إذا کان هناک مجتهدان متساویان فی العلم کان للمقلّد أن یقلّد أیهما شاء و یجوز التبعیض فی المسائل.[4]

و علیه فان ما جاء فی متن السؤال من وجوب تقلید شخص واحد فی جمیع المسائل لیس مقبولاً عند أکثر المجتهدین و لکنه یجب أن نفرق بین التبعیض و العدول و لا نعتبرهما متساویین و سنذکر شیئاً ملخصاً حول هذه المسألة. و لتوضیح الامور التی قلنا یجب ذکر بعض النقاط:

1. انه یمکن الاشارة الى ادلة التقلید بالنحو التالی:

الف: نحن نعلم یقیناً انه فی کل مسالة یوجد هناک حکم عن طریق الشارع و لو بشکل کلی.

ب: نحن نعلم ایضاً ان الفقهاء قد عیّنوا من قبل الأئمة (ع) بعنوان کونهم الحجج و المبیّنین للأحکام فی عصر الغیبة.[5]

ج: قد علم من الروایات(فی زمان الغیبة الکبری) انه لم یعیّن عالمً خاصً لهذا العمل بل ذکرت خصوصیات و ممیّزات هؤلاء العلماء فقط.

د: لا نستطیع ان نقلّد جمیع العلماء لأنهم مختلفون بینهم فی بعض المسائل و لا یمکن ان نقلّد شخصاً غیر معیّن منهم لأنه فی الحقیقة لا یوجد شخص غیر معین؛ کذلک لایمکن عدم التقلید بحیث یعمل کل علی شاکلته و هواه لانه  غیر معقول و مخالف لسیرة المسلمین.

و علی هذا الأساس یجب ان ننتخب أحد هؤلاء لأجل التقلید مع الأخذ بعین الاعتبار الخصوصیات المذکورة فی الروایات، و انتخابنا هذا هو الذی یُقرّر مصیرنا.

ه: بعد ان ننتخب شخصاً و نقلّده فی موضوع ما، فلا یمکننا بعدها ان نقلد آخر فی نفس الموضوع لأن تقلید اثنین فی موضوع واحد غیر ممکن إلا ان تکون فتوی المجتهد الأوّل مطابقة لفتوی المجتهد الثانی او عُلم بأن الثانی أعلم من الأول و کان تقلیدنا من الأول لیس صحیحاً من الأساس.[6]

2.یجب القول فی الفرق بین التبعیض فی التقلید و العدول (الرجوع) عن التقلید:

الف: التبعیض یعنی انه نفرض تساوی العلماء او تخصص بعض من هؤلاء فی موضوعات و تخصص آخرین فی مسائل اخری. فنحن ابتداءً نقلد فی بعض المسائل مجتهداً و نقلد مجتهداً آخر فی مسائل اخری التی افتوا فیها، و هذه الطریقة من التقلید کما قلنا لا عیب فیها.

ب: العدول بمعنی انه قد قلّدنا مجتهداً فی موضوع ما سابقاً و الآن نُرید ان نقلد مجتهداً آخر فی نفس الموضوع و هذه الطریقة لیست کالطریقة السابقة و یعدُّ ذلک غیر صحیح عند اغلب الفقهاء، الا فی بعض الحالات الخاصّة التی ذکرها الفقهاء.

یقول الإمام الخمینی(ره) : یجوز العدول بعد تحقق التقلید من الحی إلى الحی المساوی‏ و یجب العدول إذا کان الثانی أعلم على الأحوط..[7]

فمن الطبیعی اذا لم نطمئن ان المجتهد الثانی أعلم او علی الأقل متساوی مع الأول فلا نستطیع ان نعدل و نغیّر التقلید بغیر دلیل.

و قد ذکر بعض الفقهاء هذه القضیّة بهذا الشکل: لا بأس بالتغییر للمرجع و المجتهد قبل العمل بالمسألة،و اما بعدها فغیر جائز.

و یمکنه مراجعة هذه القضیة الی سؤال 1335 فی نفس الموقع.

3. فی بعض الموارد التی نقلد فیها الأعلم و لکنه لیس عنده فتوی صریحة فی قضیة ما،و انما هو قائل بالإحتیاط، فحینئذ إما العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلى الغیر الأعلم فالأعلم‏.[8] و ان هذه الطریقة یمکن اعتبارها مسامحة نوعا من التبعیض فی التقلید.

4. هناک نقطة اخیرة یجب الإهتمام بها هو ان الإنسان المؤمن لا یستغل القضیة ای جواز التقلید أکثر من مجتهد فیجعلها ذریعة لیراجع فی ای موضوع له میل و حب بالفتوی التی یراها تفیده و تدخل فی مصلحته الخاصة المجتهد الذی یصدر تلک الفتوی و علی سبیل المثال: اذا کنا نقلد مجتهداً و یفتی بعدم تضرر الصائم باستعمال التبغ(الدخان) بحیث عملنا بتلک الفتوی. و هذا لا بأس به، و اذا کنّا نقلد مجتهداً یقول بإبطال الصوم فی حال استعمال التبغ لکننا لحبّنا و طبعنا الخاص نترک هذا و نذهب الی المجتهد الذی یجیز استعماله فنقلده فی تلک المسألة. هنا لا یصح ان یسمّی ذلک تقلیداً فی الحقیقة و انما نخلق حالة من التبریر لأعمالنا من خلالها.[9]



[1]. الخمینی، سید روح الله، تحریر الوسیلة، ، ج 1 ص، 6، مسآلة 8، مؤسسة دار العلم، قم، الطبعة الثانیة.

[2] الخامنه ای، سید علی،اجوبة الإستفتائات،ج 1، ص10، سؤال 17، دار النباء للنشرو التوزیع، الطبعة الأولی 1420 ه ق.

[3] الیزدی،سشید کاظم، العروة الوثقی، ص 38، المسألة 47. مؤسسة النشر الإسلامی،1420 ه ق، الطبعة الأولی .

[4] الحکیم، سید محسن، مستمسک العروة الوثقی، ج 1، ص 31، مکتبة السید المرعشی، 1404 ه ق 

[5]. الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ،ج 27، ص140، الروایة 33424، مؤسسة آل البیت، قم 1409 ه ق.

[6] هذا الإستدلال هو خلاصة من شروح المرحوم سید محسن الحکیم فی الصفحات 13و14 من المجلّد الأول لکتاب مستمسک العروة الوثقی.

[7] تحریر الوسیلة،ج 1، ص 6، المسألة 4.

[8] نفس المصدر،ج 1، ص 11، المسألة 34.

[9] مسألة التدخین هی مثال فقط و الا هناک امثلة کثیرة مماثلة لها.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...