Please Wait
9042
الذنوب و المعاصی أشبه بمستنقع و وحل آسن کلما انغمس فیه الإنسان فقد الإحساس برائحته و الشعور بعفنه لأن إحساسه بالشم یتلاشى شیئاً فشیئاً، و لم یشعر بأنه یغرق بشکل تدریجی فی هذا المستنقع، و من جهة أخرى فإن إرادة الإنسان الجدیة و تصمیمه على الخروج من هذا المکان الموبوء یعد انتصاراً بحد ذاته. و الذی یصل إلى هذه المرحلة من مراحل الانتصار علیه أن یضاعف سعیه و کدحه لتقویة هدفه فی ساحة الصراع مع الذنوب و المعاصی حتى یتمکن من الانتصار فی المراحل المقبلة.
و أما ما یخص الطرق التی یمکن اتباعها لتقویة الإرادة و الأهداف على سبیل مقارعة المعاصی و الذنوب، فبالإمکان الإشارة إلى ما یلی:
1- التوجه إلى مضار الذنوب و مفاسدها
2- التوجه إلى قیمة الشخصیة و مکانتها
3- التوجه إلى عظمة الله و مراعاة أوامره و نواهیه، و ان یعلم الانسان انه بای امر عظیم یضحی من اجل لذة عابرة.
4- التعامل مع قیمة مجاهدة النفس و مقاومة الذنب کعمل معنوی ینطوی على لذات روحیة و معنویة حین الانتصار.
إضافة إلى ذلک لابد من الابتعاد عن أجواء الوحدة و الخلوة و ملئ أوقات الفراغ من خلال رسم برنامج لممارسة الأعمال المفیدة کالمطالعة و الریاضة و قراءة القرآن و حفظه، العبادة، الصوم، مصاحبة المتدینین و بناء النفس و ... کل ذلک یهیئ الأرضیة الصالحة للتوبة و الإقلاع عن الذنوب.
و فی حال کونک غیر متزوج فمن اللازم المبادرة إلى إشباع الغریزة عن طریق الحلال، و ذلک ما یساعدک على بلوغ أهدافک بشکل کبیر.
و المسألة الهامة فی هذا المیدان أن لا یکون الإنسان یائساً من رحمة الله و الاستعانة به و التوکل علیه. و أن لا یتغلب علیک القنوط بسبب الرجوع المتکرر عن التوبة، فیکون ذلک باعثاً على الشلل النفسی و الوهن فی الإرادة، و لابد من اتباع الطرق التی أشرنا إلیها آنفاً للقضاء على هذه الظاهرة، و إننا على اعتقاد جازم بأن لطف الله و رحمته و أخذه بید عبده سوف تنتهی بک إلى النصر فی صراعک المقدس فی هذا المیدان.
الذنوب و المعاصی بمثابة المستنقع الموحل الآسن إذا ما مکث الإنسان فیه مدة یفقد إحساسه و شمه للروائح التی تملأ أجواء المکان، و کلما انغمس الإنسان فی وحل الذنوب و عفنها أکثر، کانت إصابته بأمراضها أشد، حتى یصل إلى مرحلة یفقد فیها إرادته و قدرته على النجاة، و لم یعد باستطاعته الخلاص حتى لو تولدت له الرغبة فی ذلک.
و من جهة أخرى، فأیاً کان المکان الذی یصل إلیه الإنسان فی مستنقع التیه و الضلال فإن قراره بالعودة و الإقلاع و تصمیمه على تلافی الماضی و جبران ما فات و حث الخطى للوقوف بوجه هذا الانحدار و التدهور، یعد وقوفاً ذا قیمة للحد من حجم الأضرار، و هذا الأمر هو انتصار کبیر بحد ذاته، و منطلقاً لتحقیق الانتصارات الآتیة.
و إن التوجه إلى قبح هذه الأفلام و بشاعتها و کونها من قبیل التلوث بالذنوب و الآثام و فی هذا المرحلة دلیل على یقظة ضمیرک و وجدانک من جهة، و عنایة الله و لطفه بک من جهة أخرى. و إن التصمیم على التوبة و العودة و البحث عن طریق الحل فی هذه المرحلة یعد انتصاراً کبیراً على النفس، کما أنه مرحلة من مراحل التوبة ذات القیمة الکبرى.
و لکن لابد من العلم أن للتوبة مراتب:
1- العزم على ترک الذنب
2- فعل الترک عملیاً
3- جبران الماضی (بکسب الفضائل الأخلاقیة و القیام بالأعمال الحسنة)
و نحن نبارک لک هذا العزم و الإرادة و التصمیم على ترک المعصیة فی هذه المرحلة، و لکن علیک أن تتحول إلى المرحلة الثانیة بأسرع وقت و علیک أن تکون على علم و وعی کامل لأسباب ترک الذنب و الابتعاد عن المعصیة، و لماذا تقوم بمثل هذا العمل؟ و ذلک إذا لم یصاحب العمل هدف واضح و مشخص فمن البعید أن یحصل التوفیق، لأن للذنب جاذبیة قویة. کما یقول الإمام الصادق (ع): «الجنة محفوفة بالمکاره و جهنم محفوفة باللذات والشهوات». [1]
و علیه فلابد من وجود هدف أقوى من جاذبیة الذنوب و إغرائها و إذا لم یکن لک مثل هذا الهدف علیک إیجاده فی نفسک و السعی بکل جهد لتقویته و تنمیته.
و هنا یلزم أن نشیر الى بعض الطرق المؤدیة إلى تقویة الهدف فی ساحة مقارعة الذنوب و المعاصی:
1- المطالعة من أجل الحصول على الاطلاع الکافی و المعرفة الکاملة بأضرار الذنوب و عواقبها الوخیمة. فمن المسلم أن اطلاع الإنسان على أضرار الذنوب التی لا تعد و لا تحصى فی العاجل و الآجل له أثر کبیر فی عزمه و إرادته و تصمیمه على ترکها و الإقلاع عنها.
2- توجه الإنسان إلى شخصیته و مکانته فی المجتمع، و أنه خلیفة الله فی هذه الأرض، و أن ارتکاب الذنوب و المعاصی ینحدر به إلى السقوط و الانحدار.
3- التوجه إلى عظمة الله و مراعاة أوامره و نواهیه، و الإحساس بأنه حاضر ناظر لکل حرکات الإنسان و سکناته، و الذنوب لا تناسب محضر القدس الإلهی.
4- الإیمان بأن الشاب المسلم فرد مؤثر فی مجتمعه، و بإمکانه أن یترک آثاراً هامة فی المجتمع إذا ما سلک سبیل مجاهدة النفس و مقاومة الذنوب و المعاصی، و لا یقتصر دوره على إنقاذ نفسه و وقایتها و إنما یمتد إلى انتشال الآخرین و تحریرهم من أسر الذنوب و آصارها.
5- یجب الانتباه إلى مسألة هامة و هی أن الله تعالى إذا حذر عباده و نهاهم عن عمل ما فلابد أن یکون الإتیان بهذا العمل ضاراً بالعبد و یترتب علیه الخسران و الهلاک، و إن خالقنا الرحیم لا یمکن أن ینهانا عن الأعمال المفیدة التی تجلب خیرنا و سعادتنا و علیه فإذا ما نهانا عن إشباع الغریزة الجنسیة من غیر طریق الزواج الشرعی، [2] و أعد لمن یخالف هذا النهی عذاباً فی الدنیا و الآخرة، کل ذلک لما فیه من ضرر و خسران فی الدارین و إذا کان العبد محباً لربه یجب علیه أن یطیع أوامره، و إذا کان - و العیاذ بالله - لا یحب الله، فعلى أقل تقدیر أن یقلع عن هذا العمل اتقاءً لما یصیبه من أضرار حین ممارسته.
6- التوجه إلى أن لذة الذنب سریعة و قصیرة، بینما تبقى تبعاتها مستمرة و عواقبها ثابتة، و لیس لعاقل أن یضع نفسه فی أسر الضرر المستمر الدائم من أجل لذة عابرة قصیرة.
7- التوجه إلى أن التلوث و السقوط فی أودیة الذنوب شیمة العاجزین ممن لا یعرفون فن الحیاة الصحیح، فلا یکون عملهم عملاً ذا قیمة، و إنما قیمة الإنسان و منزلته تکمن فی مجاهدة النفس و صدها عن هواها و مقارعة الشیطان و الخلاص من حبائله، و إن مجرد دخول هذا المیدان و خوض هذه المعرکة یعد انتصاراً کبیراً.
مع الالتفات إلى النقاط المتقدمة لابد من الابتعاد عن أجواء الخلوة و الأماکن التی تتهیأ فیها وسائل الذنب، و ملء أوقات الفراغ بالأعمال المفیدة، مثل الریاضة و قراءة الکتب المفیدة کقراءة القرآن و حفظه، و الارتباط بالأفراد المتدینین ممن استطاعوا بناء أنفسهم و إعدادها، و الصوم، إضافة إلى تلقین النفس و محاورتها و الإصرار على الاعتقاد بالقدرات الذاتیة فی سبیل التقدم و الارتقاء فی هذا الطریق.
و فی حالة کونک غیر متزوج، فعلیک الإقدام السریع على إشباع غریزتک بطرق الحلال، و ذلک مما یساعدک على بلوغ أهدافک التی ترسمها لمسیرک. [3]
إن مقاومة الذنوب و وساس النفس و الشیطان أمر على درجة من الصعوبة، و لکنه مع ذلک ذو قیمة عالیة و فیه لذة و نشوة، خصوصاً فی حالة الانتصار، و هی لذة لا یمکن أن تقاس بها لذة أخرى، کما یقول الشاعر:
لو کنت تعلم اللذة التی فی ترک اللذة
لما حسبت لذة النفس لذة
إذن فعلیک أن تسعى إلى تقویة إرادتک و أهدافک من أجل ترک هذا العمل الضار، و لابد أن تعلم أن معک معیناً و مساعداً قویاً و رحیماً و هو الله سبحانه و تعالى الذی یغفر لنا ذنوبنا عندما نعود إلیه و نتوب توبة واقعیة و یأخذ بأیدینا و نحن نسعى فی جهاد النفس و مقارعة الذنوب و ذلک من خلال طرق و وسائل لا تعلمها و لا تخطر فی أذهاننا.
کما لا ینبغی أن یعتریک الیأس فی هذا الطریق، و یلزم أن تطلب الإعانة و المدد من الله تعالى، لا یضیرک عزمک المتکرر على التوبة و عدم الالتزام العملی بها، و لا ینعکس على إرادتک و عزیمتک، استجمع قواک و شد من عزمک و اتبع الطرق المتقدمة و قاوم هذه الظاهرة، و نحن على یقین من قدرتک و انتصارک فی هذا المیدان إن شاء الله، و نسأل الله لک کل الموفقیة و الفلاح.
[1] وسائل الشیعة، ج 15، ص 309، باب 42 (باب وجوب اجتناب الشهوات و اللذات المحرمة).
[2] «فَمَنِ ابْتَغَی وَرَاءَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ العَادُونَ»، المؤمنون، 7.
[3] للاطلاع الأکثر، راجع موضوع: الاستمناء و طریقة التخلص منه، رقم السؤال 1399 (الموقع: ۱۸۶۴).