بحث متقدم
الزيارة
7272
محدثة عن: 2010/11/09
خلاصة السؤال
کیف یمکن أن یرسل طعام و فواکه من الجنّة الی السیدة مریم(س)؟ و هل یمکن لسکنة الجنة أن یعودوا الی الدنیا؟
السؤال
1. هل صحیح أن السیدة مریم(س) کان یصلها طعام و فواکه من الجنة؟
2. کیف یمکن أن تنزل الاشیاء من الجنة الی الأرض؟ لأن الله یقول فی القرآن ان کل ما فی الجنة فهو دائمی و أبدی؟ و لو قبلنا بامکان نزول أشیاء من الجنة الی الأرض، یطرح سؤال آخر و هو هل ان سکنة الجنة یمکنهم أیضاً العودة الی الدنیا؟
الجواب الإجمالي

بملاحظة القرائن و الشواهد الموجودة فی الآیات و الروایات فإن طعام السیدة مریم کانت تحصل علیه مباشرة من الله من الجنة و من دون دخالة وسائط مادیة.

و ما هو موجود فی التعالیم الدینیة هو أبدیّة حیاة الناس فی الجنة و تنعّمهم الدائمی بنعمها و لذّاتها- و ان نعمها قابلة للتجدّد –و لذلک فلا یتصوّر لها نهایة.

و علی هذا الأساس، أولاً: فان تناول مریم من طعام الجنة لا یتنافی مع أبدیة نعم الجنة. و ثانیاً: یحتمل أن یکون طعامها من جنّة البرزخ، و ینبغی أن یعلم بأن الرجوع من الجنة البرزخیة الی الدنیا لیس محالاً، و لکن بعد انتهاء الدنیا و انکشاف الوضع النهائی للناس، فلا تکون هناک دنیا لکی یمکن الرجوع إلیها.

الجواب التفصيلي

ینبغی فی هذا السؤال عن عدة جوانب:

الأول: هل أن الطعام الذی کان النبی زکریا یراه عند مریم کان یؤتی به من الجنة؟ الثانی: هل أن طعام الجنة یجب أن یکون أبدیاً، أو أنه من الممکن أن یکون قابلاً للتبدل و التغیّر کما هی الأشیاء الموجودة فی العالم المادی؟

الثالث: هل یمکن رجوع الناس من الجنة الدنیا أو لا یمکن؟

و نتعرّض الآن للإجابة بهذا الترتیب:

1-                  فیما یتعلّق بالقسم الأوّل نقول: ان القرآن الکریم یقول حول طعام السیدة مریم: "کلما دخل علیها زکریا المحراب وجد عندها رزقاً قال یا مریم أنّی لک هذا قالت هو من عند الله ان الله یرزق من یشاء بغیر حساب". [1]

و لکن ما هو نوع هذا الطعام و من أین جیء به الی مریم؟، إن ذلک لم یذکر فی هذه الآیة، و لکن یستفاد من روایات متعددة مذکور فی کتب الحدیث أن هذه السیدة الإلهیة کان طعامها فواکه فی غیر ألوانها تُوضع فی محرابها بأمر الله. [2]

و هذا الأمر لا یدعو الی التعجب من أن یرزق الله عبده التقیّ بمثل ذلک، و لکن بعض المفسّرین (مثل صاحب المنار) یری أن (رزقاً) هو طعام الدنیا المعتاد، لأنه نقل عن "ابن جریر" أنه أصاب بنی إسرائیل القحط و لم یکن زکریا قادراً علی توفیر مستلزمات الحیاة لمریم، فأوقعوا القرعة فخرجت باسم رجل نجّار فکان یأتی بطعام مریم من کسبه، و حینما کان زکریا یدخل علی محرابها کان یتعجب من وجود مثل هذا الطعام فی تلک الظروف الصعبة فکانت مریم تجیبه:"و من عند الله" أی أن الله قد سخّر رجلاً مؤمناً للقیام بهذه الخدمة فی هذه الظروف الصعبة.

و هذا التفسیر لا ینسجم لا مع القرائن الموجودة فی الآیة، و لا مع الروایات الواردة فی ذیلها فقد نقل فی تفسیر العیّاشی روایة عن الإمام الباقر (ع) تقول: "أن رسول الله (ص) دخل علی فاطمة الزهراء (س) یوماً فرأی عندها جفنة من خبز و لحم قال: یا فاطمة (أنی لک هذا)؟ قالت: هو من عند الله إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب، فقال رسول الله (ص) ألا احدّثک بمثلک و مثلها؟ قال: بلی قال: مثل زکریا إذ دخل علی مریم المحراب فوجد عندها رزقاً قال: یا مریم أنی لک هذا قالت هو من عند الله ان الله یرزق من یشاء بغیر حساب". [3]

و یستفاد هذا الأمر (و هو کون رزقاً من طعام الجنة) أیضاً من القرائن الموجودة فی الآیة، و ذلک أولاً لأن کلمة "رزقاً"بالتنکیر تدلّ علی أنه کان رزقاً خاصاً و غیر معروف لزکریا.

و ثانیاً: ان جواب مریم بقولها "و من عند الله" دلیل آخر علی هذا الأمر. و ثالثاً: ان اندفاع زکریا و طلبه من الله الذریة – و هو ما اشیر الیه فی الآیة اللاحقة- هو قرینة أخری علی هذا المعنی. [4]

و من جانب آخر فقد ثبت فی علم الکلام فی باب التوحید الأفعالی أن الله تعالی قادر مطلق و أن الخلق و الرزق و الاحیاء و الإماتة و الغنی و الفقر و العزّة و الذلّة و الصحة و المرض و ... هی بید قدرته، غایة الأمر أن الافاضة أحیاناً تکون بتوسیط الأسباب العادیة (الأسباب الاختیاریة و غیر الاختیاریة للبشر) و أحیاناً تکون من دون الأسباب العادیة، مثل خلق آدم و حواء و ... و المعجزات الصادرة من الأنبیاء هی من هذا القبیل أیضاً فهی علی خلاف العادة و کذلک کان رزق السیدة مریم علی خلاف العادة و بدون أسباب ظاهریة. [5]

و فیما یتعلّق بالقسم الثانی من سؤالکم فینبغی أن یقال: هناک قاعدة مسلّمة فی عالم المادة تقول: إن المادة و الطاقة لا تفنی أبداً بل یتحوّل أحدهما الی الآخر و هی تظهر فی أشکال مختلفة، و من ذلک: الطعام الذی یتناول بصورة عادیة فی هذه الدنیا فإنه بعد أن یتحول قسم منه الی طاقة و مادّة فی داخل الجسم، و الباقی منه یخرج جسم الإنسان بالتغوّط و التعرّق.

و لکن لیس هناک دلیل علی أن هذا النظام هو الطریق الوحید لتبدیل المواد. و علی الأقلّ فإنه لیس من المحال عقلاً أن تکون هناک طریقة أخری یتمّ فیها التخلّص من التعفّن الموجود فی الفضلات الخارجة، أو تحویل جمیع المادة المستهلکة الی طاقة.

و فیما یتعلّق بعالم الآخرة فینبغی أن نعلم ان الآیات و الروایات التی تشیر و تؤکّد علی الحیاة الخالدة للبشر فی الجنة و ان نعمها و لذّاتها دائمیة، لیس معناها أن تکون الأطعمة التی یتناولها أهل الجنة دائمیة أیضاً، بل هناک أدلّة علی خلاف ذلک.

فقد نقل زید بن أرقم أنه قال رجل لرسول الله (ص): یا أبا القاسم أ تزعم أن أهل الجنّة یأکلون و یشربون؟ قال: نعم و الذی نفسه بیده ان أحدهم لیعطی قوة مائة رجل فی الأکل و الشرب. قال: فإن الذی یأکل تکون له الحاجة و الجنة طیب لا خبث فیها!. قال: عرق یغیض من أحدهم کرشح المسک فیضمر بطنه". [6]

و بعبارة أخری: إن نعم الجنة لیس لها انتهاء، و لکن التغییر و التبدّل فیها ممکن. و بملاحظة ما تقدّم ذکره و نظراً لقدرة الله فإن إهداء أطعمة الجنة إلی أشخاص مصطفین فی هذه الدنیا لیس فیه أی اشکال.

و فیما یرتبط بالقسم الثالث من سؤالکم حول رجوع أهل الجنة الی الدنیا، فینبغی أیضاً أن یقال: هناک معنیان علی الأقل فی مورد الجنة و النار فی النصوص الإسلامیة: الأول: الجنة و النار التی تبدأ بعد موت الإنسان فی عالم البرزخ. حیث ورد فی روایة أن قبر کل إنسان إمّا روضة من ریاض الجنة أو حفرة من حفر النار. [7] و بملاحظة الموارد التی تتحدّث عن إحیاء الموتی فی القرآن [8] فإن رجوع الناس من مثل هذه الجنة یکون أمراً ممکناً.

الثانی: الجنة و النار التی یذهب إلیها الناس بعد نفخ الصور و حساب الأعمال. و الخروج من هذه الجنة غیر ممکن بتصریح القرآن الکریم. [9] و لن تکون هناک دنیا-أساساً- لکی یرجع إلیها.

انظر الموضوعات التالیة حول الجنة عسی أن تکون نافعة:

1- وجود الجنة و جهنم فی الحال الحاضر،1766 (الموقع: 552).

2- حقیقة الجنة و جهنم، 1945 (الموقع: 1948).

3- کون نعم الجنة غیر مملّة، 3690 (الموقع: 4011).



[1]   آل عمران، 37.

[2]   المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج14، ص195، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.

[3] العروسی الحویزی، عبد علی بن جمعة، نور الثقلین، ج1، ص333، منشورات اسماعیلیان، الطبعة الرابعة، قم 1415 هـ.ق.

[4]   تفسیر الأمثل، ج2، ص530، تفسیر المیزان، ج3، ص273 و274.

[5]   تفسیر الأمثل، ج2، ص530

[6]   بحار الأنوار، ج8، ص149، ح82.

[7]   بحار الأنوار، ج6، ص214.

[8]   آل عمران، 49.

[9]   الحجر، 48.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...