Please Wait
6814
فی الإجابة عن هذا السؤال یمکننا أن نقول:
1ـ المستفاد من مجموع الآیات و الروایات أن قتل (الغلام) لم یکن حادثة و واقعة منبثقة عن الصدفة اومنبثقة عن میل أو هوى أو غضب.
2ـ إن القرآن ذکر الخضر علیه السلام على أنه عبد من عباد الله الذین شملتهم رحمة الله الخاصة وعلمه.
3ـ إن قتل الغلام من قبل الخضر علیه السلام کان بأمر من الله سبحانه و إنه من قبیل إطاعة الأمر و تنفیذه.
4ـ إن إقدام الخضر علیه السلام على قتل الغلام لم یکن نتیجة ملاسنة و شجار متبادلین بینه و بین الغلام، و إنما کان عملاً عن قصد و عمد و لم یکن عن خطأ أو صدفة أو اتفاق.
5ـ إن والدی الغلام کانا مؤمنین، و قد خصهما الله سبحانه بعنایة منه، و إن الخضر علیه السلام کان یخشى علیهما من الضلال و الانحراف بسبب ولدهما.لأن وجود هذا الولد یسبب لهما الکفر و الفساد و الکثیر من الأضرار.
6ـ المستفاد من الآیات المتعلقة بهذه الحادثة، و الروایات التی وصلتنا عن المعصومین علیهم السلام أن الله تعالى أراد أن یستبدل أبوی الغلام المقتول بمولود آخر و لکنه أنثى و لیس ذکراً، و لیکون من نسل هذه البنت عدد کبیر من الأنبیاء، و قد بلغ عددهم سبعین نبیاً على ما تذکر الروایات، و إن وجود الغلام کان مانعاً من حصول هذه البرکات الإلهیة.
7ـ إن الشاب المذکور مبتلى بالکفر الشدید إلى حدٍ ینقطع معه الأمل فی إمکانیة استفادته من نور الهدایة الإلهیة، فقد استحکم فی قلبه الإنکار و العناد و رفض الإیمان، مع کونه إنساناً صالحاً فی الظاهر.[i]
وبعبارة أخرى من الممکن القول: إن جریمة الغلام هی الکفر أو الارتداد الفطری و إن عقاب هذه الجریمة هو القتل.
8ـ إن قتل هذا الشاب کانت له الکثیر من الفوائد و النتائج، من أهمها: الحفاظ على إیمان والدیه، المنع من الإزعاجات و الاضطرابات النفسیة لوالدیه بسبب المشاعر الأبویة التی تحدث لهم، الخروج برأس مرفوع من الامتحان بالنسبة إلى قضاء الله و قدره، الحصول على عطاء البنت و خیرها الذی تحقق إثر مقتل الغلام، إطلاع موسى علیه السلام على حقائق الغیب و الأمور الباطنیة، إقامة الحدود الإلهیة على ید الخضر علیه السلام، وضع حد لتراکم الأعمال و المفاسد التی یمکن أن تضاف إلى صحیفة الغلام فیما لو استمر فی الحیاة، و بالإجمال: (إضلال الوالدین و أذیتهما و غیر ذلک...).[ii]
قبل الإجابة عن السؤال لا بد من الالتفات إلى قضیة ضروریة و هی أن من جملة صفات الکمال الإلهی هی صفة الحکمة (الحکیم) و تتجلى هذه الصفة فی میدانی التکوین و التشریع، و مع أنه بالإمکان أن لا یطلع على ذلک جمیع الناس، إلا أنه من الممکن أیضاً أن یکون عدد قلیل من الناس فی زوایا العالم لهم إطلاع ومعرفة بهذه الأسرار و الحکم. و من جملة هؤلاء الذین شملتهم الرحمة الإلهیة و عمتهم العنایة الخاصة و التعلیم الإلهی اللدنی هو الخضر علیه السلام، و بالإضافة إلى تلقیه هذه الرحمة و العلم الإلهی و التوفیق لإیصال جانب من هذه الأسرار إلى موسى علیه السلام، فهو مأمور بإجراء الحکم الإلهی أیضاً.
و فیما یخص قتل الغلام بید الخضر علیه السلام فقبل أن نبین بعض الحکم فی ذلک و المسائل من خلال الآیات و الروایات التی تذکر هذه القضیة و المتیسرة لدینا، فإننا نشیر إلى المطلب التالی الذی یمکن أن یکون إجابة على بعض التساؤلات:
مع أن صیغة و مادة (غلام) لها عدة معانٍ مختلفة، منها: الخادم، الطفل الصغیر، الرجل الکامل، الذی یراهق البلوغ، لکن المعنى الذی ینسجم مع الآیة 74 و 80 من سورة الکهف ومع الکثیر من الآیات و الروایات هو کون الغلام بمعنى البالغ حدیثاً والذی خط شاربه تواً.[1] ومن هنا یمکن القول: إن الذی قتل بید الخضر علیه السلام هو شاب حدیث عهد بالبلوغ و لم یکن طفلاً صغیراً.
و بالتوجه إلى المسألة أعلاه نتناول الحکمة التی تتضمنها هذه الحادثة:
إن قتل الشاب لم یکن أثر تبادل الکلام و الشجار و الاصطدام الذی یکون ـ عادة ـ مصحوباً بتوتر الأعصاب، و هیجان الغضب، و کذلک لم یکن بباعث هوى النفس و نزعاتها. و إنما هو أمر حدث و کان فاعله قاصداً متعمداً و بتمام وعیه و هدوئه، فلم یتردد الخضر علیه السلام بأی درجة، و علیه فلم تکن هذه الحادثة ولیدة صدفة أو اتفاق أو خطأ.[2] و على الأصول و القواعد المبتنیة على أساس علوم القرآن و کلمات الأئمة المعصومین(ع)، و بلحاظ التحقیق الفلسفی بان الصدفة لامحل لها فی العالم، وان هذا القتل وقع على ید عبد صالح من عباد الله، مشمول بالرحمة و العلم من قبل الذات المقدسة، بکیفیة یقول فیها القرآن: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً}.[3] و من هنا فإن ما قام به الخضر من عمل فی هذه الحادثة إما أن یکون على أساس حکم و أمر إلهی امتثله الخضر و قام بتنفیذه.[4] أو أنه کان بمنزلة احد الاسباب الطبیعیة و التکوینیة تحققت من خلاله إرادة الله.
فمن جانب کان أبوا هذا الشاب مؤمنین و قد خصهما الله تعالى بعنایة خاصة من خلال علمه الذاتی فجنبهما الوقوع فی الفتنة و الکفر و الانحراف الذی کان واقعاً فی مستقبل الزمان فیما لو بقی ولدهما على قید الحیاة.
و على هذا الأساس صدر الأمر إلى الخضر علیه السلام بقتل الغلام و بواسطة هذه العنایة نقلهما الله إلى محل کرامته فی الآخرة.[5]
و على ما تفیده بعض الروایات فقد جرت إرادة الله و عنایته بأن یَرزُق الأبوین مولوداً (بنتاً) مقابل صبرهما و إیمانها، و قد بارک الله بهذه البنت حتى ذکرت بعض الروایات أن الله بعث من نسلها سبعین نبیاً، و هذا عطاء و ثواب أکبر و رحمة أشمل و أوسع.[6]
فالشاب المذکور هو شاب کافر (أو مرتد فطری) و لا أمل لأن یؤثر فیه نور الهدایة الإلهیة، و إن بقاءه على قید الحیاة لا یقتصر على استمراره فی ظلام الکفر و الفسق و الإیغال فیه، و إنما یکون سبباً فی انحراف الآخرین و أذیتهم و خصوصاً بالنسبة الى أمه و أبیه، فقتله إذن على أساس کفره و ارتداده، و لا وجود لدلیل على عودته للإیمان و سلوک الصراط المستقیم و ترک ما کان علیه.[7] و إن الخضر علیه السلام کان على إطلاع و علم کامل بهذا الواقع، و ذلک من خلال علمه اللدنی. مع أن موسى علیه السلام و بحسب الظاهر لم یکن مطلعاً على هذا الأمر. (فمسألة الارتداد الصرف یمکن أن تؤخذ فی هذا المجال کاحد الاحتمالات).
و بعبارة أخرى: فإن مقتل الشاب له فوائد و ثمرات و نتائج عدیدة، تبین أن العمل قد وقع على أساس مدروس و محسوب. و أنه حلقة من حلقات نظام دقیق و لطیف یحکم عالم الوجود، و هو دلیل على حکمة الله سبحانه و قدرته، کما أنه یکشف سراً خفیاً من أسرار عالم الخلق. و من جملة فوائد هذا العلم و ثمراته یمکن الإشارة إلى ما یلی:
ـ إنقاذ والدی الشاب من خطر الانحراف و المنغصات و الإزعاجات التی یمکن أن تحصل لهما من خلال المشاعر و الأحاسیس التی یحملانها إزاء ولدهما.
ـ بالصبر و التسلیم و الرضا مقابل قضاء الله و قدره، خرج الأبوان مرفوعی الرأس من هذا الامتحان و الاختبار بالانصیاع إلى إرادة الله و أمره.
ـ تحققت إرادة الله سبحانه بإعطاء الوالدین بنتاً کانت منشأً للخیر الوفیر و البرکة الکثیرة، و استمرار حیاة الغلام یشکل مانعاً لمثل هذا الخیر و العطاء، و قد أزیل هذا المانع على ید الخضر علیه السلام.
ـ إن وقوع هذه الحادثة بکل تفاصیلها و حضور موسى علیه السلام و شهوده أحداثها بمصاحبة الخضر علیه السلام هی بمثابة النافذة التی فتحت أمام هذا العبد الصالح على العلوم و الأسرار الإلهیة ألقت بنورها على بعض حقائق الغیب و خفایاه، و بسبب ذلک اکتسب موسى علیه السلام قدراً من الکمال و الرشد بمقدار ما أذن له به الله سبحانه. و قد ورد فی القرآن الکریم بخصوص هذا الأمر قوله: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.[8]
ـ إن قتل الشاب من خلال تنفیذ الأمر الإلهی هو خاتمة لصحیفة أعماله السوداء و نهایة لارتکاسه فی الخسران و الرذیلة، و ذلک ما یتحقق بارتکابه المزید من أعمال الشر و العصیان فی أیامه الآتیة فیما لو بقی على قید الحیاة.
و بعبارة أخرى: فإن حادثة قتل الغلام فیها من الثمرات و العوائد لکل من کان له نوع ارتباط بها، للشاب (المقتول) و لوالدیه، و للخضر علیه السلام و صاحبه.
[1] معجم مقاییس اللغة؛ الإفصاح ج1، ص11؛ العین: ج4، ص442؛ فرهنگ بزرگ جامع نوین (الموسوعة الکبرى للثقافة): ج3، ص1127؛ مفردات الراغب؛ أقرب الموارد.
[2] تفسیرالصافی، ج2، تفسیر الآیة؛ بحار الأنوار: ج13، ص288.
[3] الکهف: 65.
[4] تفسیر نور الثقلین: ج3، ص 284؛ بحار الأنوار: ج13، ص288.
[5] الکهف: 80؛ العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج13، ص288.
[6] تفسیر نور الثقلین، ج3، ص286، الحدیث: 170 إلى 173، بحار الأنوار: ج13، ص311، أصول الکافی: ج2، ص83.
[7] تفسیر نور الثقلین، ج3، ص 286، تفسیر الصافی: ج3، ص255، تفسیر مجمع البیان، و تفسیر العیاشی، تفسیر الآیة المذکورة بخصوص قضیة الخضر و موسى علیهما السلام ـ علل الشرایع.
[8] الکهف: 66.