بحث متقدم
الزيارة
6746
محدثة عن: 2007/05/29
خلاصة السؤال
ما المراد من قولهم المجاز قنطرة الحقیقة؟ و ما هو نظر الإسلام فی ذلک؟.
السؤال
ما المراد من قولهم المجاز قنطرة الحقیقة؟ و ما هو نظر الإسلام فی ذلک؟
الجواب الإجمالي

1- هناک و بنظر علماء المسلمین عشق حقیقی واحد فی العالم لا غیر ، و هذا العشق هو لله سبحانه، و إن سائر أنواع العشق الأخرى هی من قبیل العشق الکاذب أو غیر الحقیقی أو المجازی، بل إن إطلاق العشق على غیر العشق الإلهی لیس صحیحاً، و ما سوى العشق الإلهی شوق و لیس بعشق، و خصوصاً العشق باتجاه ما لا یصل إلیه الإنسان، فإنه ما زال بعیداً عن مناله فهو عاشق له، و لکن العشق یخف شیئاً فشیئاً بمجرد الوصول إلى المعشوق المفترض إلى أن یتلاشى بالکامل، بینما لا یحصل ذلک فی العشق الحقیقی، و إنما الحاصل هو العکس فالوصول إلى المعشوق یذکی جذوة العشق و یزید من تأججها.

2- العشق المجازی للسالک و العارف یساعد على تلطیف الروح، لأن العاشق فی توجه دائم نحو المعشوق، و السعی الدائب لامتلاک قلبه، و على استعداد للتخلی عن کل شیء لرضا معشوقه.

3- العشق المجازی یحرر الإنسان من أواصر الدنیا و ارتباطاتها، و یجعل من اهتماماته و توجهات متمرکزةً فی نقطة واحدة و باتجاه واحد، و هذا ما یسهل توجهه إلى المعشوق الحقیقی، و ذلک لأن الآخرین علیهم أن یقطّعوا آلاف العلائق لیصلوا إلى المراد، بینما رفع أصحاب العشق المجازی أیدیهم عن کل شیء، و جمعوا قلوبهم لأمر واحد لیصلوا إلى محل المعشوق الحقیقی.

4- لا یوجد فی البعض الاستعداد الکافی لاشتعال العشق الحقیقی فی قلوبهم مباشرةً و لکن بعد ابتلائهم بالعشق المجازی و عدم الرضا بعد الوصول یتوجهون إلى العشق الحقیقی و یتفهمون ذلک المعشوق الذی یلیق به العشق و المستحق له و هو الله سبحانه.

5- لم یبدِ علماء الإسلام رأیاً قطعیاً بخصوص العشق المجازی، و لکن العرفاء و المتصوفین هم من مؤیدی العشق المجازی على العموم. و لکن عدداً من الفقهاء و المتکلمین یرفضون العشق المجازی و یخالفونه بشدة و یعتبرونه نوع انحراف عن العشق الحقیقی، بل و انحراف عن أصل الدین کما أنهم لم یروا من الصحیح إطلاق لفظ (المعشوق) على الله سبحانه، و یعللون جمیع آثار المتصوفة المنظومة فی مورد العشق الإلهی بالمیول الجنسیة و الإحباط فی میدان العشق المادی.

الجواب التفصيلي

العشق الحقیقی، هو العشق بالنسبة إلى الذات الإلهیة، و أما سائر أنواع العشق فإنها لیست حقیقیة، بل إنها لیست (عشقاً) من الأساس، و إنما هی (شوق) و الفرق بین (العشق) و (الشوق) هو أن الشوق میل لدى الإنسان تجاه ما لم یحصل علیه و لکنه فی حال طلبه، و حین وقوعه فی متناول یدیه فإن هذا الشوق ینحسر شیئاً فشیئاً حتى یخبو و ینطفئ، و هذه خصوصیة کل أنواع الشوق.

أما (العشق) فلا فرق فیه قبل الوصول و بعد الوصول، بل إنه یکون أکثر تأججاً و توهجاً بعد الوصول فضلاً عن الارتواء. فإنه یزداد شدةً و لا یمکن أن ینطفئ او ان یخبو. و هذا العشق مختص بالذات الإلهیة المقدسة، و کل ما سواه فإن الإنسان یشعر بعد تناوله و الوصول إلیه أنه لم یکن بمستوى العشق الذی کان یضمره له، و فی بعض الأحیان یعجب الإنسان و یسخر من سذاجة نفسه و عدم علمه، و لماذا کان یکن هذا القدر من الحب و التعلق لمثل هذا الشیء الذی لا قیمة له.[1]

إذن فالعشق الحقیقی الأصیل الثابت هو العشق الإلهی فقط، أما ما یذهب إلیه بعض العرفاء من أن العشق المجازی و العشق لغیر الله یمثل طریقاً موصلاً إلى العشق الإلهی فلذلک توجهیات و تعلیلات.

یقول ابن سینا فی النمط التاسع من کتاب (الإشارات) فی مورد (مقامات العارفین): إن الشخص المرید بحاجة إلى ریاضة، و للریاضة ثلاثة أهداف، الأوّل: إبعاد غیر الحق عن الحق، الثانی: جعل النفس الأمارة مطیعة. الثالث: جعل الباطن لطیفاً للتنبه و الإطلاع.

ثم یقول بعد ذلک: و یساعد على تحقق الأمر الثالث أمران. أحدهما: لطافة الفکر و صفاءه و الثانی: العشق الطاهر العفیف، الذی تکون شمائل المعشوق فیه هی الحاکمة، لا سلطان الهوى.[2]

إذن یحتمل أن یکون ابن سینا هو أوّل من أشار إلى العشق المجازی بعنوان (قنطرة) و طریق مرور إلى العشق الإلهی للوصول إلى المقامات العرفانیة العالیة، بالنسبة للسالکین فی طریق العشق.

یقول الإمام الرازی فی شرح کلام ابن سینا:

«إن تأثیر العشق فی تلطیف السرِّ من جهة کون مثل هذا العاشق فی توجه دائم لحالات المعشوق فی حرکاته و سکناته، فی حضوره و غیبته، فی غضبه و رضاه، فذهن العاشق دائماً فی استقراء أفعال المعشوق وتعقب أقواله، و من هنا یحصل على ملکة تلطیف السرّ و لذلک ینقل أنهم رأوا (المجنون) فی المنام فقالوا له: ما فعل الله بک؟ قال: إن الله جعلنی حجة على من کان یدّعون محبته».

یقول نصیر الدین الطوسی فی شرح هذه الفقرة من کلام ابن سینا:

«إن العشق المجازی یؤثر فی قلب الإنسان اللین و الرقة و الوجد، و یحرر الإنسان من ارتبطاته و علائقه فی هذه الحیاة الدنیا، کما أنه یحجبه عن کل شیء و شخص غیر معشوقه، و یجعل کل همومه و مراده و میوله و آماله متمرکزةً فی نقطة واحدة، و لذلک یکون توجهه إلى معشوقه الحقیقی أمراً میسراً و أسهل علیه من غیره، لأن الآخرین لابد و أن یقطعوا علائقهم بآلاف المیول و المرادات والهموم و الأهداف، و أما صاحب العشق المجازی فإنه بحاجة إلى أن یعرض عن شیء واحد لیتعلق قلبه بمعشوقه الحقیقی».[3]

و علیه فالعشق المجازی وسیلة، تساعد السالک فی بدایة سیره المعنوی على التنبه و التوجه، و لکن کیف یکون معیناً و مساعداً؟ فذلک ما أشار إلیه الفخر الرازی حیث قال: إن العاشق أکثر توجهاً إلى معشوقه، و هذا التوجه موجب لتلطیف السرّ، و اما الخواجه نصیر الدین الطوسی،فانه یرى ان العشق یؤدی الى قطع کل العلائق مع غیر المعشوق بکیفیة تجعل من وصول العاشق إلى معشوقه الحقیقی أسهل و أیسر، فهو على کل حال یمثل الأرضیة المناسبة للوصول إلى المعشوق الحقیقی.

و یمکن أن یکون المراد بقولهم (المجاز قنطرة الحقیقة) هو أن استعدادات الأشخاص متفاوتة و مختلفة بالنسبة إلى الوصول إلى الکمالات المعنویة، و لا یتیسر لکل شخص أن یهتدی بشکل مباشر إلى العشق الحقیقی، أی العشق الإلهی، و لذلک یکون العشق المجازی بمثابة الحجر الذی یحتضن السالک و یهیئ له الأرضیة الصالحة من خلال فصله و حجبه عن الأمور المختلفة التی تصده و تمنعه من السیر و السلوک فی طریقه إلى المعشوق الحقیقی، فالعشق المجازی یحتضنه ثم یلقی به على طریق السیر و السلوک المعنوی.

و لعین القضاة الهمدانی شعر باللغة الفارسیة یتخذ من قصة مجنون لیلى محورا للانطلاق الى العشق الالهی یقول فیه ما مضمونه: ان الصیاد الازلی[4] اراد ان یصنع لنفسه من قلب قیس بن المعمر(مجنون لیلى) مرکبا للعشق الحقیقی، ولما کان قلب مجنون لایتحمل الوقوع فی شباک جمال العشق الالهی الحقیقی بصورة مباشرة، من هنا تذرع الصیاد لقنص قلب المجنون بان جعله یبحر فی عشق لیلى ویصنع له مرکبا منه لیکون عشق لیلى سببا لاعداد ذلک القلب لتحمل العشق الالهی الحقیقی[5].

رأی علماء الإسلام بالنسبة للعشق المجازی:

لا یوجد فی کلمات الفلاسفة و العرفاء ما یخالف القول بالعشق المجازی، و إنما ما یلاحظ من کلماتهم هو جعل هذا النوع من العشق بمثابة القنطرة و الجسر الموصل إلى المعشوق الحقیقی.

و الکثیر من علماء المسلمین لم یظهروا نظراً و لم یبدوا رأیاً فی المسألة، أو أنهم لم یذکروا حکماً قطعیاً فی القضیة لا على مستوى النفی و لا على مستوى الإثبات و لکن عدد من الفقهاء و المتکلمین أبدوا مخالفتهم لمسألة العشق المجازی، و أکدوا على أن العشق المجازی هو نوع انحراف عن طریق العشق الحقیقی، و إنه یبعد الإنسان عن الله سبحانه و عن القیم المعنویة و أن مثال هذا العشق ما هو إلاّ بدعة ابتدعها المتصوفة. بل إنهم یرون أنه لیس من الجائز استعمال کلمة (عشق) فی محبة الله و الارتباط بالأمور المعنویة، کما أنهم لم یقبلوا استعمال لفظة (معشوق) و إطلاقها على الله سبحانه، بل یرونه أمراً قبیحاً، کما أن البعض لم ینظر إلى شعر المتصوفة و آثارهم فی هذا المجال بالرضا و القبول، و إنما یعلل هذه الأشعار و الأقوال التی وردت فی العشق و المعشوق بالمیول الجنسیة، أو نتیجة الإحباط و الیأس فی میدان العشق المادی.[6]



[1] راجع فی هذا المجال تفسیر سورة الحمد، للشهید مرتضى المطهری، منشورات صدرا.

[2] الدکتور الحسینی، ملکشاهی، ترجمة و شرح الإشارات و التنبیهات لابن سینا، ص 446، الفصل الثامن، منشورات سروش، 1375 هـ . ش.

[3] سید یحیى الیثربی، فلسفه ی عرفان" فلسفة العرفان"، ص332، مکتب التبلیغات الإسلامی فی الحوزة العلمیة، قم، 1374 ش.

[4] کنایة عن الله تعالى.

[5] عین القضاه الهمدانى، التمهیدات، ص 96؛ سید یحیى الیثربی، فلسفه ی عرفان" فلسفة العرفان"، ص326.

[6] انظر: داود الهامی، داورى‏هاى متضاد درباره ی ابن عربى، منشورات مکتبة الإسلام، قم، 1379، ش؛ سید یحیى الیثربی، فلسفه ی عرفان "فلسفة العرفان"، ص351، مکتب التبلیغات الإسلامی، الحوزة العلمیة، قم 1374 هـ.ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...