Please Wait
7338
إن هذا النحو من الثواب لا یعد خدشة فی عدل الله تعالى و لا هو من الإخلال فی التناسب بین العمل و الثواب لأننا لو عرفنا العدالة بالقول: وضع الأمور فی مواضعها المناسبة. فلا بد من التناسب بین العمل و الثواب، و أما ما ذکرتم من الموارد فإن التناسب بین العمل و الثواب موجود، و ذلک لعدة أسباب أولها: إن تلک الروایات ناظرة إلى إعطاء القیمة و الأهمیة إلى تلک العبادات و لیست ترید التقلیل و الانتقاص من قیمة الحج و الجهاد و.. بل من الممکن القول أن مثل هذه الروایات تبین قیمة الحج و الجهاد و أهمیتها و لو بصورة غیر مباشرة و لذلک وضعتهما معیاراً و مقیاساً للعبادات الأخرى، کما أننا نقول فی أحادیثنا العامة أن الشیء الفلانی أصبح کالذهب.
ثانیا: ان الروایات ناظرة الى فرض عدم وجوب الحج او الجهاد او... ای عدم وجود التکلیف الشرعی.
ثالثاً: إن عملیة التناسب لا یقتصر فیها على الجانب الکمی فقط و إنما تدخل فیها عوامل أخرى من قبیل النیة و الخشوع و الاعتقاد و المعرفة بالنسبة للعامل، و لعل هذه العوامل لها من القیمة ما یفوق کمیة العمل فی حساب الثواب، و علیه فإذا کان العمل مقترناً بمثل هذه العوامل فمن الممکن أن یضاهی الحج و الجهاد و... إضافة إلى أن بعض الأدعیة و الزیارات تنطوی على معانٍ و معارف دینیة عالیة، و لها أثر خاص على الجانب الاعتقادی، فمن الممکن أن تکون أکثر قیمة من الأعمال الأخرى التی لا تنطوی على مثل هذه المعارف.
و لا بد من الالتفات إلى أن الإنسان و فی زمنٍ لیس فیه جهاد و لا فریضة حج یکون أکثر عرضةً لوسوسة الشیطان و إغرائه و ما تملیه قوى الضلال، یضاف إلى ذلک میله الطبیعی إلى الشهوات و الملذات، فإذا ما استعاض الإنسان بالدعاء و الصلاة و الزیارة بدلاً من السعی وراء تحقیق میوله و شهواته فإنه سوف یرتقی بروحه إلى مراتب الصفاء و المعرفة و الإخلاص المتقدمة. و قد یکون ذلک أکثر فائدة من الحج و القتال و غیرها.
و أما إذا عرفنا العدالة بالقول: عدم ممارسة الظلم و الاعتداء على حقوق الآخرین، فهنا لا وجود لسلب حق أحد، و على فرض أن الله أعطى لعبده من الثواب ما یفوق عمله، فلیس فی مثل هذا الفرض ضیاعٌ لحقوق أحد، بدلیل أن الثواب تفضل من الله سبحانه و لیس استحقاقاً للعبد.
من خلال بیان بعض النقاط یتضح لدینا تطابق ثواب الأعمال المذکورة مع الأعمال نفسها.
1ـ إن ثواب الله تعالى لا یکون على أساس استحقاق العبد و إنما هو تفضل من الله على أساس سلوک الأشخاص فی الدنیا و قابلیاتهم التی اکتسبوها، فهو من باب اللطف.[1]
و لو لم یعد الله عباده بالثواب لما کان لهم حق فی استحقاق هذا الثواب من الله، و ذلک لأن کل ما قاموا به من أعمال فی الدنیا إنما هو بواسطة و إعانة ما تفضل الله به علیهم من نعمٍ و وسائل. و أما وعد الله لعباده بالثواب فذلک من باب رحمته و حکمته، و یلزم نفسه بإعطاء الأجر و الثواب. إذن فرحمة الله اللامتناهیة و حکمته الکاملة هی التی تعین الثواب و العطاء و مقداره لما یأتی به عباده من أعمال و لیس کما یتوهم ان القضیة تابعة لنوع العمل و حجمه و ما یبذل العامل فیه من جهد؛ و علیه فالزیادة بالأنعام و حتى النقصان لا یخدش فی العدالة الإلهیة، و ذلک لأن هذا العطاء لا یصاحبه الحیف على أحد و لا انتقاص من حقه و إنما هو عطاءٌ أکثر مما یستحق العبد.
2ـ إذا أعطیت الزیارة و الصلاة و الدعاء المستحبة مثل هذا الثواب الجزیل فذلک فی حالة أدائها بشروطها، و نحن نشیر إلى بعض هذه الشروط:
أ ـ الإتیان بجمیع التکالیف الشرعیة و الواجبات. إذن فمن یکون تکلیفه الشرعی الجهاد أو الحج و لکنه اشتغل عن هذا التکلیف بالصلاة المستحبة أو الدعاء أو الزیارة فلا یحرم العبد فی مثل هذا الفرض من الثواب و حسب، و إنما یکون متعرضاً للعقاب و العذاب الإلهی.
ب ـ اشتراط المعرفة و حضور القلب و الإخلاص تعد من عوامل حصول العبد على الثواب الجزیل عند ما یؤدی الصلاة أو الزیارة و الدعاء المستحب کما تقدم[2]. و کما ورد عن الإمام الصادق (ع): «یحشر الناس على نیاتهم یوم القیامة»[3].
و من هنا نفهم أن الثواب الإلهی لا یترتب على ظاهر العمل و حجمه و کمیته، و إنما یکون لنیة العبد و بواعثه للإتیان بالعمل الأثر الأکبر فی الثواب بما یفوق حجمه الظاهری.
و من المعلوم أن بلوغ المعرفة و تحصیل الإخلاص و صفاء النفس إن لم یکن أصعب من الجهاد و الحج فلیس بدونه بلحاظ الجهد و المکابدة. و علیه نجد الکثیر ممن یشارکون فی الجهاد و یذهبون إلى الحج و لکن القلیل منهم أولئک الذین یرتقون إلى قمة المعرفة و التکامل و الإخلاص. و قد وردت روایات کثیرة فی الحث علی زیارة الائمة و خاصة الامام الرضا (ع)[4] یفهم منها أن الإمام (ع) یشخص نوعین من الثواب المترتب على زیارة، و اعتماد ذلک التصنیف یعتمد على کیفیة أداء الزیارة، و لیس هناک من ثواب ثابت و معین للزیارة، و إنما یتغیر الثواب تبعاً لقابلیات الزائر و الشروط المحیطة به.
3ـ إن الکثیر من الأدعیة و الزیارات المستحبة لها أثر کبیر و انعکاس واضح فی زیادة المعرفة و العلم و توطید قواعد الاعتقاد و ترسیخها فی النفس. و قد زود الأئمة علیهم السلام الإنسانیة بمعارف و علوم من خلال الدعاء و الزیارة ما لم یکن ممکناً خارج هذا الاطار و بعیداً عن هذا المعطى العبادی. و علیه فإن إعطاء الأهمیة و القیمة لهذه العبادات المستحبة مما یساعد على إحیاء الجهاد و نشر قیم الشهادة و الحث على الإتیان بفریضة الحج و تقویة الدین و الشریعة و فی الحقیقة وواقع الأمر فإن هذه المعارف و العبادات هی التی تربی المجاهدین و تغری الحجاج.
4ـ عندما لا یوجد الجهاد و لا یکون الوقت وقت أداء فریضة الحج فإن الأرضیة تکون ممهدة لعمل الشیطان و إغراء الدنیا و نشاط قوى الشر و الباطل، کما أن طبع الإنسان یمیل إلى تحقیق الشهوات و اتباع الغرائز، فإذا واظب الإنسان على الدعاء و الصلاة و الزیارة المستحبة فإنه یوفر أرضیة صالحة للارتقاء بنفسه و تقویة إیمانها و اعتقادها و جلب صفائها، إضافة إلى توسعة دائرة معارفه، و لذلک استقبل الرسول الأکرم (ص) عدة من المجاهدین بالقول: «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقی علیهم الجهاد الأکبر، فقیل: یا رسول الله ما الجهاد الأکبر؟ قال: جهاد النفس»[5].
و من المحتمل أن یکون الأئمة قد أعطوا هذه العبادات المستحبة مثل هذه القیمة و بینوا ما یترتب علیها من جزیل الثواب لانتشال الناس من مخالب الهوى و إنقاذهم من إضاعة الوقت و السعی وراء تحقیق المیول و الشهوات التی لا ینالهم منها سوى الذلة فی الدنیا و الآخرة.
و بذلک یضعوهم على طریق التکاسل و السیر باتجاه المعنویة و النورانیة و التحلیق فی سماء القرب إلى الله.
و على أی حال فإن المقصود من هذه الروایات بیان عمق و قیمة هذه العبادات لا التقلیل من قیمة الجهاد و الحج، بل یفهم من فحوى هذه الروایات أن الحج و الجهاد اعتبرا وحدة قیاس و معیاراً لقیمة العبادات الأخرى، کما نستعمل هذا الأسلوب فی محادثاتنا الیومیة و نقول: إن الحاجة الفلانیة کالذهب، تعبیراً عن ارتفاع قیمتها.