Please Wait
6032
لا یخلو الإنسان من اللذة و الألم، فهو یتلذذ ببعض الأشیاء و یتألم من أشیاء أخرى. و تلعب الأخلاق دوراً هامّا فی تنظیم هذه الأمور. ففی ظل المسائل الأخلاقیة یتم تمییز اللذة و الألم الصحیحین من الخاطئین، لکی یقصد الإنسان الصحیح من اللذة و یتجنب غیر الصحیحة.
یمکن تقسیم اللذة الی انواع متعددة بحیثیات مختلفة و لکن یمکن ان
تنقسم اللذة إلى أربعة أنواع وفقا لأحد تقسیماتها: 1 – اللذة الحسیة، 2 – اللذة الخیالیة، 3 – اللذة العقلیة، 4 – اللذة المعنویة.
و أفضلیة اللذة ترتبط بنوع الرؤیة الکونیة للشخص. فالإنسان المؤمن یرى أن الوصول إلى رضا الله هو أسمى درجات اللذة، حتى لو کان الوصول إلیها محفوفاً بالآلام و المصاعب الجسدیة. و طریق الوصول إلى اللذة الأسمى هو أن یجعل الإنسان روحه حاکمة و مسیطرة على جسمه.
حقیقة اللذة هی إدراک أی شیء ملائم و موافق لطبیعة و روحیة الإنسان؛ أی إن إدراک مثل هذه الأمور تجلب اللذة للإنسان، و تتسبب فی سروره و انشراحه. و فی المقابل فإن إدراک الأشیاء غیر المستساغة و المخالفة للأخلاق و لطبیعة الإنسان یتسبب فی الألم، و یؤدی إلى انقباض النفس.
و على هذا الأساس فإن أی إنسان یتلذذ ببعض الأشیاء، و یتألم من بعض آخر منها، لکن تحدید الأشیاء التی تؤدی إلى لذته، و الأشیاء التی تؤلمه یرجع إلى تربیته الأخلاقیة. فالإنسان موجود باحث عن اللذة بالطبع، و یقوم بأعماله من أجل الوصول إلیها، أو على الأقل دافعه نحو القیام بالأعمال هو ما فیها من لذة. و یؤمن البعض بأن اللذة مقتصرة على الملذات الحسیّة و الحیوانیة (الطعام و الجنس) و یظنون أن حیاتهم ستصبح عسیرة إذا تم تحدید لذاتهم الحسیّة، أو طُلب منهم الامتناع عن اللذات المحرّمة إطاعة لأوامر الله سبحانه، و یظن هؤلاء أن المؤمنین المطیعین لله سبحانه یعیشون حیاة صعبة لأنهم حرموا أنفسهم من بعض اللذات المحرّمة، لکن الأمر لیس کما یتوهم هؤلاء؛ لأن اللذات لا تقتصر على الملذات الحسیّة. بل هناک ملذات أسمى و أعلى کثیراً من اللذات المادیة الحیوانیة.
و فی تقسیم عام هناک أربعة أقسام للّذة:
1 – اللذّة الحسیّة: و هی اللذّة الحاصلة للإنسان عن طریق أعضاء الجسم و الحواس الخمسة الظاهریة.
2 – اللذّة الخیالیة: و هی اللذّة الحاصلة للإنسان عن طریق الخیال من قبیل لذة الأحلام. و کذلک التلذذ بالتواجد فی مکان جمیل، و استذکار الذکریات الجمیلة.
3 – اللذّة العقلیة: و تحصل بإدراک الحقائق العقلیة من قبیل الالتذاذ باکتشاف المعادلات الریاضیة و الفیزیائیة، و لذة التعلیم و التعلم.
4 – اللذّة المعنویة و«الروحیّة»: من قبیل اللذة الحاصلة من الأمور المعنویة و عبودیة الله سبحانه. و طبیعی أنه لا ینبغی للعبد أن یقصد اللذّة من الأمور المعنویة و العبادیة، لأن العبادة یجب أن تکون خالصة لله سبحانه، لکن أهل الأمور المعنویة و العبادة تحصل لدیهم لذة لا تقل عن اللذّة المادیة، و تفوقها بکثیر لدى البعض.
و یقسّم العلامة محمد تقی جعفری أنواع اللذات و الآلام إلى قسمین: اللذّة و الألم الجسدی (المادی)، و اللذة و الألم الروحی (المعنوی). و أصول اللذات المادیة تشتمل على اللذات المادیة المباشرة من قبیل الطعام، و الشراب، و اللباس، و اللذات المادیة غیر المباشرة من قبیل لذة المهارة، و اکتساب المحبة، و السیطرة على الآخرین، و لذة التسلیة و الهدوء الفکری، و لذة الحریة. و أصول اللذات المعنویة من قبیل أداء التکالیف و التقرب إلى الذات الإلهیة[1].
أما التفضیل بین اللذات فهذا أمر مرتبط بنوع التفکیر و الرؤیة الکونیة التی یمتلکها الفرد، فوفقاً للرؤیة التی یمتلکها الإنسان المؤمن و الإلهی لا توجد لذّة أفضل من الوصول إلى مقام رضوان الله.
فالمؤمن دائم التفکیر فی عمل الخیر، لا فی اللذّة الحسیّة و النفع الدنیوی. و طبیعی عمل الخیر أحیاناً یکون لذیذاً و نافعاً، و أحیاناً مرّاً و مضراً؛ فإذا قسناه وفقا للموازین الحسیّة و الطبیعیة فهو لیس لذیذاً و لا نفع فیه، لکن العقل یراه خیراً. و یمکن أن نخطو خطوة إلى الأمام حیث إن هناک أموراً لیست غیر ملائمة للحس و المسائل المادیة فحسب، بل إن العقل یعجز عن تشخیص المصلحة فیها؛ لکن الوحی الذی هو مشرف على العقل و معلّمه و مستکشف دفائنه، هو الذی یفهم العقل أن العمل الفلانی خیر، و حینها سیفهم العقل ذلک الخیر و یتقبله، و یأمر بالعمل وفقا له.
و قد أکد القران الکریم على أن المقیاس ینبغی أن یکون هو عمل الخیر، لا النفع و اللذة الظاهریة، و الخیر ما یبیّنه الوحی: «عَسى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ»[2]
و یفهم من الآیة الکریمة أن حقیقة الإنسان تتجسد بالروح و الفطرة، و الجسم و المنافع المادیة أدوات لا أکثر.
طریق الوصول إلى اللذّة الأسمى:
یقول الأستاذ جوادی آملی فی هذا المجال: العاقل، و الزاهد، و العارف، و العابد لله سبحانه الذین تذوقوا طعم الرئاسة و یعرفونها جیدا، هؤلاء قبل أن یتحدثون عن المسائل الاجتماعیة و السیاسیة، یحددون على مستواهم الداخلی الروحی من هو الرئیس و المرؤوس، و یقولون إن الروح یجب أن تکون هی الآمرة و الجسم مطیع لها، و هذه الرئاسة توجب اللذّة، فمثلاً الروح تأمرک بأن تصوم، لکن الجسم یتألم لکنه مع ذلک یطیع، فهنا تستمتع الروح بهذه القیادة للبدن، أو فی أیام الجهاد ضد الأعداء تأمر الروح الجسد، و هو ینفذ أوامرها، و یتحمل مشقة الجهاد و آلام الجراح. و هنا تشکر الروح ربها أننی أمرت فأطاعنی الجسد. و الأمر کذلک حین مقاومة النظر إلى غیر المحارم أو الاستماع إلى الألحان المحرّمة أو الامتناع عن أکل المال الحرام و مئات الأوامر الدینیة الأخرى. لکن الجاهل یسلّط جسمه على روحه، و یجعله أمیراً و رئیساً علیها، و یجلسه على کرسی الحکم، و یجعل الروح الإلهیة أسیرة لجسده.[3]
- [1] راجع: جعفری، محمد تقی، آفرینش و انسان [الخلق والإنسان].
- [2] البقرة، 216.
[3] جوادی الآملی، عبدالله، مبادی اخلاق در قرآن، ص 241.