Please Wait
6658
1. ما السبب الداعی الى الحسد؟ و لماذا کان الانسان حسوداً؟
2. هل یمکن معالجة الحسود؟ و ما هی طبیعة حالة الحاسد؟
3. هل سلوک الناس الآخرین هو الباعث على إثارة صفة الحسد لدى الحسود؟ بمعنى هل لسلوکیات الآخرین دور فی خلق تلک الظاهرة؟
4. ما هو الموقف القرآنی من الحسود؟ و کیف یجب التعامل معهم؟
5. لو فرضنا معالجته ما السبیل للردع عن عودته مرّة ثانیة؟
6. هل الحسود یعم بحسده جمیع الناس أو یختص الحسد بافراد خاصیّن؟ فاذا فرضنا أن یختص ببعض الافراد فمن هم هؤلاء هل الطبقة المقربة منه فقط؟ و لماذا اختص بهم؟ و انما طرحت هذا الفرض لانی وجدت بعض الناس یحسدون أفراداً خاصین؟
7. ما السبیل لعدم الابتلاء بالحسد؟
8. ما هی آثار الحسد؟
9. ما هی نوعیة الاثار و الاضرار التی یصاب بها الحسود نفسه (روحیة أم مادیة)؟ الرجاء تفصیل الجواب فی هذا الفرع.
10. لو لم یصلح الحسود حالته و لم یعالج هذا المرض النفسی عنده، فما هی نوعیة الاثار و الاضرار التی یصاب بها الآخرون؟
11. أی التأثیرین أشد ضرراً الحسود بنفسه او بغیره؟
12. هل یعذب الله تعالى الحسود الذی لم یصلح حاله؟
13. و هل یشمل العذاب من یتوفر على هذه الحالة المرضیة لکنه متذمر منها أیضا، و یعتقد بانها حالة غیر إرادیة لا مدخل له فیها؟
14. هل یعذب بالاضافة الى العذاب الاخروی عذاباً دنیویاً؟
15. ما هی مکانة الحسود و منزلته فی المجتمع؟
16. هل لمعاشرة الحسود انعکاس على حیاتنا؟ و هل من الممکن أن نبتلى بنفس المرض؟
17. هل یختص الحسد بطبقة من البشر کالشباب مثلا؟ أو یعم کافة الطبقات و الاصناف؟
18. ما هو الجواب الذی عرضه علماء النفس لهذه القضیة؟
19. ماذا تعنی مفردة "حسود" الواردة فی القرآن الکریم؟
20. ما هی الحالة المقابلة للحسد؟ الرجاء شرح هذه الحالة.
الحسد عبارة عن تمنی زوال نعمة الغیر. و بهذا یعد من الامراض النفسیة التی تعرض للانسان احیاناً فیتصف بصفة "الحسد" التی اعتبرتها التعالیم الدینیة من أخطر الامراض النفسیة و اقبحها و التی أمر الله نبیه الاکرم (ص) من التعوذ منها هو وسائر المؤمنین کما ورد فی سورة الفلق "قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق .... و من شر حاسد اذا حسد". و قد تعرضنا فی الجواب التفصیلی للاجابة عن کافة الاسئلة المطروحة.
یوصف الانسان بحالات نفسیة مختلفة الاعم من الحالات المعنویة و العرفانیة بل حتى ما یصطلح علیه الیوم بالامراض النفسیه (المنسوبة الى النفس و الروح). و بعض هذه الحالات تتمظهر فی حالات خاصة و تبرز فی بعض الاحیان، و بعضها الآخر قد تلازم الانسان طوال حیاته. بل قد تبقى هذه الحالات مجهولة الاسباب و العوامل الباعثة المؤدیة لها و کذلک المعالجات التی یبنغی اعتمادها فی الخلاص منها، یبقى کل ذلک مجهولا الى نهایة المطاف.
ومن أهم خصائص الادیان الالهیة عامّة و الدین الاسلامی خاصّة هو رصد تلک الحالات النفسیة و تعریف الشخص بها. و لکن نجد -أحیاناً- أن القضیة تتعقد بنحو کبیر جداً بحیث یتصور الانسان المبتلى بها بانه على الحق و انه یحمل صفة حمیدة!! و من هنا یعیش معها فترة طویلة من دون أن یشعر بالحرج منها، بل یسعى لتعزیزها و الحفاظ علیها!!
ومن الصفات و الخصال النفسیة الذمیمة لدى الانسان هی صفة "الحسد" و التی لم یعتبرها الدین الاسلامی مجرد مرض نفسی بل عدها من أقبح الامراض "الحسد شر الامراض". [1] و لقد حاول الاسلام فی معالجة الامراض النفسیة هذه و القضاء علیها بشتى السبل و الوسائل المتاحة، و فی مقدمة البرامج القرآنیة تقع مسألة تزکیة النفس، و تطهیر الباطن من تلک الامراض، العقد و الاحقاد، الظلمات بالاضافة الى معالجة سائر الانحرافات. [2]
بعد هذه المقدمة المختصرة نشرع فی الاجابة عن الاسئلة المطروحة:
حقیقة الحسد:
ینبغی للحاسد أن یلتفت الى أن حقیقة الحسد أولا: هی نوع من عدم الرضا بالقسمة التی قسمها اللّه بین عباده على مقتضى إرادته و حکمته البالغة، فالحسود یقف موقف العناد و التنافر مع الله تعالى؛ و ذلک لان الله تعالى یرى أن فلان شخص مؤهلا لان ینعم علیه بالنعمة الفلانیة و الحسود لایراه جدیراً بتلک النعم!!. [3]
ثانیاً: لیعلم الحاسد بان حسده لا یضر المحسود دائما؛ و ذلک لان المحسود یقع فی دائرة المظلومین، و قد تکفل الله تعالى بالدفاع عن المظلومین. أضف الى ذلک أن الحسد قد یؤدی احیاناً الى الغیبة أو الافتراء و هذا مما یساعد المحسود فی محو ذنوبه و القائها على عاتق الحسود.
بل قد یؤدی الحسد الى انتشار صیت المحسود و الفات نظر الناس الى مکانته، و من هنا نرى الشاعر العربی یشیر الى هذا المعنى حیث یقول:
واذا أراد الله نشر فضیلة طویت أتاح لها لسان حسود
فلو علم الحاسد مدى الخدمة التی یسدیها للمحسود لما أقدم على فعله أبداً.
عوامل الحسد و أسبابه
عرّف الحسد فی الکتب الاخلاقیة بانه: "تمنی زوال نعمة الغیر" [4] و لهذه الحالة المرضیة اسباب و عوامل کثیرة، منها:
1. عدم الرضا بالقضاء الالهی. [5] فالشخص الحسود غیر راض عن التقدیر الالهی و یعترض على الله تعالى فی تقسیم النعم!!.
2. خبث السریرة: فهناک بعض الناس من لا یتحمل أن یرى غیره منعماً مادیاً أو معنویاً.
2. الشعور بالحقارة و الذل [6] ، أی عندما یشعر الانسان بحقارته و دناءته و تصاغره أمام الآخرین، فحینئذ لا یطیق أن یرى الآخرین متکاملین.
3. روح الانانیة و حب الذات: و ذلک لانه لا یرید المدح و الثناء و الشهرة الا لنفسه فقط، من هنا یسعى لسلب أی عامل یؤدی الى اشتهار و معروفیة غیره.
4. روح العداء: بما أنه یحمل روح العداء اتجاه الآخرین، فمن هنا لا یطیق رؤیة نقاط القوة و الجمال عندهم و... [7]
فالحسد قد ینتج من خلال مقارن الشخص بما هو متوفر لدیه من النعم و بین ما هو متوفر لدى الآخرین. و بطبیعة الحال أن اصل المقارنة و المقایسة بین النعم لا یعد من الامور الذمیمة، فلربما یحدث لدى الانسان لا شعوریا، و اذا ما تعامل معه الانسان بطریقة ایجابیة فقد یؤدی الى حصول نتائج حمیدة؛ و المهم هنا الرضا و التسلیم للقضاء الالهی و الذی یعد عاملا مهما فی التصدی للصفات الشیطانیة من أن تأخذ طریقها الى روح الانسان و عقله و منها صفة الحسد خاصّة.
السبیل لعدم الابتلاء بالحسد
ینبغی للشخص فی الوهلة الاولى السعی لفهم ماهیة الحسد و حقیقته جیداً بالاضافة الى معرفة الآفات و الاضرار الناجمة عنه، ثم التوکل على الله تعالى و الاستعانه به لکی لا یبتلى بهذا المرض مضافا الى السعی و المثابرة فی التحرز من الابتلاء بهذا المرض الروحی الخطیر.
سبل معالجة الحسد
الخطوة الاولى فی معالجة الامراض النفسیة تکمن فی إرادة الشخص نفسه و بحسب تعبیر الشهید المطهری: من الفروق بین الامراض النفسیة و غیر النفسیة، أن الامراض النفسیة تتعلق بارادة الانسان نفسه و تصمیمة فی عدم الوقوع فیها أو معالجتها، خلافا للامراض غیر النفسیة فان للآخرین مدخلیة فی علاجها، فالطبیب المعالج للغدد المریضة مثلا یعالجها و ان کان المریض فی حالة تخدیر أو إغماء کاملة، أو معالجته من خلال زرق الدواء فی بدنه و أن کان رافضاً لذلک. و أما الامراض النفسیة فلا تعالج الا اذا أراد المریض و صمم هو على المعالجة فلا یتسنى لغیره معالجته. من هنا یکون المریض نفسیاً مسؤولا و ذلک لانه مریض و طبیب فی آن واحد، و من هنا یتوجه الیه اللوم فی عدم معالجة نفسه. [8]
فلعلاج الحسد یوجد رکنان یکمن الاول فی معرفة الحسد و أبعاده و النتائج المترتبة علیه فی الدنیا و الآخرة [9] . و الرکن الثانی فی التصمیم و الارداة و الاقدام على المعالجة.
الطرق العملیة لمعالجة الحسد
1. العمل بما یضاد مقتضیات الحسد قولا و فعلا، من قبیل: التواضع، حب الخیر للناس، السرور بما یصاب الآخرین من خیر بالاضافة الى قلع جذور الحسد من خلال تطهیر النفس من جمیع الخبائث الروحیة و الادران النفسیة المؤدیة للحسد کالتکبر و طلب الرئاسة وحب الدنیا.
2. الدعاء للمحسود؛ فیتوسل من أعمال القلب الى الله تعالى بان یدیم نعمه على ذلک الشخص و یزید فی عطائه له.
3. یحاول کلما نظر الى نعم الآخرین تذکر النعم التی انعمها الله تعالى علیه فما من عبد الا و قد أنعم الله علیه و لا یوجد انسان محروم منها جمیعاً.
4.یحاول کلما نظر الى المنعمین تذکر الناس المبتلین بالمحن و المشاکل الکثیرة. و بعبارة أخرى: کلما شاهد من هو فوقه نظر الى ما هو دونه فتطمئن نفسه.
5. تعزیز القدرات العقلیة، کلما عزز الانسان قواه العقلیة و استفاد منها فی ترشید عمل سائر القوى الاخرى عنده، تعززت تلک القدرة و حصل على النتائج الایجابیة الحاصلة منها، و العکس صحیح. و من السبل الاخرى لتعزیز القدرات العقلیة بسط المعارف الدینیة و الاتباع الدقیق لارشادات و وصایا الانبیاء و الاولیاء؛ و ذلک لانها تعد المفتاح الذی یدخل من خلاله الى خزائن العقل الانسانی. [10]
هل سلوک الناس الاخرین هو الباعث على خلق صفة الحسد لدى الحسود؟
تلاحظ هذه القضیة من زاویتین:
الف: ربما یکون للمحسود دوره فی إثارة حسد الآخرین لهم، فعلى سبیل المثال قد یؤدی تفاخر الصدیق أو القریب بما أنعم الله تعالى علیه و کثرة الحدیث عن أمواله و نعمه مما یؤدی الى تحقیر الطرف المقابل، و طبیعی اذا لم یکن الانسان متوفراً على درجة عالیة من الایمان قد یقع فریسة الابتلاء بالحسد فیتمنى زوال نعمه ذلک الشخص الذی طالما تفاخر و تباهى بها. و من هنا ینبغی لمن أنعم الله تعالى علیه أن یتحرز عن کل شیء قد یؤدی الى إثارة الحسد لدى الآخرین.
ب: لاریب أن لکل من الاسرة و المربی و المجتمع دوره الفاعل فی تشکیل أخلاقیات الانسان، و هذا بدوره یبحث من زوایتین أیضا، الاولى: ینبغی للجهات التی لها الاثر فی تربیة الافراد کالاسرة، المدرسة، الجامعة و... السعی لتعزیز الصفات الحمیدة لدى الافراد و تطهیر نفوسهم من الامراض و الخصال القبیحة و بیان الآثار الایجابیة و السلبیة لکل منها، کی یصان الافراد بدرجة ما من الوقوع فی تلک الامراض النفسیة.
الثانیة: ینبغی للمربین التحرز من الوقوع لا شعوریا فی أمور تؤدی الى حصول الحسد لدى الآخرین؛ فعلى سبیل المثال ینبغی للآباء و الامهات التحرز عن الحدیث و الترکیز على الصفات الحمیدة لدى بعض الابناء أمام بقیة الاخوة، و لا یظهروا الحب الزائد أمامهم، لانه قد یؤدی الى إثارة الحسد فی نفوس سائر الاخوة لشعورهم بالتحقیر و الاذلال من قبل الاباء فینجر فی نهایة المطاف الى خلق روح التحاسد بینهم.
ما هو الموقف القرآنی من الحسود؟ و کیف یجب التعامل معهم؟
نظر القرآن الکریم الى الحسد کحالة من الحالات و الصفات الذمیمة التی تؤدی الى الحاق الضرر بالآخرین على مستوى الافراد و المجتمع معاً، و من هنا خاطب الباری تعالى نبیه الکریم (ص) بقوله: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ....وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ". [11] بالاضافة الى التذکر ببعض قصص الحاسدین و الآثار التی ترتبت علیها من قبیل قتل هابیل على ید أخیه قابیل و ما جرى على یوسف (ع) بسبب حسد اخوته له.
و اما السلوک الصحیح مع الحاسدین فیکمن فی إزالة أرضیة الحسد، و من هنا ورد فی الاحادیث الشریفة عن الامام الباقر (ع) قوله: "وَ اللَّهِ إِنِّی لَأُصَانِعُ بَعْضَ وُلْدِی وَ أُجْلِسُهُ عَلَى فَخِذِی وَ أُنْکِزُ لَهُ الْمُخَّ وَ أَکْسِرُ لَهُ السُّکَّرَ وَ إِنَّ الْحَقَّ لِغَیْرِهِ مِنْ وُلْدِی وَ لَکِنْ مخالفة [مَخَافَةً] [مُحَافَظَةً] عَلَیْهِ مِنْهُ وَ مِنْ غَیْرِهِ لَا یَصْنَعُوا بِهِ مَا فَعَلَ بِیُوسُفَ و إِخْوَتُه". [12]
ما السبیل للردع عن عودة الحسد مرّة ثانیة؟
یعد الحسد من الصفات ذات الطرفین (الحاسد و المحسود)، فربما تنتفی حالة الحسد بالنسبة الى شخص معین، و لکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال تطهر نفس الحاسد من درن الحسد مطلقاً، فقد تثیر حسدة واقعة أخرى؛ فلکی یتقی الانسان من العودة الى الحسد مرّة أخرى ینبغی له المراقبة الدقیقة و التحرز من الاصحار بالحسد عن طریق الکلام، و محاولة تعزیز الباطن بالصفات الحمیدة و التذکیر بالآثار السلبیة لتلک الصفة القبیحة و القضاء على العوامل المؤدیة لها خاصة اذا عرفنا أن الحسد نوع من الحرب و المعارضة لله تعالى، و" فَإِنَّ الْحَاسِدَ سَاخِطٌ لِنِعَمِی صَادٌّ لِقَسْمِیَ الَّذِی قَسَمْتُ بَیْنَ عِبَادِی وَ مَنْ یَکُ کَذَلِکَ فَلَسْتُ مِنْهُ وَ لَیْسَ مِنِّی" [13] و"إِنَّ الْحَسَدَ لَیَأْکُلُ الْإِیمَانَ کَمَا تَأْکُلُ النَّارُ الْحَطَبَ" [14]
هل الانسان الحسود یعم بحسده جمیع الناس أو یختص الحسد بافراد خاصین؟
لا یعم الحسود بحسدة کل ذی نعمة، و انما ینصب فی الغالب حسدة على الناس الذین هم من طبقته و الذین تربطهم به علاقة خاصة و یلتقی بهم فی المجالس و المحافل العامة فیراهم متفوقین علیه بالنعم و المزایا و الخصائص. [15]
ما هی آثار الحسد؟ و ما هی نوعیة الاثار و الاضرار الناتجة منه فهل روحیة أو جسمانیة؟
یمکن تصنیف الآثار الناتجة عن الحسد على صنفین مع بیان الآثار المترتبة علیه:
الصنف الاول الاثار المعنویة:
1. من أهم الآثار و النتائج الخطیرة التی تترتب على الحسد، القضاء على الجانب الایمانی لدى الحاسد، و قد أشار النبی الاکرم (ص) الى هذه الحقیقة حینما قال: "الحسد یأکل الایمان کما تأکل النار الحطب". [16]
2. أن الحسد آفة الدین کما یقول الامام الصادق (ع). [17]
3. و جاء وصف الحسد فی بعض الروایات بأنه أصل الکفر " أُصُولُ الْکُفْرِ ثَلَاثَةٌ الْحِرْصُ وَ الِاسْتِکْبَارُ وَ الْحَسَد ". [18] و هل یوجد أخطر من تلک الآثار التی تجر صاحبها الى الحرب مع الله تعالى و الاعتراض على مقدراته و من ثم دخول النار؟!!
الصنف الثانی الآثار الجسمیة:
1. روی عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "الحسود مغموم". [19]
2. و عنه (ع): " الحسد حبس الروح". [20]
3. وعنه أیضاً: " الحسد شر الأمراض". [21]
و بهذا یتضح لنا أن الآثار المترتبة على الحسد تعم الجانبین الروحی و الجسمی من الانسان.
ما هی الضربات التی یوجهها الحاسد للمحسود؟
الحاسد یوجه لأول و هلة الضربة لنفسه خاصة، و لکن من الممکن أیضاً أن یوجه بعض الضربات للمحسود. فعندما یرى نفسه عاجزاً الالتحاق بمکانة المحسود أو التوفر على النعم المتوفرة لدیه، فقد یلجأ الى بعض السبل المؤدیة الى اخراج تلک النعم من تحت ید صاحبها، أو یوجه الیه ما یجعله عاجزاً عن الاستفادة منها، و لعل فی قصة أخوة یوسف (ع) و المشاکل التی سببوها له و لأبیه یعقوب (ع) خیر شاهد على ما نقول و التی أدت الى فقد یعقوب لبصره و البکاء على ولده مدة طویلة جداً و... و من هنا جاءت التوصیة بالاستعاذة من شر الحاسدین.
أی الضررین أشد ضرر الحاسد بنفسه أم بالغیر؟
من المسلم أن الضرر الذی یوجه للحساد نفسه أشد بکثیر من الضرر الموجه للغیر؛ و ذلک لان الحسد نار تشتعل فی نفس صاحبها من دون نهایة و خاصة لمن لا یسعى لمعالجتها، و من الواضح أن الحسود یعیش فی کل یوم المواجهة مع صنف او مجموعة من الناس یجعل همه و غمه مراقبة ما علیه من النعم و الخیرات و.... و یتحرق کمداً لانه لا یستطیع تغییر الواقع و لا یتمکن من إزالة تلک النعم!! أضف الى ذلک ما یترتب على الحسد من وقوع فی الغیبة و الافتراء و الکلام النابی و... الذی یکون لکل واحد منه عقابه الخاص و آثره الخطیر فی الحیاة الدنیا و الآخرة، خلافا للمحسود فانه یتعرض على اقصى التقادیر الى الضرر الدنیوی المادی فقط.
یقول الامام الصادق (ع): "الْحَاسِدُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ یُضِرَّ بِالْمَحْسُودِ کَإِبْلِیسَ أَوْرَثَ بِحَسَدِهِ لِنَفْسِهِ اللَّعْنَةَ وَ لِآدَمَ (ع) الِاجْتِبَاءَ وَ الْهُدَى". [22]
هل قدر الله للحاسد الذی لم یصلح حاله عذاباً أخرویاً؟
الحسد اذا کان مجرد حالة نفسیة لم تبرز الى العیان و لم تظهر على اللسان فلا یترتب علیها عقاب، فاذا تجرد الحسد من التهمة و الافتراء و الغیبة و.... و لم یصدر من الحاسد عمل یؤدی الى إیقاع الضرر بالمحسود فلا یترتب علیها عقاب أخروی، روی عن الامام الصادق (ع) عن جده رسول الله (ص): " وُضِعَ عَنْ أُمَّتِی تِسْع .....وَ الْحَسَدُ مَا لَمْ یُظْهِرْ بِلِسَانٍ أَوْ یَدٍ ". [23]
لکن یبنغی الالتفات الى قضیتین:
الاولى: أن البعض تذرع بان الأمر خارج عن إرادته و أنه إنما یفعل ذلک لانه مجبول علیه و لا یستطیع تغییر مصیره!! و هذه فی الحقیقة من وساوس الشیطان لان الانسان قادر بارادته القویة على التغلب على تلک الصفات الذمیمة فی نفسه و التخلص من تلک الذنوب.
الثانیة: صحیح ان الحسد لا یترتب علیه أثر من ناحیة العقاب ما لم یشهره و یعلنه و لم یترتب علیه الاثر خارجاً، و لکن ینبغی الالتفات الى أن النفس التی تعارض قضاء الله و قدره و لا ترتاح لما یفعله الباری تعالى و ما یهبه من نعم على العباد، هذه النفس تحکی عن خبث سریرتها و عدم ایمانها الحقیقی و هذا قد یؤدی - ما لم یصلح العبد حاله- الى الوقوع فی المهالک.
منزلة الحسود اجتماعیاً
لاشک ان الناس لا یستطیعون التعایش مع انسان لا یرضى أن یراهم موفوری النعم و مرفلین بالخیر و العز!! و من هنا تراهم ینظرون الیهم نظرة احتقار و اشمئزاز فهو یعیش حالة العزلة و الهوان "لا عیش أنکد من عیش الحسود و الحقود" [24] و ان " الحسود لا خلة له [لا خلال له]". [25] و حینئذ لا تکون له أدنى مکانة اجتماعیة لان الکل یتحاشاه و لا یقترب منه، فهو مطرود من الجماعة.
هل لمعاشرة الحسود انعکاس على حیاتنا؟ و هل من الممکن أن نتبتلى بنفس المرض؟
التأثر المتبادل بین الاخلاء و المتعاشرین أمر طبیعی جداً، و لقد أشارت الاحادیث الى هذا المعنى فی اکثر من موقع منها و نهت عن معاشرة الاراذل من الناس خشیة الاتصاف بصفاتهم. [26]
هل یختص الحسد بطبقة من البشر کالشباب مثلا؟
کلا، لیس للحسد سنّ معینة بل من الممکن تواجده فی جمیع الطبقات و الاصناف.
ما هو الجواب الذی عرضه علماء النفس لهذه القضیة؟
نظر علماء النفس الى الحسد کمرض نفسانی و بامکانکم الرجوع الى مصنفات علماء النفس فی هذا المجال.
ماذا تعنی مفردة "حسود" الواردة فی القرآن الکریم؟
وردت مفردة الحسد فی القرآن الکریم اربع مرّات [27] . و جاء بنفس المعنى الذی جاءت به الروایات و هو طلب و تمنّی زوال النعمة من شخص آخر کما ذکر ذلک المفسرون. [28]
ما هی الحالة المقابلة للحسد؟
الحالة المقابلة للحسد هی حالة النصیحة و الغبطة. فالنصیحة تعنی طلب الخیر و النعم للآخرین. [29]
و اما الغبطة فتعنی أن الانسان یتمنى أن ینعم علیه الله تعالى بما أنعم على غیره من دون أن یتمنى زوال النعم عن الآخرین، یقول الامام الصادق (ع): "إِنَّ الْمُؤْمِنَ یَغْبِطُ وَ لَا یَحْسُدُ وَ الْمُنَافِقَ یَحْسُدُ وَ لَا یَغْبِطُ". [30]
[1] انظر: الآ مدی، عبدالواحد،غرر الحکم و درر الکلم، ص 300، انتشارات مکتب التبلیغ الاسلامی، قم، 1366.
[2] المطهری، مرتضی،الانسان الکامل، ج1، ص 29، انتشارات صدرا، طهران، 1373.
[3] انظر: النراقی، معراج السعادة، ص 335.
[4] النراقی، معراج السعادة، ص 335، اتشارات گلی، طهران،بلا تاریخ.
[5] قد یکون السبب لوجود النعم و توفر الامکانات (بالاضافة الى القضاء الالهی) السعی و المثابرة و الجد فی تحصیلها، و فی المقابل یکون سبب الحرمان التکاسل و الخدر و عدم الاستفادة من الطاقات الکامنة، و فی هذه الحالة یکون الحسد اشد قبحاً لان الحاسد یعرف بتکاسله و مع ذلک یحسد العاملیة و النشطین و المثابرین.
[6] یقول الامام الخمینی: الحسد عین الاحساس بالذل و خواء النفس . انظر: الاربعون حدیثاً، ص 107.
[8] کتاب:الاسلام و مقتضیات زمان، ج 2، ص 256 ، انتشارات صدرا، طهران، 1373.
[9] ورد السؤال عن هذه القضیة فی احد الاسئلة المطروحة فی السؤال.
[10] مستفاد من برنامج برسمان.
[11] سورة الفلق.
[12] بحار الانوار، ج 71، ص 78.
[13] الکافی، ج2، ص306.
[14] الکافی ، ج2، ص306.
[15] معراج السعادة، ص 341.
[16] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 306.
[17] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 15، ص 336.
[18] وسائل الشیعة، ج 15، ص 336.
[19] غررالحکم،ص 300.
[20] نفس المصدر.
[21] نفس المصدر.
[22] بحار الانوار، ج 70، ص 255.
[23] الکافی، ج 2، ص 463،
[24] غرر الحکم، ص300.
[25] نفس المصدر.
[26] انظر: وسائل الشیعة، ج12، ص 23تا 35.
[27] الفتح، 15؛ الفلق، 5؛ البقرة، 109؛ النساء، 54.
[28] مکارم الشیرا زی،ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج20، ص: 57، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[29] یقول المرحوم النراقی: النصحیة تضاد الحسد. انظر: معراج السعادة، ص335.
[30] وسائل الشیعة، ج 15، ص 367.