بحث متقدم
الزيارة
7845
محدثة عن: 2008/08/20
خلاصة السؤال
هل بعث الله أنبیاء فی الأمم الأخرى من غیر السامیین کالأوربیین و الهنود و غیرهم من الأمم الأخرى؟
السؤال
لماذا کان جمیع الأشخاص الذین ادعوا النبوة ینتسبون إلى السامیة، و أن جمیعهم من سکان الشرق الأوسط لماذا لم یشاهد أی أثر فی جهة من جهات العالم لنبی من تعداد 124000 نبی؟
الجواب الإجمالي

الإنسان موجود مکلف، و لازم التکلیف أن یرسل الله نبیاً یبلغ الإنسان وظائفه و تکالیفه، و إلا فلا معنى للتکلیف و قد صرح القرآن الکریم فی آیات عدیدة أنه ما من قوم أو قریة إلا و أرسل الله إلى أهلها رسولاً و نذیراً"وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فیها نَذیرٌ ". و لکن أسماء الأنبیاء المذکورة فی القرآن الکریم قلیلة، یقول تعالى: «وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْکَ وَ کَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَکْلِیماً» و ذلک یبین أن المذکورین من الأنبیاء فی القرآن عدة من الأنبیاء لا جمیعهم. و أما ما تقدم من أن لکل قوم و أمة دیناً فذلک ما یؤیده علماء الأدیان، و لکن بما أن الهدف الأساسی من نقل قصص الماضین کوسیلة تربویة أشار إلى قصص بعض الأقوام و أخبار الأنبیاء لیکون نموذجاً یتجلى لکل الناس نراه یکتفی بنقل قصص الأنبیاء المتواجدین فی منطقة الشرق الأوسط لیرى الناس صدق ما تحدث به القرآن.

الجواب التفصيلي

لقد خلق الله الإنسان و زوده بالکثیر من النعم کالعقل و التفکیر، و إلى جانب ما حباه من النعم أوجب علیه بعض التکالیف، و إن کانت هذه التکالیف من النعم الإلهیة الکبرى و من لوازم التکلیف إرسال الرسل و الأنبیاء لإیصال هذه التکالیف و التعالیم إلى الإنسان، و قد اقتضت سنة الله إرسال نبی فی کل قوم و أمة لیتولى أمر هدایتهم، کما قال تعالى فی القرآن الکریم: «وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ»[1] و هذا المضمون ورد فی عددٍ آخر من آیات القرآن الکریم[2].

إذن فمن المسلم أنه فی کل مکان یتواجد فیه قوم من هذا العالم فإن الله یبعث الأنبیاء لهدایتهم[3]. و لکن أسماء هؤلاء الأنبیاء لم تذکر فی آیات القرآن و لا فی الأحادیث و الروایات الصادرة عن المعصومین. و بشکل إجمالی فإننا نجد فی بعض الروایات أن الله بعث مائة و أربعة و عشرین ألف نبی و فی بعض الروایات «ثمانیة آلاف نبی» بالمعجزات و البراهین لیقوموا بهدایة الناس[4]. و قد اکتفى القرآن الکریم بذکر 25 نبیاً من أنبیاء الله تعالى، و المحتمل أن ما ذکر منهم فی الروایات هو نفس العدد أو ما یقاربه. و لکن أین یقع هذا العدد القلیل من العدد 124000 المذکور أو 8000 الوارد فی الروایات، و قد جاء فی القرآن الکریم قوله تعالى: «وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْکَ وَ کَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَکْلِیماً»[5] و قال فی آیة أخرى: «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِکَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَیْکَ»[6] و هذا الکلام بمجموعه یؤید ما یقوله علماء الأدیان من أنه لا توجد أمة و لا قوم إلا و لهم دین.

یقول رابرت هیوم فی کتابه الأدیان الحیة فی العالم: «الدین من ممیزات البشر الأساسیة عن الحیوان»[7]. و من الطبیعی أن یضع فرقاً بین الأدیان الحیة إلى هذا الیوم و الأدیان المنقرضة، و لذلک یقول: « إن قارة آسیا هی موطن جمیع الأدیان الحیة»[8] ثم إنه ینقل بعض الأسماء للأدیان المنقرضة فی بقاع العالم مما یدل على وجود الأنبیاء الحاملین للأدیان الإلهیة فی کل مکان یعیش فیه الإنسان، یقول فی ذلک: «.... إن أدیان مصر القدیمة فی أفریقیا، و أدیان المکسیک و بیرو القدیمة فی أمریکا و...»[9].

فمن المسلم إذن أن الأنبیاء کثیرون و لکن لم یرد ذکرهم فی القرآن الکریم[10]. و إن ما ذکره القرآن لا یعدو سیرة بعض الأنبیاء المتواجدین فی منطقة الشرق الأوسط، و یحتمل أن یکون ذکره لهؤلاء الأنبیاء یستهدف تربیة الناس من خلال استعراض سیرتهم، لأن ما بأیدی الناس فی ذلک الزمان مقتصر على أخبار أقوام أولئک الأنبیاء فقط، و أن معرفة شؤونهم و أخبارهم متیسرة. و على هذا الأساس عندما یشیر القرآن إلى أسماء هؤلاء الأنبیاء نجده یدعو الناس إلى رؤیة آثار أقوامهم ممن أنکر دعوة الأنبیاء فاستحالت حضارتهم و ما شیدوه، یقول تعالى: «وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ»[11]. و من هنا فإذا ما تکررت قصة موسى(ع) لعدة مرات فمرجع ذلک إلى ما تنطوی علیه من عبر و دروس لازمة و مفیدة لتذکیر الآخرین، و خصوصاً فی ساحة مواجهة المسلمین مع أهل الکتاب.

و هناک احتمال یقول أن ظهور الحضارات و الدیانات کان فی منطقة الشرق الأوسط، و بحسب ما یراه خبراء الآثار و العلماء فإن بوادر التمدن ظهرت فی هذه المنطقة، فمن المنطقی أن توجد ضرورة لبعثة الأنبیاء فی هذه الأماکن.

و من الضروری التوجه إلى الظروف،و الملاحظات کثیرة و مختلفة فی ما یتعلق باختیار الأنبیاء و مواطن بعثتهم لا یختص بمعرفتها إلا الله باعث الأنبیاء. و من المحتمل أن یقال بوجود رجال على درجة من الاستعداد لقبول الدعوة الإلهیة فی أراضٍ متعددة کفلسطین و جزیرة العرب، و مکة و المدینة، کما نشاهده من نشأة الفلاسفة فی الیونان مثلاً، و على کل حال فهذا الأمر إلهی و أن الله هو الأعلم حیث یجعل رسالته، و مهما یکن و کیف کان فإن الأنبیاء المذکورین فی القرآن الکریم انطلقوا من هذه الأراضی المقدسة، و لا یوجد أی تردد أو شکٍ فی أن جمیع الأدیان الکبرى المستمرة إلى یومنا هذا ولدت فی الشرق الأوسط و استطاعت على مدى القرون و الأزمان أن تشتمل على الأدیان الأخرى و تصهرها داخل کیانها بعد أن دعتها إلى اتباعها. فإذا نظرنا إلى الدین المسیحی و ما له من کثرة الإتباع فی أوربا و أمریکا و غیرها فان من المسلم أن آسیا هی منشأ هذا الدین کغیره من الأدیان الإبراهیمیة و بشکلٍ أخصٍ إنه ولد فی منطقة الشرق الأوسط، و لکن هذا لا یعنی عدم وجود أنبیاء مبعوثین فی بقاع العالم الأخرى، و إذا لم نجد الیوم دیناً غیر هذه الأدیان فلا یدل ذلک على أنها لم تکن موجودة فی یوم من الأیام، فإذا ما ثبت تاریخیاً وجود دینٍ إلهی خارج منطقة آسیا فلا بد من قبول ذلک. و قد ظهرت فی هذه الأیام بعض الدلائل ـ و إن کانت ضعیفة ـ على وجود آثار لعبادة الله بین قبائل الهنود الحمر فی قارة أمریکا مما یدل على وجود تعالیم لأنبیاء مبعوثین. إذن و منذ ـ بدایة الخلیقة ـ و أینما حل الإنسان یبعث الله له الأنبیاء لإبلاغه بما یتوجب علیه من تکالیف و لکن أسماءهم و أخبارهم لم ترد بصورة مفصلة فی الکتب السماویة و من جملتها القرآن الکریم، و إذا لاحظنا الأهداف التی یتوخاها القرآن فی سرد قصصه و أخباره لا نجد لزوماً لذکر کل الأنبیاء و تفاصیل حیاتهم.



[1] النحل، 36.

[2] فاطر، 24، إسراء، 15، و طه، 134.

[3] علاوة على أن حکمة الله و عدالته تلزم هدایة الملل فی کل عصر.

[4] بحار الأنوار ج11: ص:21 ـ قال الطبرسی رحمه الله روی عن علی(ع) أنه قال بعث الله نبیاً أسود لم یقص علینا قصته و اختلف الأخبار فی عدد الأنبیاء فروی فی بعضها أن عددهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألفاً و فی بعضها أن عددهم ثمانیة آلاف نبی، أربعة آلاف من بنی إسرائیل و أربعة آلاف من غیرهم بِآیَةٍ أی بمعجزة و دلالة...

[5] النساء، 164.

[6] غافر، 78.

[7] أدیان العالم الحیة، رابرت هیوم، ص17.

[8] المصدر نفسه، ص30.

[9] المصدر نفسه، ص29.

[10] تعلیم العقائد، مصباح الیزدی، ص237.

[11] النحل، 36.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...