بحث متقدم
الزيارة
8987
محدثة عن: 2010/02/25
خلاصة السؤال
لماذا إستعمل القرآن تعبير "متوفيك" عند الحديث عن النبي عيسى (ع) مع أنه حيّ حتى هذه الساعة؟
السؤال
تقول الآية 54 من سورة آل عمران "وَ مَكَرُواْ وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيرْ الْمَكِرِين" فالنبي عيسى (ع) على أساس هذه الآيةهو ميت. فهل للتوفي معنىً غير معنى الموت؟ و الحال ان المسلمين يدعون أن عيسى لم يمت و هو عند الله حي. فكيف يمكن توجيه هذه الآية المباركة؟
الجواب الإجمالي

بعض التفاسير و التراجم غير الصحيحة هي التي دفعت الى اثارة مثل هذا التساؤل. فلو إتضح المعنى الصحيح للآية فحينئذ يرتفع هذا الإشكال. و هنا لا بد من القول بأننا لو دققنا في معاني الآيات المختلفة للقرآن الكريم يتضح أن كلمة التوفي يمكن أن يكون لها معنىً غير الموت و إن إستعملت فيه في القرآن الكريم، لذلك لا يمكن أن تكون هذه الآية دليلاً قاطعاً على موت النبي عيسى (ع) بحيث يمكن تخطئه الروايات المخالفة لهذا المعنى. و عليه فالمعنى الصحيح لهذه الآية هو: "تذكر "يا محمد" عندما قال الله لعيسى (ع) "إِذْ قالَ اللَّهُ يا عيسى‏ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُك‏...".

و هذا المعنى للتوفي موجود في روايات أهل البيت (ع)، و لا منافاة بينه و بين حياة عيسى (ع).

الجواب التفصيلي

الآراء التفسيرية التي ذكرها بعض مفسّري القرآن الكريم و هم قلّة دفعت الى اثارة هذا التساؤل حيث فسّروا كلمة "متوفيك" بـ "مميتك" و إن كانت أكثر تفاسيرهم لهذه الآية لا تنافي حياة عيسى (ع)، منها: "(تذكر) عندما قال الله لعيسى (ع): إني آخذك (من فوق الأرض و من بين الناس) و رافعك إليّ و مطهرك من الذين كفروا...".[1]

و من هنا يجب على الباحث العلم بأن "التوفي" من مادة "وفى" و قد تستعمل في معانٍ متعددة منها "الإماتة" و "الأخذ" و "الإكمال"[2] و في هذا المضمار يقال للعمل بالعهد و الميثاق وفاء أي بمعنى أداء العمل و إكماله و من هنا يقال لمن أخذ حقه من الآخرين بالكامل "توفى دينه". جاء في مجمع البحرين ـ و هو أحد الكتب اللغوية ـ في تفسير هذه الآية: "أي مستوفيك ..."[3].

إذن فكلمة "التوفي" لا تعطي معنى الموت لزوماً و إن إستعملت فيه كما جاء في بعض الآيات،[4] بل هناك آيات إستعملت فيها هذه الكلمة في معنىً آخر، منها قوله تعالى: "وَ هُوَ الَّذِى يَتَوَفَّئكُم بِالَّيْلِ وَ يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنهَّارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضىَ أَجَلٌ مُّسَمًّى  ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"[5] و مما لا شك فيه، إن كلمة "يتوفّاكم" في هذه الآية ليست بمعنى يميتكم، بل بمعنى النوم ليلاً الذي يتكرّر كل ليلة! و يمكن مشاهدة قبض الروح في المنام بصورة أخرى و على هذا، لا يمكن الاستناد الى الآية المثارة في السؤال كدليل قاطع على موت عيسى (ع).

أما عن نهاية النبي عيسى (ع) و كيف كانت، فهناك ملاحظات جديرة بالمطالعة و هي:

1ـ يعتقد المسيحيّون بأن عيسى قد صلب و قتل على أيدي أعدائه، أما القرآن فقد نفى بصريح القول قتله و صلبه بهذا الشكل: "وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المْسِيحَ عِيسىَ ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صَلَبُوهُ وَ لَكِن شُبِّهَ لهَمْ  وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍ‏ّ مِّنْهُ  مَا لهَم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنّ‏ِ  وَ مَا قَتَلُوهُ يَقِينَا"[6].

2ـ لم نجد حتى آية واحده في القرآن الكريم تعلن و بشكل صريح كون النبي عيسى (ع) حياً لحد الآن و أنه لم يمت بأي نحو آخر غير القتل و إن أنكر قتله و صلبه.

3ـ هناك آيات في القرآن الكريم مثل الآية 55 آل عمران ـ المذكورة في السؤال ـ و الآية 117 المائدة تدل على إن صلة النبي و إرتباطه الحالي بالعالم المادي يختلف عن إرتباطه في زمن حضوره المباشر بين أتباعه و أنصاره، و إن لم يمكن إستنباط موته (ع) منها بصورة قاطعة.

4ـ هناك روايات كثيرة في الكتب الشيعية و السنية المعتبرة تعلن بصراحة حياة النبي عيسى (ع)، و نحن و إن لم نعثر على آية صريحة في القرآن تدل على ذلك لكن يمكن القول بحياته (ع) استناداً الى هذه الروايات.

نشير إلى موردين منها:

1ـ 4 قال رسول الله (ص) للیهود: "إن عیسی لم یمت و أنه راجع إلیکم قبل یوم القیامة"[7].

2ـ 4 قال رسول الله (ص): "... و من ذریتي المهدي إذا خرج نزل عیسی ابن مریم لنصرته فقدّمه و صلّی خلفه".[8]

5ـ و على فرض عدم الايمان بهذه الروايات الموجودة و أهملنا المعاني الأخرى "للتوفي" و أعتقدنا بموت النبي عيسى (ع) المحتم على أساس الآية المشار إليها في السؤال، فهذا الموضوع أيضاً لا ينافي كونه (ع) حياً في زماننا الحاضر، لوجود قصة في القرآن الكريم تدل على وجود شخص أحياه الله من موته بعد مئة سنة[9]، فمن الممكن أن يتكرر هذا الأمر لعيسى (ع).

 


[1]  انظر نص الآية في آل عمران، 54.

[2]  ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 398 و 399، الطبعة الأولى، نشر الأدب، الحوزة، قم، 1405.

[3]  مجمع البحرين، ج 1، ص 444 مادة "وفى"، مكتبة المرتضوي، طهران، 1375 ش.

[4]  النساء، 97، محمد، 27، يونس، 46، السجدة 11.

[5]  الأنعام، 60.

[6]  النساء، 157.

[7]  إبن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 110، ح 6232، مكتبة نزار للمصطفى الباز، المملكة العربية السعودية، 1419 ه ق.

[8]  الشيخ صدوق، الأمالي، ج 1، ص 218، نشر المكتبة الإسلامية، طهران، 1362 ه ش.

[9]  البقرة 259، "فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ".

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...