بحث متقدم
الزيارة
8685
محدثة عن: 2007/09/12
خلاصة السؤال
هل الإنسان مختار؟ وما هی حدود اختیاره؟
السؤال
هل إن الإنسان مختار فی أعماله؟ و فی حالة کون الإجابة مثبتة ما هی حدود هذا الاختیار؟
الجواب الإجمالي

لعدة مرات فی الحیاة نجد أنفسنا غرباء منفردین، و الطریق الذی لا نجد بداً من السیر علیه، هو الطریق الثابت المعین من قبل لحیاتنا، و ذلک فی عدة أمور من أمثال الأصل الذی ننحدر منه، القومیة ، العائلة التی نولد فیها، القوام الذی نتمتع به، الهیئة التی نکون علیها، اللغة، و غیر ذلک من الأمور. و فی مقابل ذلک طالما وجدنا أنفسنا مرات و مرات، امام مجموعة من الطرق التی لاندری ایها نسلک وایها نترک ونبقى فی حیرة و تردد و ضیاع امامها. و أوّل سؤال یتبادر إلى أذهاننا فی مثل هذه الحالة هو: ماذا نفعل؟ و أی طریق نسلک؟

نعم إن ألفاظاً من أمثال: أیّ، و لماذا، و أیّ شیء، تدل جیداً على الاختیار و الانتخاب.

أما فیما یخص اختیار الإنسان فلابد من القول: لسنا علةً تامة فی تحقیق أعمالنا الاختیاریة، و لسنا مضطرین و مجبرین فی القیام بها دون أن یکون لنا أی دور یذکر، بل نحن علة ناقصة لأفعالنا من بین العدید من العلل و الشروط و المقدمات، و إذا لم توجد هذه العلة الناقصة و هی إرادتنا و اختیارنا، فلا یصدر الفعل ابداً.

الجواب التفصيلي

الفعل الذی یقوم به الإنسان یمثل ظاهرة من ظواهر عالم الخلق، و إن وجوده مثل سائر الظواهر فی العالم، أی أنه یرتبط ارتباطاً کاملاً بالعلة،[1] و بما أن الإنسان جزء من أجزاء عالم الخلق، و له ارتباط وجودی بأجزاء العالم الأخرى، فلا یمکن أن تکون الأجزاء الأخرى غیر مؤثرة فی أفعاله، فمثلاً إن قطعة الخبز التی یتناولها الإنسان تتطلب وجود العدید من العوامل و الوسائل حتى یتمکن الإنسان من الاستفادة منها کالعلم و الإرادة و القدرة و وجود الفم و الید و الرجل و غیر ذلک من العوامل، کوجود الخبز فی الخارج، و إمکانیة الوصول إلیه، و عدم وجود المانع فی ذلک، و کثیر من العوامل و الشروط الأخرى المکانیة و الزمانیة التی تدخل فی وجود العمل. و عندما لا یتحقق أحد العوامل أو بعضها فلا یتحقق الفعل و لا یکون مقدوراً علیه، و عندما تتوفر جمیع العوامل، و معنى ذلک تحقق (العلة التامة) یکون تحقق الفعل ضروریاً.[2] (و العلة التامة تعنی تحقق جمیع العلل و العوامل ذات المدخلیة فی القیام بأی فعل، أو إیجاد أی شیء).

و إن الله الذی یملکنا جمیعاً تعلقت إرادته أن یکون الإنسان ذا إرادة فی أعماله الاختیاریة، و أنه منشأ هذه الآثار، فمثلاً لو تطلب تحقق عمل ما إلى خمسة عوامل و علل فإن إحدى هذه العلل و العوامل هی إرادة الإنسان و اختیاره. فلو فرضنا أن إضاءة المصباح الکهربائی تتطلب تهیئة و سلامة عدة عوامل و وسائل منها: المفتاح الکهربائی، السلک الناقل للتیار، المصباح نفسه، جهاز السیطرة، الاتصال بالمصدر المولد للطاقة الکهربائیة، و سریان التیار فی السلک الناقل، و إن أحد هذه العلل المتعددة حصول الضغط على المفتاح لإیصال التیار الکهربائی و فی هذا المثال یمکن أن یقال إذا کانت کل العلل و الوسائل و الشروط مهیأة فإن الضغط على المفتاح یمثل اختیارنا و إرادتنا، و قد أراد الله سبحانه أنه لو لم یرد الإنسان الضغط على المفتاح باختیاره، فإن المصباح لا یمکن أن یضیء. و إن ضرورة نسبة الفعل إلى مجموع الأجزاء کعلة تامة لا ینافی نسبة العمل إلى الإنسان کجزء من أجزاء العلة التامة.

و صحیح أن فی المثال المذکور إذا تحققت جمیع العلل، فإن المصباح یضیء و لکن هل أن ضغط المفتاح من قبل الإنسان ضروری أم ممکن؟

و الجواب الواضح لهذا السؤال هو: فی حالة میل الشخص إلى الضغط على المفتاح، فإن جمیع العلل تجتمع و ذلک ما یسبب إضاءة المصباح على نحو الضرورة. و إن وجود المیل أو عدمه لدى الفرد بالنسبة إلى العمل یعبر عن نسبة الإمکان بوضوح.

و لذا فإن إمکان الإنسان؛ یعنی أن له اختیار الفعل و إن ضرورة نسبة الفعل إلى مجموع أجزاء العلة لا یوجب کون نسبة العمل إلى جزء من أجزاء العلة - و هو الإنسان - نسبة ضروریة.

و إن الإدراک الساذج للإنسان و البدیهی یؤید ذلک، فالناس بطبیعتهم یفرقون بین نوعین من العطاء الإلهی، فلیست النظرة واحدة، مثلاً إلى الأکل و الشرب و الذهاب و المجیء من جهة، و الصحة و المرض و الکبر و الصغر و الطول و القصر من جهة أخرى. فهم یدرکون الفرق بین النوعین من هذه الأمور، فالقسم الأوّل له علاقة مباشرة بإرادة الإنسان، و إنه ضمن دائرة اختیاره، و إنه یقع مورداً للأمر و النهی و السؤال و المدح و الذم. خلافاً للقسم الثانی، فلا یتوجه التکلیف فیه إلى الإنسان بأی وجه.

و قد ظهر فی صدر الإسلام مذهبان مشهوران لدى أهل السنة فیما یتعلق بأفعال الإنسان، فقد اعتقد البعض أن أفعال الإنسان تتعلق بالإرادة الإلهیة الغیر قابلة للتخلف، فالإنسان عندهم مجبور على أعماله، و لم یروا أی قیمة لاختیار الإنسان و إرادته.

بینما ذهب البعض الآخر إلى أن الإنسان مستقل فی أفعاله، و لیس لها أی علاقة بالإرادة الإلهیة، فهی خارجة عن حکم القدر. و لکن بحسب تعالیم أهل البیت (ع) التی تطابق ظاهر آیات القرآن الکریم، فإن الإنسان مختار فی أفعاله، و لکنه لیس مستقلاً، و إنما تعلقت إرادة الله سبحانه و تعالى بالفعل عن طریق الاختیار. و بعبارة أخرى، فإن إرادة الله جل جلاله تعلقت بالفعل من خلال مجموع أجزاء العلة التامة التی تکون إرادة الإنسان و اختیاره جزءاً منها، و بذلک یکون الفعل مراداً و ضروریاً فی نفس الوقت. و نتیجة القول: إن الفعل ضروری و لکن الإنسان مختار فیه؛ یعنی أن الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء علته التامة ضروری، و أما بالنسبة إلى أحد أجزاء علته - و هو الإنسان - فهو اختیاری و ممکن.[3]

الکتب النافعة فی الموضوع:

أ- انسان‏شناسى "معرفة الإنسان"، محمود رجبی، الفصل 5، 6.

ب- المنهج الجدید فی تعلم الفلسفة، مصباح الیزدی، ج2، الدرس 69.

ج- العدل الإلهی، مرتضى المطهری.



[1] إما أن تکون العلة کافیة لتحقق المعلول، و لا یتوقف وجود المعلول على شیء آخر غیر وجود العلة، و بعبارة أخرى فإن وجود المعلول ضروری بعد وجود العلة و فی هذا الفرض تسمى العلة بـ (العلة التامة).

و أما الفرض الثانی، فعلى الرغم من کون العلة فیه ضروریة لوجود المعلول، إلاّ أنها غیر کافیة لتحقق هذا الوجود، و إنما تبقى الحاجة قائمة لأمور أخرى و علة أو علل إضافیة لیکون وجود المعلول ضروریاً، و فی هذا الفرض یطلقون على العلة اسم (العلة الناقصة).

[2] الطباطبائی، السید محمد حسین، شیعه در اسلام" الشیعة فی الإسلام"، ص78، شرکة المنشورات.

[3] نفس المصدر، ص79.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...