بحث متقدم
الزيارة
6311
محدثة عن: 2008/07/07
خلاصة السؤال
ما هی الأسس التی ترتکز علیها الفتوى؟
السؤال
مع تقدیم العذر أرجو أن توضحوا لنا الأسس و المصادر التی یعتمدها المجتهدون فی إصدار الفتوى؟
الجواب الإجمالي

الاجتهاد فی اللغة یعنی تحمل المشاق أو القدرة و التمکن. و فی اصطلاح الفقهاء یعنی بذل الحد الأعلى من الجهد و السعی العلمی من أجل استنباط الحکم الشرعی الفرعی و تحصیله من أدلته.

و إن کان الاجتهاد عند الشیعة یعتمد على أدلته المعروفة من (القرآن، السنة، العقل، الإجماع) و لکن لابد من التحصیل فی علوم أخرى تساعد المجتهد فی استنباط الحکم من أدلته المذکورة کالإلمام باللغة العربیة و آدابها و معرفة طبیعة المحاورات التی کانت سائدة فی المجتمع زمن المعصوم (ع) و التعرف على بعض العلوم کالمنطق و أصول الفقه، و علم الرجال، کذلک الإطلاع الکافی بالنسبة إلى القرآن و علومه و کذلک علوم الحدیث و الروایة و ... و إضافة إلى اطلاع الفقیه و معرفته فی هذه العلوم لابد له من اختیار مبنىً معین حتى یتمکن من الاستفادة من هذه العلوم فی عملیة استنباط الحکم الشرعی من أدلته الاجتهادیة.

الجواب التفصيلي

الاجتهاد فی اللغة بمعنى تحمل المشقة و الجهد (من مادة جَهَدَ بفتح الجیم)،[1] و کذلک بمعنى القدرة و التمکن (من مادة جُهدَ بضم الجیم).[2] و فی اصطلاح الفقهاء بمعنى بذل الحد الأقصى من الجهد العلمی فی استنباط و تحصیل الحکم الشرعی الفرعی من مصادره و أدلته.

و إن کان الاجتهاد عند الشیعة یعتمد على أدلته المعروفة من (القرآن، السنة، العقل، الإجماع) و لکن لابد من التحصیل فی علوم أخرى تساعد المجتهد فی استنباط الحکم من أدلته المذکورة کالإلمام باللغة العربیة و آدابها و معرفة طبیعة المحاورات التی کانت سائدة فی المجتمع زمن المعصوم (ع) و التعرف على بعض العلوم کالمنطق و أصول الفقه و اتقانها، و کذلک علم الرجال، بالاضافة الى الإطلاع الکافی بالنسبة إلى القرآن و علومه و کذلک علوم الحدیث و الروایة[3] و ... و إضافة إلى اطلاع الفقیه و معرفته فی هذه العلوم لابد له من اختیار مبنىً معین حتى یتمکن من الاستفادة من هذه العلوم فی عملیة استنباط الحکم الشرعی من أدلته الاجتهادیة.

فمثلاً فی باب الاستفادة من الروایات و الأحادیث من الممکن أن یعتمد المجتهد على مبنى معین فی علم الرجال یجعله یرفض بعض الروایات من جهة السند و لا یرى الاعتماد علیها و قبولها فی عملیة استنباط مسألة ما، و قد لا توجد روایات أخرى فی هذه المسألة، و علیه فلا یستطیع أن یصدر فتوى بخصوص المسألة فی حین یرى فقیهً أو فقهاء آخرون صحة سند الروایة بحسب المبنى الذی یعتمدونه فیستندون إلى الروایة نفسها لإصدار الفتوى، و من الطبیعی أن إمکانیات الفقهاء لیست على مستوى واحد من جهة ترکیب القضایا و تحلیلها و معالجتها، و لذلک یمکن أن یکون لکل واحد منهم استنتاجه الخاص من الآیات و الروایات، کما أنه من الممکن أن یعتبر أحد المجتهدین شیئاً معیناً مصداقاً و موضوعاً لحکم ما فیما لا یرى مجتهد آخر ذلک.

و لأجل المزید من التوضیح نشیر إلى المنابع الأساسیة لصدور الفتوى.[4] ان المصادر المعتمدة لدى المجتهدین عبارة عن: الکتاب، السنة، العقل، الإجماع، بالاضافة الى المبادئ التی یعتمدها الفقیه حیث من اللازم أن یکون لکل مجتهد مبنى معینا ، من هنا نشیر الیها بنحو الاجمال:

1. الکتاب (القرآن الکریم): القرآن هو أول مصدر و منبع للأحکام و المقررات الإسلامیة و على هذا إجماع المسلمین دون استثناء، و لکن الکلام بین المجتهدین یقع فی عدة جهات بخصوص استنباط الأحکام من القرآن الکریم حیث تختلف آراؤهم و متبنیاتهم فی الإجابة عن بعض التساؤلات و منها هل إن مفاهیم الوحی السامیة فی متناول فهمنا و إدراکنا ام لا؟ هل وقع التحریف فی الوحی أم لا؟ و غیرها من التساؤلات التی یختلف فیها العماء فیما یرون.[5]

2. السنة (قول المعصوم و فعله و تقریره): من البدیهی أن حجیة سنة الرسول (ص) (قولاً و فعلاً و تقریراً) تحتاج الى اثبات، الا انه مع ذلک لیس إثباتها بالأمر العسیر بالتوجه إلى آیات القرآن، و لا یحتاج إلى کبیر عناء فی البحث، و لذلک قبل العلماء و المسلمون هذا الأمر و أقروه بکل وضوح[6]، و کذلک أقوال الأئمة و أفعالهم و تقریرهم فهی من السنة، و یعتقد علماء الإمامیة أن الحل الذی وضعه النبی (ص) لأمته و الذی صرح به مرات عدیدة یوجب (حجیة سنة الأئمة المعصومین)[7]، لأنه (ص) قال: «إنی تارک فیکم الثقلین، کتاب الله و عترتی أهل بیتی».[8] فإذا ثبت أن الرسول الأکرم (ص) أو الأئمة الأطهار أدوا بعض التکالیف بنحو معین خاص أو أن الآخرین قاموا ببعض التکالیف و کان المعصوم حاضراً و یشاهد کیفیة الأداء و قد أمضاها و أقرها و لم یعترض علیها فهذا یعنی أنه أقرها عملیاً بسکوته، و هذا یکفی الفقیه أن یستند الیه فی استنباط الأحکام و تحصیلها.[9] و هناک عدة مباحث فی باب حجیة السنة منها:

الف. هل یمکن أن تکون السنة مقیدة أو مخصصة للقرآن الکریم.

ب. هل إن الظروف المحیطة لها تأثیر على السنة؟[10] و غیرها من الأبحاث التی لابد أن یکون للمجتهد فیها مبنى معینً حتى یستطیع الإفادة من السنة فی سعیه العلمی و اجتهاده.

3. الإجماع (اتفاق آراء المجتهدین فی مسألة معینة):

حجیة الإجماع عند الشیعة من جهة کونه کاشفاً عن قول النبی (ص) أو الإمام (ع) فمثلاً لو أن المسلمین جمیعاً اتفقوا على مسألة معینة فی عصر النبی (ص) دون استثناء، و عملوا على ذلک جمیعاً، فهذا یدل على أنهم تلقوها من رسول الله (ص) و کذلک إذا اتفق أصحاب الأئمة على موقف عملی واحد فی مسألة من المسائل فذلک یدل على أنهم أخذوها عن إمامهم، و هذا النوع من الإجماع حجة یقیناً و لکن لا من جهة حجیة نفس الإجماع، بل بلحاظ کونه إما کاشفاً أو متضمناً قول المعصوم.[11]

4. العقل: الملاحظ فی الخطاب الإسلامی و تعالیمه الراقیة أنه أثنى على العقل ثناءً کبیراً قلما أثنى على شیء مثله، و هذا الثناء ناظر إلى قدرة العقل و استعماله فی معرفة الواقعیات و تمیز الصحیح من غیر الصحیح فی الأبعاد المختلفة على مستوى العقائد و العبادة و على صعید الفرد و المجتمع و ... و من مجموع ما ورد فی العقل و ما صرح به الشرع یمکن التوصل إلى نتیجة مؤداها اعتبار و أهمیة العقل و حجیته الذاتیة.[12]

و لذلک و منذ القدم اعتبرت حجیة العقل و اعتمد على أنه أساس من الأسس التی یعتمد علیها فی تحصیل الحکم الشرعی لدى علماء الشیعة.[13] و حجیة العقل عند الشیعة بمعنى إذا حکم العقل فی مورد معین حکماً قطعیاً فإن هذا الحکم یعتبر حجةً بحکم کونه قطعیاً و یقینیاً.[14]

و المحصلة أن الفقیه و المجتهد یعتمد على هذه المصادر الأربعة و ما یراه مناسباً من مبانیه الأجتهادیة فی عملیة إصدار فتاواه.

و لابد من الانتباه إلى أن بحث المبانی الاجتهادیة لا ینحصر فیما تقدم ذکره فی المقال، و لأجل الاطلاع بشکل واسع ننصح بالرجوع إلى فصول و اجزاء کتاب الأستاذ هادوی (تأملات فی علم الأصول).



[1] النهایة، ج 1، ص 319.

[2] المصدر نفسه.

[3] انظر: هادوی الطهرانی، مبانی کلامی اجتهاد "المبانی الکلامیة للاجتهاد"، ص 19 و 20.

[4] یعبر عن هذه المنابع الأربعة بالأدلة الأربعة فی اصطلاح الفقهاء.

[5] محمد إبراهیم الجناتی، منابع الاجتهاد، ج 1، ص 76. للاطلاع أکثر، انظر: هادوی الطهرانی، مهدی، فلسفة علم أصول الفقه، الدفتر الرابع، المبادئ الصدوریة للقرآن الکریم.

[6] و من الطبیعی أن أنکره أفراد قلائل، کما أشیر إلى ذلک فی کتاب الأم، لمحمد بن إدریس الشافعی، ج 7، ص250.

[7] المصدر نفسه، ص 86.

[8] بحار الأنوار، ج 23، ص 118.

[9] للاطلاع الأکثر، انظر: هادوی الطهرانی، مهدی، فلسفة علم أصول الفقه، الدفتر الخامس و السادس، المبادئ الصدوریة و الدلالیة للسنة.

[10] المصدر نفسه، ص 75.

[11] أبو القاسم الگرجی، تاریخ الفقه و الفقهاء، ص 68.

[12] منابع الاجتهاد، ج 1، ص 243.

[13] المصدر نفسه، ص 224.

[14] الشهید المطهری، آشنایی با علوم اسلامی (سلسلة علوم الإسلام"، ج 3، ص 19.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280340 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258959 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129743 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115935 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89635 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61186 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60465 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57425 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51871 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47814 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...